كتب الاستاذ خضر رسلان
عند قراءة المادة 49 من الدستور اللبناني التي تنصّ على أنّ انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي، يتبادر الى الذهن أنّ اختيار الرئيس اللبناني هو حقّ حصري للنواب اللبنانيين المنتخبين، إلا انّ واقع الحال يشير الى انّ غالبية الشعب اللبناني يدركون مستندين الى السياق التاريخي أنّ العامل الإقليمي والدولي هو الأساس في اختيار رئيس الجمهورية، إذ لم يسبق في تاريخ لبنان أن كان العامل الداخلي حاسماً في اختياره، بل يتمّ خارج لبنان في الغالب ودور أعضاء البرلمان اللبناني تظهير صورة ما تمّ الاتفاق عليه، وبالتالي فإنّ القاعدة التي تعززها ما يُتداول حالياً من مداولات سواء من قبل ما يسمّى اللقاء الخماسي او من قبل الحكومة الفرنسية، فضلاً عما يصدر تباعاً من قبل عدد من السفراء انّ أمر اختيار رئيس الجمهورية اللبنانية هو شأن داخلي من حيث الشكل والدستور الا انّ حقيقة الأمر هو أمر خارجي من حيث الفعل والواقع.
لن يجد ايّ باحث سياسي صعوبة للوصول الى نتيجة تفيد انّ كلمة الفصل في اختيار رئيس الجمهورية اللبنانية كانت تتمّ على الدوام منذ عهد الاستقلال حتى يومنا هذا بإيحاء وتأثير خارجي وأنّ انتخاب الرئيس يخضع لصاحب النفوذ الأقوى في لبنان في ظلّ نظام طائفي يُعتبر وسيلة مثالية وفعّالة لجذب التدخلات الخارجية، وهذا ما يفسح المجال للدول التي تمتلك نفوذاً حاسماً داخل مكونات أساسية طائفية وحزبية ان تجيّرها لفرض ارادتها وطرح شروطها. ومنذ اتفاق الطائف برعاية سورية سعودية أميركية والذي تمّ فيه نص بنود الدستور اللبناني وإنهاء الحرب الأهلية تناوب عدد من الدول على الإمساك بزمام الأمور في حسم قرار تنصيب رئيس للدولة اللبنانية، وبقيت سورية حتى انسحابها من لبنان الجهة الفاعلة الأولى في اختيار الرئيس، والولايات المتحدة وفرنسا توافقان. وبالرغم من انسحابها وتراجع نفوذها لا تزال سورية وبموافقة ضمنية غير معلنة تمتلك حقّ الفيتو على اختيار أيّ اسم للرئاسة يكون معادياً للمصالح السورية الاستراتيجية.
فعلى الرغم من التطورات والأحداث الجسام التي عصفت بالساحة الإقليمية منذ الخروج السوري من لبنان عام 2005 بدءاً من عدوان تموز 2006 الى الحرب الكونية على سورية بهدف إسقاطها الى تنامي الأدوار السعودية والتركية المتزامن مع الحضور الميداني الأميركي المباشر والمترافق مع انقسام المحاور الحادّ الذي فرض نفسه على الساحة الدولية والإقليمية والذي امتدّ الى الساحة الداخلية اللبنانية فإنّ الحدث الرئاسي اللبناني بقي عنصر توازن ومساحة لتقاطع المصالح بين الأطراف المتصارعة مع تقدّم بالنقاط لمحور المقاومة والممانعة في حسم واختيار اسم رئيس الجمهورية اللبنانية.
السؤال الذي يطرح نفسه حول الارتدادات المتوقعة على الساحة اللبنانية وبشكل خاص موضوع الاستحقاق الرئاسي جراء المعادلات الجديدة التي بلا شكّ سوف تتبلور إذا ما نجح اولاً التفاهم والتقارب الإيراني السعودي في السير قدماً ومن ثم تتويج مسار عودة الحرارة السعودية السورية من خلال عودة سورية الى الجامعة العربية.
إنّ إعادة ربط المشهد الحالي بالسياق التاريخي الذي طالما شهد تقاطعات في المصالح بين الدول النافذة والمؤثرة حين يتمّ اختيار الرئيس العتيد يؤدّي للاستنتاج أنّ عنصر التقاطع بين هذه الدول المؤثرة يشير إلى أنّ شخصية الرئيس وهويته ستكون للمقاومة اليد الطولى في تزكيته وفق التالي:
1 ـ الولايات المتحدة الأميركية في صراعها القطبي وحاجتها الى الطاقة والاستفرار في الجبهة الجنوبية ومع ضمان استمرارية الاستفادة من اتفاقية ترسيم الحدود لا يضيرها بل ولا تمانع من وصول رئيس للجمهورية على وئام مع حزب الله.
2 ـ المملكة العربية السعودية في إطار توجه قيادتها نحو الانضمام الى تكتلات وتفاهمات تساعد في نجاح رؤيتها للعام 2030 وفي إطار تجفيف مشاكلها الإقليمية ومن ضمنها اليمن وانجاحا لتفاهمها مع الجارة إيران فضلاً عن تعزيز انفتاحها على القيادة السورية فإنها كما جاء على لسان أحد مسؤوليها فإنها لا تريد رئيس تحدّ لحزب الله وهذا الأمر يمكن له ان يتطوّر الى ما هو أكثر إذا ما عادت الحرارة الى معادلة «سين سين».
3 ـ الموقف الفرنسي ما رشح عنه في مختلف وسائل الإعلام ميله الى اختيار الرئيس الذي وافقت او لا تعارضه المقاومة. السؤال الذي يطرح نفسه في ظلّ التكافؤ في القوى الموجودة في المجلس النيابي هل يمكن ان نشهد ايّ دور تعطيلي من قبل تكتلات معارضة لخيار رئاسي ممكن ان يشهد تقاطعات بين القوى صاحبة النفوذ؟ المواقف السابقة والوقائع التاريخية تشير في الغالب منها تبدّل الكثير من المواقف التي تبدو حادّة بناء على الطلب الخارجي وخير شاهد على ذلك التوافق المسيحي الذي سبق وتحقق وتمّ الاتفاق عليه في التصويت على القانون الأرثوذكسي الخاص بالانتخابات النيابية ومن ثم تمّ التنصّل من التعهّدات بناء لطلب خارجي.
مسارات تهدئة وتفاهمات ورؤى تفاؤلية تخيّم على الأجواء الإقليمية هل ستنسحب على الملف الرئاسي في لبنان وتعبّد التفاهمات الخارجية من جديد الطريق الى بعبدا؟ إنّ غداً لناظره قريب…