مرة أخرى، لبنان،
وطن أم كيان؟،
ليس هناك من أحد لا يعرف قصة رسائل ماكماهون الى الشريف حسين التي دعت العرب إلى الثورة على الدولة العثمانية، كمقدمة لاعتراف بريطانيا بالشريف حسين ملكا على العرب.
ورغم انتصار الثورة البلشفية في روسيا سنة ١٩١٧، وفضحها المعاهدات السرية الإستعمارية،
التي من بينها اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا القاضية باقتسام بلاد العرب،
لم يتراجع الشريف حسين الذي أرسل ابنه الامير فيصل على رأس جيش من المتطوعين إلى دمشق لإعلان إقامة حكومة عربية هناك.
كما ليس هناك من أحد لا يعرف رفض كل الوطنيين في بلاد الشام، ولبنان المعاصر جزء من هذه البلاد؛ رفضهم تقسيم هذه البلاد وإصرارهم على الانتماء إلى الدولة العربية المعلنة.
من منا لا يعرف ادهم خنجر وصادق حمزة والشهيد السيد يوسف طاهر وعلى رأس الجميع السيد عبد الحسين شرف الدين.
الكل يعرف مقررات وادي الحجير....
لكن لم تجرِ الرياح كما اشتهت السفينة....
اقتلعت بيروت والجنوب والشمال والبقاع بالقوة من سوريا الكبرى، وضمت إلى جبل لبنان تحت مسمى دولة لبنان الكبير.
حتى اللبنانيون الذين هاجروا من لبنان على أساس أفنهم مواطنون سوريون جرى لبننتهم بحكم الأمر الواقع، لكن دون أن تتمكن فرنسا من تغيير التاربخ، حيث كانت أماكن تجمعاتهم السكنية تعرف بالمربع السوري،
Syrian Quarter...
Quartier Syrien...
المهم، مر أكثر من ربع قرن، ومعظم سكان هذا الكيان يرفضون التقسيم ويدينون بالولاء لعروبتهم...لشاميتهم.
قصفت فرنسا دمشق بالطائرات،
هزمت الدولة العربية الفتية،
بكاها الأدباء والشعراء،
وكانت قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي اكبر دليل على المذبحة،
سلام من صبا بردى أرق،
ودمع لا يكفكف يا دمشق،
.....
وانتقمت فرنسا الإستعمارية من مناصري الدولة العربية أشد انتقام،حيث لم يكتفوا بالتنكيل والاغتيالات، بل كانوا يداهمون البيوت، يكسرون ما لا يستطيعون حمله...
وكان نصيب جبل عامل من هذه الأعمال كبيرا جدا انتقاما من مؤتمر وادي الحجير...
وقررت فرنسا معاقبة هؤلاء بمنعهم من التعليم وعدم إسناد الوظائف إلى المتعلمين منهم بحجج واهية، منها خدمتهم في الدولة العثمانية، وكأن الأمر كان بيدهم.
وهكذا قررت فرنسا أن يقوم لبنان الكبير على جناحين فقط،
الجناح التابع للبطريركية المارونية، وجناح التجار المدينين الذين ارتبطت مصالحهم مع مصالح المستعمر الجديد، وكان أغلبهم من السنة في بيروت وطرابلس وصيدا،دون أن يعني هذا وضع الجميع في سلة واحدة، حيث كانت مدينة زحلة في البقاع، وعاصمة الكثلكة في المشرق، من أشد الرافضين لسلخ المناطق عن الوطن الأم سوريا، وكذلك كان المناضل الكبير عبد الحميد كرامي الذي عوقب بإعطاء النفوذ لأخصامه وعلى رأسهم الشيخ محمد الجسر الذين كان من أكثر المتعاونين مع الإستعمار الفرنسي.
مع مرور الوقت، وبعد إعلان الإستقلال على أسس تجاهلت الأطراف النائية، وأكملت سياسة الحرمان القاسي للشمال والجنوب والبقاع؛ وحصرت السلطة السياسية والإقتصادية بين الجناحين إياهما،
تجار وإقطاع الجبل من جهة،
وتجار وٱقطاع المدن من جهة أخرى.
زاد الحرمان في الأطراف من النقمة على السلطة المركزية.
وكان الحزب القومي السوري أكثر الأحزاب الوطنية تأثيرا،
إلى أن انتصرت الثورة في مصر،
فانجذب الناس إلى عبدالناصر
كمثل أعلى لحركة تحرر وطني.
ظل الوضع على هذا المنوال حتى وصول فؤاد شهاب إلى الرئاسة.
كان شهاب، الجنرال الآتي من الجيش،انسانا مثقفا ورجل دولة
بمقاييس لا بأس بها.
عرف أن هذا الكيان لا يمكن أن يستمر ويستقر ويصبح وطنا لجميع ابنائه، طالما الحرمان يضرب الأطراف.
سمح بتأسيس النقابات، وأسس مؤسسة الضمان الإجتماعي لربط الموظفين والعمال بالدولة بدل الرابط الزبائني الإقطاعي.
أوصل الكهرباء إلى القرى،
قام ببناء مدارس في الكثير من البلدات؛
شجع الزراعة، عبر المشروع الأخضر.
في عهده، بدأ ينمو نوع من الإنتماء الوطني إلى هذا الكيان الجديد.
لكن طائفية الدولة منعت الأمور من التطور باتجاه الإنصهار في بناء وطني متين.
هذه الطائفية، عجز امامها فؤاد شهاب.
كان السيد شرف الدين قد تخلى عن رفضه المبدئي لهذا الكيان وقام باستدعاء السيد موسى الصدر الذي رفع يومها شعار لبنان وطن نهائي.
لتحقيق هذا الشعار كان لا بد من ضرب النظام الطائفي، الذي عجز شهاب عن ضربه.
من هنا تركزت دعوة الإمام الصدر لقيام دولة مدنية في لبنان.
كان يجول على المناطق، ويكسر الحواجز الطائفية لحمل الناس الى تبني هذا الخيار.
أسس حركة المحرومين وتعاون مع المطران غريغوار حداد والراحل غسان تويني.
عرف هو، كما عرف الآخرون أن مصلحة الجميع هي في تحويل هذا الكيان المصطنع إلى وطن نهائي، وأن الطريق الأقصر لذلك هو عبر بناء دولة مدنية لاطائفية.
كانت مجريات الأحداث أسرع من أحلام هؤلاء الفرسان.
اندلعت الحرب الأهلية.
استمر الهذيان واللاستقرار في لبنان طالما أن التدمير الذاتي يجري على قدم وساق.
كانت إسرائيل فرحة ومرتاحة إلى انحلال الأوضاع في لبنان.
سنة ١٩٨٢، قررت اسرائيل أن الوقت حان لوضع اليد على هذا البلد المنقسم على نفسه.
وجدت حليفا مباشرا أهم من سعد حداد وانطوان لحد.
إنه بشير الجميل.
خططت معه وقامت بالغزو.
وكما يقول كبار الاستراتيجيين،
ليس المهم انت تحتل.
المهم أن تستطيع البقاء في المناطق التي تحتل.
وصلت القوات الغازية الى بيروت حيث التقت مع قوات بشير الجميل.
دخل الغزاة إلى قصر بعبدا.
على الصفحة الأولى من الصحف ظهر الجندي الإسرائيلي جالسا على مقعد رئاسة المجلس ورجله على الطاولة.
ذل لبنان لم يتوقف عند هذه الصورة؛
راحت ميليشيات بشير تقتحم وتغتال وتفرض سيطرتها وسيطرة الإسرائيلي على لبنان.
وكما يقول زياد الرحباني،
الأرض التي لا ترويها الدماء تعيش دوما في القلق .
كان الغزو ومفاعيله، أهم عامل لانفجار مقاومة تخطت باشواط،
مقاومة الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية التي لم تستطع الخروج من علبة القرار الإقليمي والدولي.
زاد الوجع الإسرائيلي، وزاد معه الوجع الأميركي والغربي.
إن ترك الأمور على غاربها، قد لا يحمد عقباه بالنسبة لمستقبل اسرائيل.
عمليات استشهادية وعبوات ناسفة لم تعهدها اسرائيل.
ركضت أميركا إلى السعودية لمحاولة إنهاء هذا الوضع.
اتصل السعوديون بالسوريين؛ وكان القرار،
أخذ الجميع إلى مدينة الطائف السعودية.
ذهب الجميع ليس لبناء لبنان جديد، بل لإعادة اقتسام الجبنة.
والذين كان من المفروض أن يدافعوا عن برنامج الحركة الوطنية الإصلاحي كانوا أول من أيد تثبيت البنية الطائفية للنظام.
وكان المسألة هي تشليح الموارنة بعض الصلاحيات وإعطاؤها للمسلمين، وبما أن السعودية وهابية الهوى، تقرر أن تتركز السلطة في يد رئيس الوزراء السني الذي صار ديكتاتورا جديدا.
أما الأستاذ نبيه بري فقد زاد مدة الولاية من سنة واحدة إلى أربع سنوات.
أي أن السنة أخذوا حقوقهم عبر تمليك مصيرهم لديكتاتور سني
جديد.
والشيعة حصلوا على حقوقهم عبر زيادة قبضة رئيس المجلس
على التشريع.
هكذا اختصر الوضع.
هكذا اختصرت الأمور.
وجاء إلى حكم لبنان مجموعة من المقاولين المصممين على وضع اليد على اقتصاد البلد،
بالتضامن والتكافل مع زعماء ميليشيات طائفية، خلعوا بدلة العسكر ولبسوا كرافاتات باريسية، آخر موضة.
ركب على مركب رفيق الحريري كل من نبيه بري، وليد جنبلاط، ميشال المر، سليمان فرنجية، سمير جعجع (قبل الغضب عليه)، عبدالحليم خدام، غازي كنعان والقليل القليل من أصحاب الحظوة، لأن الوليمة ليست كبيرة جدا.
الوليمة كانت هذا البلد الصغير لبنان.
يقول الرئيس بري أنه حفظ حقوق الشيعة عبر أخذ وزارة المالية في مؤتمر الطائف.
ولكن لماذا سلمها لفؤاد السنيورة الذي نهب البلد بما عليها؟
وهل كان ينقص رفيق الحريري أزلام من الشيعة؟
ماذا عن باسم السبع؟
ماذا عن غازي يوسف؟
الحقيقة أن أحدا لم يكن يأبه لهذه الامور يومها...
فكل من كان على ظهر ذلك المركب كان يأكل من الجبنة ويستعملها لاستزلام بيئته.
السؤال الوجيه إلى الأستاذ نبيه بري،
انت تدعو ليل نهار إلى الدولة المدنية.
انت خلفت السيد موسى الصدر الذي كان يدعو إلى الدولة المدنية.
ماذا فعلت في الطائف لأجل هذا؟
اتفاق الطائف لم يكن سوى غطاء سميك لنهب البلد.
حتى القليل القليل، مما كان يمكن أن يؤدي إلى شيء من بناء دولة، جرى تجاهله بالاتفاق مع البطرك صفير الذي طلع علينا يومها
بمقولته الشهيرة عن إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص.
طبعا، حضرة البطرك يعرف،
والباقون يعرفون أن هذا ليس سوى كذب لاستمرار دولة الزبائنية التي كانت تخدم رجال الدين بنفس مقدار خدمة رجال الميليشيات والمقاولين.
في كل أوروبا؛
الذي أنهى الحروب الدينية هي معاهدات
ويستفاليا.
لم ينتظروا حتى يقتنع كل البروتستانت والكاثوليك .
وقعت المعاهدات وطبقت بالقوة.
حتى اليوم، لا زال هناك بروتيستانت وكاثوليك متعصبون، ولكنهم بلا سلطة لأن النصوص التي تفلسف علينا بها البطرك صفير، تمنعهم من هذا.
هكذا تبنى الأوطان.
بالقوانين، تبنى المجتمعات.
حتى الرئيس المكلف مصطفى أديب، المثقف من فرنسا، والذي اتحفنا بدراسة عن وجود دولة داخل الدولة في لبنان في المجال الأمني؛
لماذا لا يتحدث عن وجود دول رجال المال (العصابات)، التي تسيطر على الدولة.
حضرة الرئيس المكلف عمل مستشارا عند الرئيس ميقاتي.
لماذا لا يخبرنا أن الرئيس ميقاتي
كون ازلاما عن طريق نهب مقدرات الدولة عبر قوانين رفيق الحريري التي سمحت له بتأسيس شركة مع ابن دلول، رأسمالها جاء من اشتراكات اللبنانيين للحصول على خطوط خليوي، وكانت أرباحه السنوية لا تقل عن ٢٥٠ مليون دولار في السنة.
على الأقل، دولة حزب الله حمت الناس، وأعادت لهذه الدولة المسخ شيئا من الصورة.
يا ليت حزب الله يأخذ السلطة.
على الأقل، سوف يضطر إلى اعتقال أصحابك من رؤساء الحكومات الناهبين السارقين؛
وإن لم يفعل، يهاجمه الناس على ذلك.
دولة الأمن داخل الدولة، التي تتحدث حضرتك عنها، حررت ارضا، وأعادت عزة؛
فماذا فعلت دولة رأس المال التي تخدم؟
يخرج علينا باسيل أمس، رافضا التوقيع الثالث...
يقول هذه مثالثة.
نعم، هذه مثالثة، ولكن ماهي حجتك ضدها؟
ماذا عن المناصفة التي تدافع عنها ايها "العلماني" المزيف؟
خمسة عشر عاما تدعي فيها العلمانية وقيام الدولة، ثم وببساطة تقع في الطائفية لتعود بعدها وتصغر البيكار إلى المذهبية.
صحيح، ما يجري هو مذهبية كاملة الاوصاف.
ولكن، وطالما أن السيدة جوزفين
ديب المنتقلة حديثا الى الجديد،
تقول إن الثنائي الشيعي يسعى إلى مكتسبات مذهبية؛
برافو، والله وجيبتيها.
ولكن من أين، لا أعرف.
أريد أن اضع افتراضا واحدا فقط.
لو قال اليوم حزب الله لماكرون،
قل لأميركا، أننا لن ندخل الحكومة ولكن شرط، ليس فقط المثالثة، نريد أن تكون وزارات المال والخارجية والطاقة والدفاع وغيرها كلها بأيدي شيعية.
هل تظنين أن الاميركان سوف يسألون عن تحليلاتك المهضومة.
الكل يخبص؛ الكل يطرطش شرقي وغربي،
والمطلوب واحد،
بناء وطن.
الخروج من لبنان الكيان إلى لبنان الوطن.
كيف السبيل الى ذلك؟
هناك طريق واحد فقط.
التوقف عن كل الهرطقات السياسية والإعلامية وحتى تلك الصادرة عن ما يسمى رجال دين هم ابعد عن الدين من بعد ابعد المجرات عن مجرتنا.
Please shut up!
Taisez-vous SVP?
سدوا بوازكم لو سمحتم!
Halt die Klappe!
لبنان لن يصبح وطنا إلا إذا صار نظامنا مدني بالكامل ونقطة على السطر.
حليم خاتون