تركيـــا ( الأردوغانية ) تُــزاوج بيـن العثــمانية والطــورانية ، فـي غـير زمانهــما
فتــح أردوغان حــروباً مع محيــطه ، ويقــف في بــرزخ ، بين الغــرب والشـرق
امتطـى الاسـلام السياسي بنسخــته ( الإخــوانية ) فخــسر الحاضـــر والمستـــقبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نجح في سرقة حزب أربكان الاسلامي ، في زمن كان الاسلام السياسي بمختلف هوياته ، هو الغالب في المنطقة ، التي كانت تعيش حالة ركود ، بعد فشل ، أو إفشال ، النزعات التقدمية العقلانية ، سواء تلك التي كانت تنادي بالوحدة العربية ، أو الحركات اليسارية ذات التوجه الاشتراكي .
فالحركات الناصرية الكثير منها ، لم تبلور أفكارها ، مما تسرب منها عشرات الآلاف إلى الإخونج ( حزب عبد العظيم نموذجاً ) ، وموقف الكثير من الناصريين المصريين المؤسف من الحرب على سورية .
أما حزب البعث فلقد فتح جميع أبوابه بعد عام970 ، أمام الاخونج وغيرهم ، والبرهان انضمام عشرات الآلاف إلى الارهابيين في جميع الأراضي السورية .
أما الشيوعيون فحدث عن ارتداداتهم وسقوطهم في الحضن الأمريكي ـــ الإسرائيلي ، وإلى المذهبيات الضيقة ، وبعضهم عاد إلى عصبيته القومية .
حالة الركود ، والارتدادات هذه ، شكلت البيئة الحاضنة ، التي تستدعي الفكر الديني ، بنسخته المتزمتة ، النكوصية ، السوداء ، ليحكم واقعها ، لأنه يتواءم مع حالة الوعي الجمعي ، الذي يدور في نفس الدائرة المفرغة .
هذا الواقع جعل اختيار أردوغان لراحلته ( أداة ركوبه ) الفقه الديني ( وفق المدرسة الاخوانية ) ، يدلل على فهم صحيح للتوجه العام للمنطقة ، والذي جعله يتبنى سياسة التوجه شرقاً ، مع العداوة صفر .
ولقد تلاقى هذا الاختيار مع القرار الأمريكي ، القاضي بعد تدمير وإزاحة الأنظمة في المنطقة ، الموالية العتيقة ، والمتمردة الجامحة ، عن طريق حروب ( الربيع العربي ) ، تنصيب الاخوان المسلمين على سدة الحكم فيها .
لأن ذلك يخدم الطرفين الحليفين حيث تبقى المنطقة :
في حالة الثبات والدوران في بيئة دينية متخلفة ، تحمي السيطرة الأمريكية على المنطقة ، وتؤهل لاستيلاد العثمنة ، وتحول دون أي نزوع ، أو تمرد لشعوب المنطقة ، نحو الحرية ، وهذا يتلاقى ومصلحة الكيان الاسرائيلي أيضاً .
لذلك غاصت الأطراف الثلاثة في حروب الربيع العربي حتى الأسنان .
وكاد حلم الثلاثي العدواني وبخاصة الاردوغاني يتحقق ، عندما دمر الناتو ليبيا ، وأوصل الاخونج الى السلطة ، وتنامى حلمه عندما وصل ( مرسي الاخواني ) إلى الرئاسة المصرية .
[ ولكن الصمود السوري أوقف الحلم الأردوغاني ، ولجم التمدد الأمريكي ، وعزز ( الخوف الوجودي الاسرائيلي ) . وأرعب الملوك ( العملاء ، الأجراء ) ] .
[ ومن سورية ( المحاصرة ، والجائعة ) بدأ تغيير المعادلات ، والخطط الاستراتيجية ، ليس في المنطقة ، بل في العالم ] .
عندها بدأت شعبية أردوغان تتراجع في الداخل التركي ، لأنه خلق حالة عداء مع جميع الدول المجاورة ، بدلاً من شعاره ( عدوات صفر ) .
وبدلاً من أن يرعوي أردوغان ، ويعود للملمة وضعه الداخلي ، سياسة واقتصاداً ، ويعيد النظر في مركبته الاسلامية ، لعدم صلاحيتها ، في زمن افتضاح وحشية الاسلام السياسي .
أخذ الكثير من وحوشه الذي خاض بهم حربه في سورية ، إلى ليبيا لنصرة الإخونج هناك ، حيث بات في حالة تصادم مع روسيا ، كما هو حاله معها في سورية ، وحتى فرنسا .
ثم زاد في هجومه فأرسل بواخره للتنقيب عن النفط ، قبالة السواحل القبرصية اليونانية ، وبهذا الهجوم فتح الباب أمام احتمال معارك مع اليونان ، وحتى مع أوروبا ، التي تهدده بالعقوبات .
هنا أردوغان دمج بين الدعوة للإمبراطورية الطورانية ـــ العثمانية ، فارتفعت شعبيته في الداخل التركي ، حيث جمع وراءه الاسلاميين والقوميين .
لكنه بهذا السلوك الهجومي ، يكون قد فتح معاركه ليس مع جميع الدول المجاورة ، بل مع أوروبا ذاتها ، ومع مصر ، والجناح العقلاني في ليبيا ، أما مع روسيا فيمكن تصوير علاقته معها ( تفاهم ، ما قبل التخاصم ) .
هذا الطموح غير المنضبط ، وضع أردوغان أمام واحد من طريقين :
ـــ تعزيز علاقته مع أوروبا ، ومع الناتو ، بعد اهانة الإتحاد الأوروبي له وبعد مساعدة أمريكا لخصومه الأكراد ، وهذا بات الخيار الأضعف .
أو التخلي عن أوهامه في انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي ، الذي أهانه وسخر منه ، وهذا يقتضي الخروج من الناتو ، أو تجميد نشاطه فيه .
ـــ عندها يصبح الطريق الوحيد أمامه ( التحول شرقاً ) .
وهذا يتطلب منه حل جميع مشاكله مع دول الجوار ، بالتفاهم ، وحسن الجوار ، لأن المنطقة باتت مجاله الحيوي الوحيد اقتصادياً ـــ سياسياً ، عندها ينخرط في الحلف المشرقي ، وعندها تكون راحلته الاخوانية قد شاخت ، أولعنها الواقع ، بعد افتضاح انتمائها لعصور ما قبل الحضارة والعلم .