كتب الأستاذ حليم خاتون:
بعيدا عن زلازل الطبيعة التي جعلت بعض اللبنانيين ينسون عمق المصائب التي يغرقون في بحورها، يخرج علينا كل يوم محللون بزيت، ومحللون بعكر...
يا أخي "خذونا" على "قد" عقولنا...
خرج أمس الاستاذ صلاح سلام يقول إن المسألة بسيطة جداً...
اختصر الاستاذ سلام كل أزمة النظام في لبنان بما يجري هذه الأيام مع إضراب المصارف...
كل أموال المودعين ذهبت من المصارف إلى المصرف المركزي الذي مررها بدوره إلى السلطة...
الغريب في الأمر، أن معظم المحللين يطلقون على السلطة القائمة إسم الدولة مما يجعل الأمور على صعوبة كبيرة لأن الدولة هي كيان أعلى وأسمى ويجمع كل العناصر المتواجدة على بقعة جغرافية...
إمكانية زوال الدولة ليست بالسهولة التي يتصورها البعض بينما السلطة قد تكون أخت شحطة كما هو الأمر عندنا وعند الإخوة الفلسطينيين خصوصاً، وفي العالم العربي والعالم المتخلف عموماً...
المهم...
عودة إلى الاستاذ سلام...
يرى أستاذنا ان الحل بسيط بساطة وضع الزيت والزعتر على العجين والحصول على المنقوشة...
الحل ببساطة هو أن تتعهد هذه السلطة بإرجاع هذه الأموال وفق جداول زمنية محددة إلى المصرف المركزي الذي عليه بدوره أن يعيدها إلى المصارف التي تعيدها إلى الناس...
"يا عمي شو بدكم بساطة أكثر من هيك"!
بعدها يمكن الجلوس بهدوء وانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة... و"تيتي تيتي، خلصت الحدوثةِ"، هه كسرنا ال ة إكراماً للاستاذ سلام...
في الظاهر، يبدو الكلام عين العقل... لكن في الواقع، يجب النظر إذا ما كانت هذه السلطة سلطة عادلة ام سلطة مارقة...
تتألف هذه السلطة من مجموعة سلطات المفروض أن تكون مستقلة عن بعضها ولا يستطيع جمعها إلا أولاد اخت شحطة... وهذا ما حصل في لبنان...
هؤلاء مجموعة من البشر يتفق القاصي والداني على أن الآدمي في هذه السلطة (السلطات)، عاجز عجز المشلول عن الحركة، وعن التفكير أيضاً...
طبعا لو كان في هذه السلطة أهل سلطة وعدالة لما كان وصل الأمر إلى ما وصل إليه...
لكن لنفرض أن هذا العاجز المشلول استعاد عافيته بقدرة قادر وقرر أن يفعل شيئا...
هل يمكن هذا؟
هناك عدة خطوات يجب القيام بها:
أولا، في قانون الجريمة والعقاب.
يتم تشكيل محاكمة علنية لكل من في هذه السلطة لرؤية كيف تم صرف هذا المال...
هل في هذا الأمر أية مشكلة؟
يتبين أن بين هؤلاء من سطا على المال العام...
تتم مصادرة كل املاك هذا المسؤول وغيره لصالح صندوق سداد أموال المودعين...
هذا هو منطق الأمور...
يتبين أيضاً أن هناك من أهدر هذا المال سواء عن حسن نية او لا...
وفقاً، للقوانين الجزائية اللبنانية، كل هدر أو صرف أموال ضاعت، يجب أن يتحمل مسؤوليتها من أعطى الأمر بالصرف...
هذا يعني أيضاً أنه يجب مصادرة ما يكفي من أموال وأملاك هؤلاء لصالح نفس صندوق إعادة ودائع الناس...
هنا يتم النظر إذا ما كان المال الموضوع في الصندوق يكفي ام لا...
في اسوأ الأحوال، إذا لم يكف الصندوق...
يتوجب على السلطة القائمة التي كانت عاجزة واستيقظت "بليلة ما فيها ضو قمر"؛ يتوجب عليها القيام بالخطوة التالية وهي فرض ضرائب عادلة على المجتمع بحيث تتم جباية نسبة محددة من أرباح اعمال كل من يتمتع بحق ممارسة الأعمال على أرض هذه السلطة...
لكي تكون هذه الجباية عادلة يجب أن تكون تصاعدية؛ أي كل ما علت الأرباح، تعلو نسبة الجباية...
في فرنسا، تصل هذه الضرائب المباشرة على الشركات إلى حوالي ٧٥٪ من الأرباح بينما يدفع تاجر البناء في لبنان من الجمل إذنه، هذا إذا لم يتقدم بتصريح إلى مصلحة الضرائب بأنه يخسر وبالكاد يستطيع شراء بنزين لسيارات البورش و الفيراري و انفينيتي وغيرها مما يقف أمام قصره الذي يحوي عشرات الغرف ومسبح و سونا وتدليك ورياضة إلى درجة أن عنده خمسة من الخدم مع اكثر من شوفير لا يستطيعون إنهاء العمل المطلوب...
زيادة على ذلك هو يستدين من حماه لدفع الرواتب والاتكال على الله... حرام الرجل يعاني!!!
"شو بيقدر الواحد يعمل تيعمل"...
أحس رفيق الحريري بمدى الظلم اللاحق بهذه الطبقة فقام بتخفيض الضرائب عليهم و(على نفسه) إلى حوالي ١٠ إلى ١٥٪ هذا إذا دفعوا... ومعظمهم لا يدفع...
كان الطبيب يتقاضى ١٠٠ دولار "فحصية"، ومئة أخرى عند كل مراجعة وكذلك كبار شركات المقاولات حتى وصل الأمر بابن عمة السنيورة أن يحتج ويرفض دفع مئة ألف دولار رغم أن شركاته كان تبني عدة أبنية على الرملة البيضاء وتبيع الشقة الواحدة بعدة ملايين من الدولارات...
لو كان صاحبنا في فرنسا، لكانت الضريبة الواجبة لا تقل عن مئة مليون دولار...
كذلك الأمر مع ضريبة حصر الإرث حين جمد فؤاد السنيورة القانون لمدة كافية تتيح لآل الحريري إتمام معاملات الإرث دون دفع قرش واحد بينما لو كان الأمر في سويسرا لكان المبلغ المتوجب لا يقل عن ٣ مليار دولار...
هل في كل ما سبق، صعوبة على الفهم؟
قطعا لا... لكن هناك صعوبة في التطبيق...
لماذا...
لا يمكن ذلك لعدة أسباب...
اولا،
إن فرضية أن يقوم المشلول من الشلل مسألة صعبة جداً إلى درجة الاستحالة... وقد ثبت ذلك بالملموس في لبنان... الآدمي، رغم فائض القوة، أعجز من أن يعمل منقوشة في فرن...
ثانيا، إن فرضية أن يخضع اللصوص للمنطق ويقبلون بمصادرة ما سرقوه هي فرضية لا تمشي في لبنان...
الذي لا يصدق سوف يجد نفسه في العالم الآخر إن هو تجرأ على إحقاق حق...
ينطبق الأمر نفسه على من أهدر المال العام...
إذا، ما العمل؟
يجب أن تتواجد قوة عادلة قوية عندها ما يكفي من قوة التصميم وحرية الإرادة... بما فيه الكفاية لفرض كل ما سبق...
في حالة لبنان، من هي هذه القوة؟
حتى اليوم، لا أحد...
إذا، كل كلام الاستاذ صلاح سلام غير قابل للصرف...
يخرج الاستاذ جورج صولاج، مدير تحرير صحيفة الجمهورية بنظرية أخرى...
إذا أردنا إنقاذ أموال المودعين يجب منع المصارف من الإفلاس...
وفق القانون اللبناني، ضمانة الودائع لا تزيد على ٧٥ مليون ليرة حد أقصى للوديعة الواحدة في حالة إفلاس المصرف...
إذا... يرى الاستاذ جورج أنه يجب إنقاذ المصارف من أجل إنقاذ أموال المودعين!!!...
يعني تقوم المصارف بارتكاب السبعة وذمتها، ثم يتوجب إنقاذها...
هل هذا معقول؟
طبعاً لا...
هل هناك ح؟...
طبعاً...
لكن لا الاستاذ جورج ولا النظام اللبناني العفن يريد تطبيق هذا الحل...
الحل بسيط جدا...
يتم إلقاء القبض على أصحاب المصارف المُرتكِبة وعلى أعضاء مجالس الإدارة وعلى كبار المديرين العامين في هذه المصارف، وتتم مصادرة كل أملاكهم في لبنان والخارج حيث لا يمكن الإفراج عنهم إلا بعد استرداد ما قاموا بتهريبه...
يتم وضع كل الأموال والأملاك المصادرة من تلك المصارف التي تصبح ملكا للقطاع العام بانتظار إعادة كل أموال المودعين على فترة زمنية محددة ثم يتم خصخصة هذه المصارف بعد ذلك لصالح أناس آخرين ووفق قوانين أكثر صرامة في النقد والتسليف هذه المرة...
لكن هل يكفي كل ما سبق من أجل قيام دولة القانون في لبنان؟
لبنان بلد بالغ التعقيد بسبب تركيبة السكان الطائفية...
من المؤكد ان البلد يحتاج الى مؤتمر وطني عام من كبار رجال القانون والعلم...
أناس يجتمعون بشكل شبه دائم ويعملون على وضع دستور جديد... غير دستور بريمر الذي يسعى إليه كل الزعماء الموجودين اليوم في سلطة نظام الأمر الواقع المفلس...
المسألة ليس حفلة تقاسم قالب حلوة... المسألة هي بناء دولة قانون وعدالة اجتماعية للمحافظة على وطن...
يحتاج لبنان الى عقد اجتماعي جديد متعدد التوجهات بشكل يسمح للتجمعات السكانية المختلفة التعبير عن آرائها، لكن على أن تبقى الكلمة الأخيرة لسلطة مركزية علمانية ترعى الجميع ويتم انتخابها بكل أطرها مباشرة من الشعب...
هل هذا صعب؟
المنطق يقول لا... لكن في مجتمع الحمير لا يمكن لسلطة إلا أن تكون من فئة الحمير أنفسهم والسلام على من اتبع الهدى...
حليم خاتون