كتب الأستاذ حليم خاتون:
تهديد الأميركيين بالرد على حرب الفوضى المحصورة، بفوضى أوسع وأشمل تعم كل المنطقة هو عين العقل، ولكن...
تكاد مقاومة غزة تقترب من الإفلاس لأنها أطلقت تهديدات في الهواء لا تستند على تصميم وإرادة، ولا تريد نقل الصراع إلى مستويات أعلى... بغض النظر عن الحديث العقيم حول الإمكانيات، والحصار وخيانة الأنظمة العربية...
كل التبرير لا يمكن أن يؤدي إلى الحرية... وحدها الروح القتالية والنضال وبذل الغالي والنفيس يعطي لهذه الدنيا طعما ورائحة... وقبل كل شيء، يعطيها معنى...
إما العيش بحرية، وإما السقوط بشرف...
في هكذا صراع، المهم هي الروح... هي الإرادة...
"هي العمل من أجل الغد وكأنك تعيش ابدا، والعمل لأجل اليوم وكأنك تموت غدا"...
من هذه الحقائق التاريخية انطلق الحاج عماد مغنية لبناء قوة عسكرية ضاربة تراكمت كما تراكُمِ كرة الثلج حتى وصل حزب الله الى التحرير دون قيد أو شرط سنة ٢٠٠٠، وإلى حرب تموز ٢٠٠٦ التي صارت مفصلاً تاريخياً في سرديات الحروب، له ما قبله، وله ما بعده...
"إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه..."، فما بالنا وحال هوان الأمة؛ احتلال واستيطان، وحصار من القريب قبل الغريب، وبأمر مباشر من هذا الغريب البعيد...
ما قاله السيد نصرالله، وما يقوله الكثيرون من منظري حزب الله عن البراغماتية الأميركية صحيح، لكن هذا يعتمد على الظروف وعلى الخصم في المواجهة...
الاميركيون براغماتيون ولكن وفقاً لقوة الجهة المقابلة وليس لوجه الله تعالى...
أولاً، هناك مجيء الأميركيين بلحمهم وشحمهم إلى سوريا...
هناك عودة قواتهم إلى العراق بعد أن تعلموا الدرس مما حصل لهم قبل الاندحار في المرة السابقة...
هناك انسحابهم من أفغانستان، الذي يبدو ضمن مخطط عام وأيضاً ليس لوجه الله تعالى...
كل هذا، له معنى مهم وهو أنهم أكثر استعداداً للذهاب إلى الصراع وعدم الاعتماد فقط على كلب الحراسة، اسرائيل...
ثانياً، وبكل أسف، ولهذا يُبرز الاميركيون أنيابهم، إن لدى الأميركيين تجربة مع العنصر العربي الذي لا يمتلك نفسا طويلاً في الصراعات... على عكس الفرس مثلا...
بكل أسف، ترك العرب في القرن الاخير انطباعا عاماً بأنهم ليسوا أكثر من ظاهرة صوتية واكبر دليل على ذلك هو كيفية تعامل هؤلاء العرب مع ما يحدث في فلسطين وهو يصل الى درجة العهر مقارنة مع مواقف الأنظمة الإفريقية والأمريكيين من اصل أفريقي تجاه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا...
حتى الفلسطينيون، ورغم مدى الهمجية التي يواجهونها، لم يرتق أي فصيل فلسطيني الى مستوى الكفاح المسلح الذي لا تستطيع قوة على الارض مواجهته إذا ما ملك القدر الكافي من التصميم على الذهاب بالمواجهة إلى أقصى الدرجات...
يبدو أن تجربة المليون ونصف المليون شهيد في الجزائر هي استثناء أكثر مما هي نهج نضالي بالنسبة للشعوب العربية...
عودة إلى لبنان... عودة إلى حزب الله...
يكفي مقارنة بسيطة بين تجربة هذا الحزب وتجربتي الحزب الشيوعي الفيتنامي أو الحزب الشيوعي الصيني، لكي يرى المرء أن حزب الله يقف في موقع يخلط فيه بين كونه حركة تحرر وتحرير وطني وبين محاولته لعب دور حزب سلطة ومساومة سياسية...
هل حزب الله مستعد فعلا للذهاب بتهديده إلى الحدود التي تؤلم الأميركيين...
تجعلهم يصرخون من الألم...
تدفعهم الى تقديم تنازلات ما على الساحة اللبنانية؟
بصراحة، ألا يلعب الوضع في لبنان دوراً محبطا بالنسبة إلى حزب الله...؟
يجب أن لا يذهب التفكير إلى أن المطلوب من الحزب هو الانسحاب من السلطة أو الندم على أنه دخلها في ذات يوم خلال العقدين الأخيرين، بقدر ما أن المطلوب من الحزب هو أن يمارس هذه السلطة فعلاً طالما أنه دخلها...
من المؤكد أن حزب الله لم يكن جاهلاً لبنية النظام اللبناني وما فيه من عيوب؛ حتى لو كان جاهلا فعلاً بهذا الوضع، فهو قد أمضى في هذه السلطة ما يكفي من الوقت ليفهم هذه التركيبة ويجد الطريقة لفك شيفرتها...
تقوم نظرية حزب الله على أن المشكلة القائمة في لبنان والمنطقة تقوم على تعقيدات داخلية، وأخرى خارجية...
يركز حزب الله على الأسباب الخارجية للأزمة لأن قوته تنبع من التصدي لهذا الخارج...
يتجنب حزب الله ذكر الأسباب الداخلية لأن عجزه ينبع من المستنقع الداخلي...
يركز حزب الله على الأسباب الخارجية لأنه يفضل الصدام مع اسرائيل وامريكا على الصدام مع الداخل سواء تمثل ذلك في القوات أو أو الكتائب... أو حتى التيار العوني....
بماذا يختلف التيار العوني عن غيره من القوى في الساحة المسيحية، إن من ناحية التمادي في زيادة اعباء الوطن أو من ناحية التآخي مع الشركاء الآخرين في الوطن...
نظرة واحدة إلى برامج القوات أو الكتائب أو التيار العوني تُظهر بوضوح أن لا فرق... بينهم جميعاً...
كلهن يعني كلهن...
كل هذه الأطراف المسيحية آتية من مدرسة بشير الجميل...
الكل إنعزالي، لا فرق بين قواتي وبين عوني...
حتى من ناحية التعامل مع إسرائيل، لا يختلف ماضي العونيين عن ماضي القوات أو الكتائب في الاحلام والمشاريع شبه التقسيمية...
عندما يتهم حزب الله اميركا واسرائيل، هو يعرف أن منازلة هؤلاء اسهل ألف مرة من منازلة الفاسدين من المستقبل وامل والاشتراكي وغيرهم...
مع الصهاينة، الخطوط الفاصلة والتباينات وعمق واحقية الصراع لا تتطلب منهم أي مواقف وسطية محرجة.
أما في حالة الصراع مع الداخل، تكون الأمور اصعب بكثير...
لكن السؤال الذي قد يفرض نفسه هو كيف ينوي حزب الله تنفيذ تهديده بنشر الفوضى؟
هل ينوي تكرار تجارب الدكتور وديع حداد، أو ابو حسن سلامة في الإرهاب الثوري؟
هل حزب الله مستعد لقصف كاريش أو غيرها؟
نحن نقف فعلاً على مفترق طرق...
فلا الحديث مع العونيين سوف يؤدي إلى حلول، واصلا العونيون غارقون في سلطة الفساد مثلهم مثل غيرهم...
ولا الحديث مع القوات اللبنانية سوف يؤدي الى عجائب في بلد لم تتوقف القوات فيه منذ نشأتها، عن الاصطفاف دوما داخل أكثر الأطراف عداوة لكل ما تحمله حركة التحرر اللبنانية والعربية من معاني...
هل يستطيع حزب الله اختراق جدار الاحجار غير القابلة للكسر؟
كيفما قد يدير المرء نفسه سوف لا يجد من بد إلا الصدام مع كل قوى الداخل لانها كلها ام هذا الفساد وأبوه...
لقد ظهر المدى الذي يمكن لحزب الله الوصول إليه مع كل تلك القوى الفاسدة في الداخل... ظهر هذا بوضوح...
لا يمكن لحزب الله الوصول إلى الصدام مع كل هؤلاء...
إذا، لا يبقى سوى الصدام مع الكيان ومع الأميركيين من أجل قلب الطاولة ومنع ما يجري من استفراد وحصار وتجويع للبنان وكل المنطقة...
هل الحزب مستعد لذلك؟
ما سوف تكون مواقف كل تلك القوى... علما أن قسما كبيرا من هؤلاء سوف يدخل في المؤامرة إلى جانب اسرائيل وأميركا ضد حزب الله...
إما أن الحرب قادمة لا محالة كما يتنبأ الإعلامي عبد الباري عطوان، وسوف يواجه حزب الله قسما كبيرا من الداخل سوف يقف مع الخارج... ولا وجود طربوش عصمة على رأس أي كان من هذا الداخل...
وإما أن حزب الله سوف يساوم...
ليس الأمر أن حزب الله غير مستعد للمساومة؛ المشكلة هي أن حزب الله يريد المساومة من موقع قوة وهو غير مستعد حتى الآن على الأقل لاستعمال القوة...
الذي يفهم، يفهم...
والذي لا يفهم، يقول كف عدس...
حليم خاتون