البروفيسّور الدكتور محمّد كاظم المهاجر:
مقالات
البروفيسّور الدكتور محمّد كاظم المهاجر: "صوابية الرؤية والموقف،, بين الكلي والجزئي"

البروفيسّور الدكتور محمّد كاظم المهاجر:

_ كنت قد دونت مقولة على صفحتي، حول الجزئي والكلي ، وطالبني بعض الأصدقاء بمقالة تشرحُ منهجيةَ التعاطي مع الحدث الجزئي، في إطار الرؤية الكلية الإستراتيجية،كون الأجزاء عناصر َمشتقةً من الكليّ، وليست عناصرَ مؤلِّفة للكُلّ، ودقةُ

التشخيصِ والتحليلِ، وفقاً لذلك تأخذ السياقَ من العامِّ إلى الخاصّ، وتُفَسِّرُه، وما يلي استجابةٌ لذلك الطلب:

_ لسنواتٍ خَلَتْ، وضِمْنَ الإطارِ المعرفيِّ لي، كُنتُ أعتقدُ أنّ مفهومَ الدولةِ العميقةِ يَتَحَدَّدُ ضِمْنَ إطارِها المجتمعي، في ترتيبِ سِياقاتِ نهجِها ضمن الدولة،ورسمِ سياساتِها الدوليةِ وفْقاًلمصالحِها الذاتية، مع خُلُوِّ القوّةِ العميقةِ للمستوى العالمِي ِّ،إلّا في إطار التحالفات.

- [ ] _ توسُّعُ الإطارِ المعرفيِّ وتطورُ المعطياتِ الفكريةِ، مع اتِّباع ِالمنهج ِ التحليليِّ العلميّ، والتي أغنيتُها عَبْرَ جَهْدٍ مُضْنٍ في الاطلاع والمتابعة، سواءٌ لكلّ ما أتيح لي من الفكر العالمي، أو متابعة مراكز البحوث الإستراتيجية، على صفحات الانترنيت ، أو ماسَنَحَتْ لِيَ الفرصُ لِلِاستِفادةِ من توفُّر ِ ِبحوثِ المؤتمراتِ الدولية، أو إقامةِ حواراتٍ فكريةٍ مع مفكرين عالميين، جعلتْ من الرؤية لديَّ تتوسعُ وتتطورُ، ضمن إطار ٍأكثرَ سِعَةً وأوفرَ معرفةً، وبالتالي انعِكاساً في القُدُراتِ الفكرية.

- [x] وضمن هذا السياق كان تطورُماأشرْتُ إليهِ،في الرؤية الكليةلسياقات السيطرةعلى العالم،وأعرُضهُ بشكلٍ موجزٍ جداً جداً، كالتالي :

_ كمٌ هائلٌ من الجهدِ امتدّ في شموليَّتِه،من العقل النظري إلى العقل العملي، وما يُفْرِزُهُ من المناهج ِ والأساليبِ والأدوات، وضِمْنَ فتراتٍ زمنيةٍ طويلةٍ ومضنية، وصولاً إلى تبلوُر ِ المنظورِ الشموليِّ لصراعات الانسان.

على المستوى العالمي، كان لابُدَّ من الإحاطةِ الفكريةِ في مجالها الفلسفي،الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي ، وفي مقدمة ذلك الفكرُ الأنكلو سكسوني والليبراليّ،الذي تمتدُّ أبعادُه على الكم ِّالأكبر ِمن دول العالم،فلابُدّمن القراءةالمعمّقة لمفاهيمِ الوجودِ وصيرورتِه، وطروحاتِ المفكرين الغربيين، (مقولات بنتام:الإنسان الذئب)، وغيرها من الفلسفات الِاقتصادية،وطروحات مالتوس وضوابطُه الإيجابيةُ،في الحروب والأوبئة،لتحديد الكَم ِّالسكانيّ، إلى الفكر الليبرالي في بداياته، لتشريعِ الاستعمار، وفي مرحلته الوسطية، في تشريعِ التبعيةِ وأساليبِهافي القهر،إلى المرحلة المعاصرةِ في الهيمنةِومناهجها المُتَسَلِّطَة.

المناهجُ والأساليبُ ما هي إلّا انعِكاسٌ لهذا الفكر ِالمتعالي، يفرُضُ تفرُّعاتٍ وأدوات؛ فالماسونيةُ أداةٌ عالميةٌ مُحاطةٌ بسريَّةٍ عميقة.

ومجموعة ال ( wesp ) الوايت انكلوسكسون بروتستانت، وتحالُفُها الإستراتيجي مع الصهيونيةِ العالمية، هي أيضاً أداة.

بيلدربرغ أيضا أداة،مؤتمركامبل بّنِرْمَنْ منهجٌ في الفعل العمليّ لرسمِ الاستراتيجيات، إلخ......

إذاً،من هي اليَدُالخفيةُالتي تقفُ وراء كل ذلك ؟؟؟!!!

كل الوثائق والأبحاث، وما رشح من الأسرار، تشير إلى القوةِ العميقةِ العالمية، لِما يُسَمّى "المتنورون"؛ وهم مجموعةُ المتنفِّذينَ على مستوىً رفيع، في مجالاتِ الحياةِ الِاقتِصاديةِ والسياسية، ونُخْبَةٌ سِرِّيَّةٌ تُجَسِّدُ كلَّ المنظماتِ التي أشرنا إليها، مُخطَّطاتُها مَرحلِيّةٌ مُتعاقِبَةٌ سِرِّيَّةٌ،هادِفَةٌإلى التّحَكُّمِ بالعالمِ وبِمَوارِدِه، والإمساك بناصيَتِهِ، وفقا للفكرِ الّذي أشرْنا إليه، وتعاقُبُ مراحِلِهاقدتمتدُّلفتراتٍ زمنيةٍ طويلةٍ تتكيف وفقاً للمعطياتِ الدوليةِ والإقليمية، وحتى على مستويات دول .

ما يمكنُ أن نُشيرَ إلَيْهِ هُنا، في واقعنا المعاصر المولود من رحم المراحل السابقة ومعطياتها، وباختصارٍ شديدٍ جِداً، بالقَدْرِ الذي تسمحُ بهِ المقالةُعلى صفحات الانترنيت.

_ أمريكا المفرغةُ من أيةِ خلفيةٍ حضارية، والمُحْكَمَةُ بعقليةِ القتلِ والتفوق، تتربّعُ على رأسِ العالمِ، مُنذُ ما بعد الحرب العالمية الثانية، عبرَ مؤتمرِ "بروتون وورث"، قوةٌ اقتصاديةٌ توفّرَ لها، عَبْرَ النظام العالميِّ الوليد، نظامٌ نقديٌّ دَوليٌّ، جعل من الدولارعُمْلَةَ العُمْلات،تُجْمَعُ الذهبَ في أمرِيكا، كما توفّرَ لها السيطرةُ على المؤسساتِ الدوليةِ كالبنك الدولي وصندوقِ النقدِ الدَّوْلِيّ، ولاحقاً منظمةُالتجارةِالعالمية، مشروعُ مارشال في أوروبا، إلخ......... أمريكا كقُطْبٍ عالَمِيٍّ رئيسيّ، ولكن إلى جانبها ما يُعطِي توازناً في العالمِ عَبْر َالاتحادِالسوفياتيّ والمعسكرِ الِاشتراكِيّ، وبالتالي مرحلةِ الحربِ الباردة، وحركاتِ التحرُّكِ الوطنيِّ الناهضةِ المتطلعةِ إلى تحرُّرِهاوسيادتها؛ ولكن، مع تفكك الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، ومرحلة العولمة، أمريكا تُعلِنُ أُحاديَّةَ قُطْبِيَّتِها العالمية، ونهايةَ التاريخِ وفقاً للفكرِ الغربيِّ اللّيبرالِيّ، وتُعْلِنُ أنَّ القرنَ القادِمَ قَرْنٌ أمريكيٌّ بلا منازع، لكنّ مُعطَيَاتِ القرنِ الحادِي و العِشرينَ، وغطرسةَ أمريكا ورُعونَتَها، وإعلاءَ شأنِ "ديموسها"، جعل منها عدوةَ الشعوب،وعلى لسانِ المفكرينَ الغربيين، وبدلاً من الهيمنةِ المطلقةِ، وفي بداياتِ القرنِ بدأتْ مرحلةٌ جديدةٌ مِنَ المخاضِ، وبروز أقطابٍ دّولِييِّنَ إلى جانبها ...روسيا .....الصين. . واقليميين كالهند، البرازيل، اليابان وإيران،ومراكزَ نوويةٍعلى مستوى الدولةِ معادِيَةٍ لأمريكا، ككوريا الشمالية، إلخ.......مراكزَ نفوذٍ دوليةٍ تتوازنُ في قُطْبِيَّتِها مع أمريكا، دون، أن تصلَ إلى الصِّدامِ العسكرِيّ.

مايجري الآن،بين روسياوأمريكا، حول أوكرانياوشبه جزيرةالقرم، هو وضعُ دَوْلِيِّ القُطْبِ الصاعدِ، روسيا، سيؤدي إلى توازنٍ في الرُّعْبِ، ولاأعتقدُأنه سيصل إلى المواجهةِ العسكرية، كذلك مع الصين، الَّتي بدأتْ تنحو في تموضعِها الدَّولِيِّ، عَبْر َ قُدُراتِها الِاقتصادية.

_ مايَهمُّنِي الآنَ في هذه المقالة، هو إلقاءُالضوءِعلى مَنطقةٍهامّةٍ من العالمِ، لها بُعْدُها الِاستراتيجيُّ، وتأثيراتُها الجيو بوليتيكية، إلى جانب اهميتها الفكريةِ التي كانت موضع استهدافٍ، بقراراتِ مؤتمرِ كامْبِلْ بِّنِرْمان، إنها المنطقةُ العربيةُ الإسلاميةُ المزروعُ في وسَطِها الكِيانُ الصِّهيونِيّ،وأهميةوجود هذا الكيان لهذا الفكر الغربي؛ عملية التطويع والهيمنة أخذت أبعاداً ومخطّطاتٍ مختلفةً، وبمراحلَ يكفي الِاطِّلاعُ على مُخَطّطاتِ بريجنسكي: الضرب أسفل الجدار، أو مخطّط كيسنجر: الخطوة خطوة، و الشرق الأوسط الجديد، الذي أُسْقِطَ بِقُوّةِ المقاومةِ الإسلامية في لبنان، عام 2006.

يكفي الِاطِّلاعُ على صَفْقَةِ القَرْنِ أومخطّطاتِ الربيعِ العربِيّ،

والآن، التطبيع مع الكيانِ الصهيونيِّ، القوةِ الإقليميةِ المتمحورِ مع القوةِ الدَّوْليةِ العميقةِ، ومع التطبيعِ إسنادٌ رديفٌ للكيانِ الصِّهيونِيِّ،كمحورٍ إقليميٍّ عربِيٍّ مُتَمَثِّلٌ بالسعودية ومعها دولُ الخليج.

وبالتالي، منهجيةُ الهيمنةِ على المنطقةِ العربيةِ الإسلامية، ووفقاً لِمَرْحَلِيّاتِ التّطبِيع، هي بالتأكيدِ خَلْخَلَةُ بُلدانِ المنطقة، وجرُّها للتطبيعِ معَ الكِيان الصهيوني المُغتصبِ فلسطين، لا بلْ التحالُفُ معهُ عّبْرَ استبدالِ الصراعِ العربِيِّ الصِّهيُونِيِّ، بصراعٍ عربيٍّ فارسيٍّ وهميّ، والَّذي مهّدوا له بالحربِ العراقية الإيرانية.

أسلوب الخلخلة للدول هو سِياقاتٌ عبْر َ"الفوضى الخلّاقة" وخلخلةِ الدين ِ والقومية، صراعٌ طائفيٌّ عبْرَ تشوِيهِ وخلخلَةِ الدين"شواهدها الصارخة المنظماتُ التكفيريةُ الإرهابية" وخلخلةِ القوميةِ عبْرَ تشويهِ مفهومِ العروبة، حيث العدوان السعوديُّ الإماراتيُّ الصِّهيونِيُّ على أصل ومنبع العرب في اليمن، وتحت اسمِ التحالف العربي.

عقباتُ الأداءِلِسَرَيانِ مخططاتِ الهيمنة، وبالتالي التطبيع بكُلّ أبعادِها، يتجسَّدُ في مِحْوَرِ المقاومة ،في لبنان وفلسطين واليمن وسوريا والعراق، وباسنادٍ فاعِلٍ واستراتِيجِيٍّ من الجمهورية الإسلامية في إيران، وبمركزية القضية الفلسطينية.

_ المقاومةُ الإسلاميةُ في لبنان قوةٌ أساسيَّةٌ في محورِ المقاومة مُجَازِيَةٌ لِلْكِيانِ الصِّهْيُونِيّ، امْتَلَكَتْ كُلَّ عناصر ِ القُوةِ البشريةِ والتَّقَنِيّة،(لانحتاج أدنى جهدلتفسير عِلِّيَّةِ، وحجمِ التآمرِ على لبنان، لِخَلْخَلَةِ بُنْياَنِهِ الّذي يُشَكِّلُ بِيئَةَ المُقاومة، ومن أجل ذلكَ وُظِّفَتْ كُلُّ أساليبِ الخُبْثِ والتآمُرِ والضغط، ووُظِّفَتْ كُلُّ مستوياتِ العمالةِ المُرتبطةِ بالصهيوأمريكي السعودي، داخلَ لبنان، لِخَلْقِ صِراع ٍ دامٍ يَطيحُ بالوضع اللبناني.

_ وحتى نكون منصفين وموضوعيين،فَلْنَسْتَقْرئ أحداثاً مفصليةً في لبنان، بعد تحريره، عام 2000 على يد المقاومة، وما تلا تلك الأحداثَ من محاولات إجهاض هذه المقاومة، ونزع سلاحها:

يجري اغتيالُ الشهيدِ رفيق ِ الحريري، بِيَدِ الكِيانِ الصهيونِيّ (وبشواهد مادية مؤكدة اليقين وأصبحت معروفة)، لأنّهُ رَفَضَ الدخولَ في صراع ٍ دمويٍّ مع المقاومة، رغم أن مجيئه إلى لبنان كان وفق أجندة دولية تمهد للسلام مع الكيان الصهيوني، فكانَ اغتِيالُهُ لِإزالةِ عقبةٍ ومَدخلاً لفتنةٍ طائفية.

تحليل الوضع في لبنان، واليوم يتنحى ابنُهُ الشيخ سعد، بقرارٍ من الرديفِ الإقليمِيّ لِلْكِيَان ِ الصهيونيّ، لِأنّهُ تَهَيّبَ الدُّخولَ في صراع ٍ دَمَوِيٍّ مع المقاومة، فَيُسْتَبْدَلُ بِعَميلٍ صِهيونِيٍّ مُجرِمٍ، تماماً كالصهاينة.

و تُفجِّرُ إسرائيلُ مرفأ بيروت، فيُحاولون إلصاقَ الجريمةِ بالمقاومةِ، التي تُقدِّمُ أبناءها شهداء لحفظ لبنان واللبنانيين، ويفشلون.

_اليوم وبمنهج هستيري تُوَظَّفُ كُلُّ إمكاناتِ الضّغطِ والتّعْبِئَةِ والحصارِ الاقتِصادِيّ، وتحريكِ كُلِّ عملائهم داخلَ لُبنان، بِكُلِّ مستوياتِهِم، لخلخلةِ لبنان عبر فتن داخلية تضعف المقاومة، وتؤثِّرُ على أداءِ محورِها.

وأناعلى يقين من وعي المقاومة بِسِياقاتِ هذا المخطط، لذا هي تنحو في أداءها، بمحاولات ردع الصدع، ولكنَّ كُلَّ هذهِ الظَّوَاهِرُ الجزئيةُ في لبنان، المنبثقةِ عن الوضعِ ِالكُلِّيِّ، الدَّولِيِّ والإقليميِّ كما دللنا على ذلك أعلاه.

إذاً، وصلت إلى متطلبات الحسم، وانعدام أساليب ردع الصدع .

فكلُّ مؤشِّراتِ الِاقْتِدارِ، وبكل أبعادِهِ الإقليميةِ وتداعياتِه الدولية، والإمكانِ الواعي لِكامِلِ الجمهوريةِ في لبنان،فإن الحسمَ سيكونُ، بالتأكيد، لصالح المقاومة ولبنان 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري