هدم جدار برلين وبناء جسر الصين
مقالات
هدم جدار برلين وبناء جسر الصين
زياد أبو الرجا
11 آذار 2023 , 19:45 م


حين تم هدم جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، وسقطت كيانات سياسية واحلاف عسكرية، ومهدت الطريق لحروب اقليمية في اوروبا لتفكيك كيانات موحدة، وتصفية حسابات عالقة منذ الحرب العالمية الثانية، وتوسعت دول حلف الناتو شرقا، وتربعت امركا على عرش العالم كقطب اوحد لا ينازعه عليه احد ولا يعترف عمليا بميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي والاعراف والتقاليد الدبلوماسية الناظمة لعلاقات الدول واحترام سيادتها،

تغولت قوى المحافظين الجدد والليبرالية الجديدة ( النيوليبرالية) وفتحت شهيتها للاستيلاء على مقدرات العالم الاقتصادية والمادية ، فاحتلت افغانستان والعراق ، ورعت ودعمت القوى الرجعية التي اشعلت الجحيم العربي لاسقاط الدول التي ترفض الخضوع لاملاءاتها ولا تهادن الكيان الصهيوني.

ثلاثة عقود من الصراع المرير بين الامبراطورية الامريكية واتباعها وبين القوى الصاعدة وعلى راسها الصين ثاني اقتصاد عالمي والمزاحم الوحيد على كرسي الاقتصاد العالمي الاول.

برزت منظومة دول البركس ودول مجموعة شنغهاي كقوى اقتصادية منازعة لامركا، ونهضت روسيا من كبوتها، وافلتت ايران من قبضة عقوبات مجلس الامن عليها. اخذت اركان العرش الامركي ( القطب الاوحد) تهتز وتتزعزع .

قامت الصين خلال العقود الثلاثة الماضية ببناء الجسور العملاقة داخل الصين وفي دول الجوار لتنفتح على العالم اقتصاديا وتجاريا وشرعت من خلالها بربط الدول الاقليمية عبر المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة. وامتدت الى القارة الافريقية تشق الطرق وتبني الجسور وتساهم في مشاريع التنمية، وكذلك الحال في امركا الجنوبية.

ان اعظم الجسور التي بنتها الصين حديثا هو الجسر الذي يربط المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية. جسر ليس له مثيل من الجسور، هو ليس لعبور الشاحنات والقطارات، انه جسر يربط ما انقطع وانفصل (( بسبب الجهل والتخلف وقوى الاستعمار)) من حبل تلاقح الاسلام العربي مع الاسلام الفارسي الذي قدم للعالم (( الحضارة العربية الاسلامية)) في ابهى صورها وتعدد انجازاتها في الفلسفة والثقافة والعلوم بكل فروعها وكافة الابداعات الانسانية.

ان اربعة عقود من عمر الثورة الاسلامية الايرانية التي تخللها قرابة عقد من الحرب العراقية الايرانية والتي غذت الاحقاد العرقية والطائفية وقطعت جسور التواصل بين ضفتي الخليج ووقفت دوله العربية مع صدام في حربه على ايران وكذلك امريكا والدول الغربية . راوحت ايران خلال الحرب بين مشروعي الثورة والدولة واعتمدت الحرب (( الغير متماثلة)) اي حرب الجيوش النظامية وحرب الغوار)) واضطرت للقيام بعمليات تخريبية خارج الحدود لخدمة اهداف استراتيجية خاصة في فرنسا التي كانت تمد العراق بالاسلحة والذخائر. واستجابت فرنسا للمطالب الايرانية..

بالرغم مما تعرضت له ايران من حصار وعقوبات واستفزازات تمس امنها الداخلي واستقرارها لتبقيها على ارضية الثورة فقط لكي لا تتمكن من الانتقال الى الدولة والاعتماد على القوة الناعمة التي تتمثل في حركات التحرر والمقاومة في الاقليم وفي مقدمتها لبنان وفلسطين. الا ان ايران الدولة وقعت التفاهم النووي مع امركا وكان نتيجتها رفع الغقوبات التي فرضها مجلس الامن الدولي عليها. عندما انسحبت امركا من التفاهم الموقع مع ايران ومن ثم بدء محادثات العودة الى الاتفاق في فيينا مع دول الخمسة زائد واحد برهنت ايران للعالم اجمع وللصديق قبل العدو انها عبرت المسافة بين الثورة والدولة بنجاح باهر. دون التخلي عن اي قواها الناعمة والفاعلة في الاقليم. انجزت ايران الدولة المستقلة استقلالها الاقتصادي رغم الحصار والعقوبات وقامت بتصنيع اكثر من ٩٧ % من ما تحتاجه اسواقها والصناعات العسكرية اللازمة للدفاع عنها ونسجت تحالفات اقليمية ودولية وتقدم برنامجها النووي الى اعلى المراحل مما يؤهلها لان تكون احد اهم اقطاب النظام العلمي الجديد المتعدد القطبية والعادل . اصبحت المرجعية الاولى للشيعة في العالم والقطب الذي يلجأ اليه المستضعفين والمحرومين في العالم بصرف النظر عن دينهم وعرقهم. نجحت ايران بترسيخ مبدأ التداول السلمي والديموقراطي للسلطة خلافا لما يجري في معظم دول الاقليم ومع اختلاف الحكومات التي تولت السلطة في ايران من اصلاحية او متشددة الا انها بقيت امينة على الثوابت والمطالب التي لا يملك احد التنازل عنها وهي

اولا:- الامن الداخلي حيث يشكل الشيعة في ايران ٨٠% والسنة ٩% ويشكل كرد ايران (( كعب اخيل)) الذين تستخدمهم القوى المعادية لايران مثل ما استخدمت كرد العراق على اقامة اقليم انفصالي ومثلما تستخدمهم حاليا في شمال شرق سورية وجنوب شرق تركيا. لن تتهاون ايران مع من يحاول العبث بامنها الداخلي من خلال اثارة الانقسامات العرقية او المذهبية .

ثانيا:- تريد ايران الاعتراف بدورها المركزي في حفظ الامن والاستقرار في العراق وعدم زجه في خلافات وصراع مع ايران قد تفضي الى صراع عسكري يهدد امن الاقليم.

ثالثا:- امن الطاقة الايرانية النفطية والغازية والطاقة النووية للاغراض السلمية وتريد تامين امن حصتها في سوق النفط والغاز العالمي. دون تعرضها للمقاطعة او العقوبات.

رابعا:- بما ان ايران انتقلت من الثورة الى الدولة فان موقعها الجيوسياسي وقوتها العسكرية وكونها المعبر والممر من الصين عبر افغانستان وباكستان شرقا وتركيا واوروبا غربا . فانها لن ترضى باقل من قطب فاعل ومقرر في النظام العالمي الجديد المتعدد الاقطاب الذي بدأ يفرض نفسه وايقاعه على الساحة الدولية.

خامسا:- ان ايران التاريخية التي قامت امبرطوريتها داخل الحدود الجغرافية التي لا ينازعها احد عليها وانتجت حضارتها الخاصة بها على مر العصور والازمنة من الزرادشتية الى الاسلامية ، وكان لها دورها الفاعل في الحضارة الانسانية بشكل عام والحضارة الاسلامية على وجه الخصوص. فانها لن تقبل باقل من اعتراف العالم شرقه وغربه بهذه الحقائق الجغرافية والحضارية . ولن تقبل بان يعبث احد بهذه الحقائق الجغرافية والحضارية. ولن تقبل بان يعبث احد بامن وسلامة الاقليم المحيط بها وخاصة الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين الذي هو منبت النزاعات والصراع والفتن في المنطقة . وانطلاقا من موقعها الاقليمي والاسلامي فانها لن تقبل باقل من الانسحاب الصهيوني الكامل من الجولان السوري المحتل والضفة الغربية بما ي ذلك القدس الشرقية التي تضم المقدسات المسيحية والاسلامية.

ان المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة الربية التي اقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام ٢٠٠٢ فانها باتفاقها التاريخي مع ايران لاعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما برعاية الصين .وما ادراك ما الصين. فان النتيجة الحتمية لهذا الاتفاق التاريخي الذي يفوق في تداعياته ونتائجه التداعيات والنتائج التي تربت على انهيار وسقوط جدار برلين.

سيكون بمقدور المملكة العربية السعودية وايران ومعهما كل العرب بالضغط على المجتمع الدولي واذا اقتضى الامر استخدام سلاح النفط والغاز لاجبار الدول على التخلي عن دعمها الاعمى للكيان والتعاطي العملي مع المبادرة العربية .

هل سيكرر التاريخ نفسه مرة اخرى وبجدية حين استخدم الملك فيصل سلاح النفط ويقوم خلفه بن سلمان بذات الخطوة مدعوما ومؤيدا من العرب وايران؟ ويتم ارغام الكيان على الانسحاب.

اذا ما اضفنا الى هذا الاتفاق التاريخي والذي نأمل ان لا يعرقله احد ما افرزته وستفرزه الحرب الاوكرانية وما شهدته امركا اللاتينية من متغيرات ليست في مصلحة امريكا بدءأ من صمود فنزويلا الى دحر بولسنارو ديموقراطيا في البرازيل وصعود القوى الوطنية في التشيلى وكولومبيا نستطيع القول بكل ثقة اننا نقف على عتبة الدخول الى عالم متغير وجديد كليا.

ان اهمية الاتفاق السعودي الايراني الذي عبر على الجسر الصيني هو ذات الجسر الذي ستعبر عليه عربة التشبيك بين دول الاقليم بديلا عن الاشتباك الذي بشر به وناضل من اجله الشهيد انيس النقاش من خلال مشروعه (( الكونفدرالية المشرقية)) التي ملخصها( ( هي درة عقد مشروع انتصار السياسات على مشروع صراع الهويات، وهي مشروع الوحدة مقابل الانقسام والتفكك، وهي مشروع القيم الانسانية مقابل مشاريع الفتن والاقتتال، وهي حشد الهويات رغم تنوعها من اجل انتصار قيم العدالة والحرية والتحرر من هيمنة الاستعمار وتحرير فلسطين))

ان عقد القران الذي وثقته الصين قران الاسكندر السعودي بن سلمان على الاميرة الايرانية روكسانا سيرزق بمولود ترعاه السعودية وايران.

امركا هدمت الجدار في برلين لتهيمن وتفكك والصين تبني الجسور لتربط وتشبك وشتان ما بين ثقافة الهدم والتدمير وثقافة البناء والترابط والتعمير ،وعلى الشعوب الان ان تختار بين السقوط والفناء وبين النهوض والبقاء، ولن يمنحها التاريخ غير هذه الفرصة المتاحة الان والتي لن تتكر فهل نحن فاعلون يا محور المقاومة؟

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري