كَتَبَ د. إسماعيل النجار:
مقالات
كَتَبَ د. إسماعيل النجار: "هل يخاف المسيحيون في لبنان على مستقبلهم ومصيرهم الوجودي فيه، ولماذا؟.
د. إسماعيل النجار
31 آذار 2023 , 23:00 م

كَتَبَ د. إسماعيل النجار: 

عادةً ما يتقدَّم اليهود حصراً، علينا بتفكيرهم الطويل الأَمَد والتخطيط لمئات السنين إلى الأمام.

فالمسلمون السُنَّة، على سبيل المثال حسب إعتقادهم، أنَّ الحياة تسيرُ بواقعها اليومي، وأنّ الإنسان عليه أن يوَفِّيَ ربَّهُ ما عليه من واجبات، وأنْ يَعمل صالحاً لمرضاته، ليلقىَ الله بقلبٍ سليم، وليست لدى المسلم السُنِّيِّ، في الزمن الحديث المُعاصر، أيَّةُ أيديولوجيا سياسية تدفعُه للتفكير في السيطرةِ على العالم، أو نهبِ ثرواتِ الآخرين، أو الهيمنة أو غير ذلك من الأطماع الدنيوية المعروفة.

المسلم السُنِّي إذاً، يعيش في لبنان كما يعيش إخوانهُ في جميع دوَل العالم. هدفُه العيشُ بسلامٍ وأمان، بخلاف الوهابية التي ترومُ عكسَ ما تطمحُ إليه العقيدة المذهبية السُنِّيَة، فمنذ تأسيس هذا المذهب وإحياء فتاوَىَ ابن تَيميَة، وطموحُ أتباعِ هذه العقيدةِ المُغّلّفَةِ تضليلاً بالإسلام،والمَحشُوَّة تهديماً، بالتكفير والإجرام، وجُلُّ ما يصبونَ إليه هوَ إرضاءُ الأميركي والبريطاني والصهيوني، لأجل السُلطَة والمال ِ وملذّات الحياة.

واليوم، عندما جاء وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان وبدأَ بتدمير هذا المذهبِ، داخلَ مملكتهِ واعتقال ِ دُعاتِهِ ومُعْتَنِقِيه، بهدفِ القضاء على المؤسسةِ الدينيةِ التي تُشكِّلُ خطراً سياسياً داهماً عليه وعلى مستقبلهِ السياسي، رأى البعضُ أنَّ الرجُلَ قَدَّمَ خدمَةً كبيرةً للبشرية، لا بَل للإنسانية جمعاء.

أما الشيعةُ في العالمِ، فهُم يختلفون عن السُنَّة في العقيدَة والطروحات؛ فالمذهبُ الجعفريُّ الإثنَا عشري يؤمنُ ويعتقدُ بوجودِ الإمامِ الثاني عشرَ على قيد الحياة، ولا بُد من ظهورهِ لتأسيس دولتِهِ الواحدة المُوَحدَة على وجه الأرض وبسط العدل بين الناس والقضاء على الشِرك، ولهذا الظهورِ عَمِلَ الشيعةُ طيلة 1400 سنةٍ خِفيَةً وتَقِيَّة،فيما همُ والآن يعملون بشكلٍ ظاهر ٍوجَليٍّ في بناءِ المُقَدَّرات ِ وتأمين ِ المُقَوِّمات وتمهيد الأرض لظهور الإمام المنتظر (عجَلَ الله تعالى) فرجه الشريف، وهُم يعملون ليل نهارفي كل أرجاء المعمورة لأجل هذا الهدف، علناً وليسَ خفيَةً.

أمافي لبنان، فيُعتبرُ الشيعةُ أنفسُهم أنهم أوَّلُ وأسرعُ مَن بَنَىَ القُوَّة و الجيش، الذي سيكونُ جُزءاً من دولة الإمام المنتظر المعهودة والمنتظرة.

لكن...في السياسة الداخلية اللبنانية، طَمأن الشيعةُ شركاءَهم في الوطن أنَّ هذه القُوَّة ستُستثمَرُ في الوقتِ الحالِي لحمايةِ لبنان، بعدما حَرَّرَت الأرض وحَمَت العَرض، وهزمَتِ الإرهاب، وحماية حقوقهِ وثرواتهِ من أطماع إسرائيل والغرب ولن تكون إلَّا في خِدمَةأبناءالوطن،وسيكون لها دور مستقبليٌّ في تحرير فلسطين من الإحتلال الصهيونيِّ الغاشم.

المسيحيون في لبنان كانوا أوَّلَ مَن أخطأ بالتعامل مع هذه القوَّةِالوطنيّةِ والإقليميةِ الصاعدة، لأنّهُم أوَّلُ مَن تعَهَّدَ أمام الغرب، بشيطنتِها والإساءَة إلى سُمعَتِها، رغمَ تسامحها مع الكثيرين منهم !

حتى أَنهم في عِز تحالفِ

هذه القُوَّة العسكرية مع جزءٍكبيرٍمُهِم ِّمن المجتمعِ المسيحيِّ، إلَّا أنّ البعضَ

منهم كانوا يتفلّتنون بين الفَينَةِ والأخرىَ، عن قصد أو عن غير قصد، ويقوم بمهاجمةِ سلاحِ هذه المقاومَة.

هذا البعضُ لَم يَعُدِ اليومَ حليفاً لحزبِ الله، وهو متموضع بعيداً عنه قليلاً وعلى مَقرِبةٍ من الضِفَةِ المعاديةِ الأُخرى، حيث بدأَ يتنفسُ تقريباً نفس الأوكسجين الإنعزالي القديم، بعدما ظَنَّ المسلمونَ في لبنانَ أنَّ بعضاً من المسيحيين قد خرجوا من جلباب الإنعزالية إلى ما تحت سقف الهوية الوطنية!

لكنْ، الظاهرُ أنّ الخطأَ في الحسابات كانَ كبيراً جداً، بِاستثناء القليل القليل من الوطنيين، و منهم الذين نحترمُ ونُجِلّ،لايزالُ وطنياً بِامتياز.

اليومَ،وتحديداًبعداستفراغِ قادةِ المسيحيين في الوطن، كل ما في جوفهم من أحقاد، بسبب عدم تقديم الساعه حسب التوقيت الصيفي، وتوتير الرأي العام والتحريض المذهبي والطائفي، وتوزيع البعض لفيديوهات تحدِّدُ وجهّ لبنان على أنه مسيحي، وفيها يهددون المسلمين!!

وبعد تصريح رئيس حكومة لبنان المستقيلة، في إحدى مقابلاته أن المسيحيين عموماً في لبنان لا تتجاوز نسبتهم أل 19٪ من مجموع سكان لبنان الأصليين؛ اعتبروا تصريحه رسالةً، أو تهديداً لهم، أو تحذيراً بأنّ المناصفةَ التي يحظَوْنَ بها من الممكن أن تصبح في يوم من الأيام، بنظرِ المسلمين،هَيمَنَةً غيرَ مُحِقَةٍأولامشروعة،واستيلاءً غيرَ مبرَرٍ على حقوق الغير، ويُطالبوا بإحصاء،وأخذ كل فريق حسب وزنِه مايستحق.

إذا كان كل هذا ما يعتقده القادةُ الروحيون والسياسيون للطائفة المسيحية في لبنان، التي جَرَّبَت أكثرَمن مرَّةولمست أن ما يستطيعُ الغربُ فعلَهُ لهم هوَتأمينُ سُفُنٍ تنقُلُهم إلى خارج ِ لبنانَ في مخطّطٍ قديمٍ جديد.

لماذالَايكونون أذكى وأدهىَ من اليهود، ويُخَفِّضونَ سقفَ مطالبِهم العالي، ويأخذون بيَد شركائهم في الوطنِ نحو بناءِ دولةٍ عَلمانيةٍ بعيدةٍ كلَّ البُعدِ عن الطائفيةِ والمذهبيةِ تصُبُّ في مصلحةِ وجودِهم ومستقبلِهم، بدلاًمن التجييش والتهديد والوعيد، ورفع سقف المطالب، والتماسِ العونِ منَ الخارج ِ، وشيطَنَةِ شركائهم،وهذالن يفيدهم بشيء!!

بكل الأحوال، حسب اعتقادنا، على المسيحيين الِاستفادةُ مما قاله وخطط له الإمامُ المُغَيَّبُ السيِّدُ موسى الصدر، وأن يكون لبنانُ وطنا نهائياً، لكل أبنائه دون تمييز،وأن يكونَ "الرجلُ المناسب في المكانِ المناسب"، كما يجب استبعادُكافّةِ المراجع الروحيةِ عن الساحة السياسية، تحت التهديد بالعقاب، وتغيير المناهج التربوية، من أجلِ تربيةِ جيلٍ جديدٍ بعيدٍ كُلِّ البُعدِ عن المذهبية، وتنقيحِ كافة ِ الكُتُبِ من الحشوات التي لا نفع منها، ومنع تدريس مادة الدين في المدارس نهائياً، وأن يكون هناك فصل بين المدارس الرسمية والدينية في لبنان.

ويجب الإعتراف بأنّ القوّةَ الشيعيةَ العسكريةَ، دائماً كانت وستبقى في خدمة الوطن وأبنائه، فإن لبنان لن يكون بخير، في ظلِّ السياسة الحالية، ولن يُسمَح لأحدٍ بِاجتزاءِ قِسمٍ منه وإعلانِ دولة، وسيدفعُ المسيحيون الثمن بكل تأكيد.

أرجوا فهمَ الأمورِ من بابِ التوضيحِ والنصيحة، لأنّ "أحدا بهالدنيا ما شَلَّشَ وضلَّ متل ما كان".

بيروت في...

31/3/2023 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري
الأكثر قراءة ماذا بعد السويداء؟
ماذا بعد السويداء؟
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً