مقال قانوني: تفكيك التفاهمات الإسرائيلية _اللبنانية غير المعلنة وخرق الدستور اللبناني
مقالات
مقال قانوني: تفكيك التفاهمات الإسرائيلية _اللبنانية غير المعلنة وخرق الدستور اللبناني
عدنان علامه
21 آب 2025 , 19:53 م


عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

إن تكرار نتنياهو، وقيادة جيش الإحتلال خلال اليومين الماضيين، أنّ عملياته العسكرية في لبنان تُنفَّذ وفقًا "للتفاهمات مع لبنان"، يُشكّل إقرارًا علنيًا بوجود اتفاق غير مُعلن بين الطرفين.

وهو ما يتعارض بصورة مباشرة مع الدستور اللبناني، ومع مجمل النصوص القانونية الوطنية والدولية، التي تحدّد طبيعة العلاقة مع العدو.

أولًا: مخالفة الدستور اللبناني واتفاق الطائف

ينص الدستور اللبناني في مقدمته (الفقرة ب) على أنّ لبنان ملتزم بمواثيق الأمم المتحدة، وفي الفقرة (ز) على أنّ "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". كما يصف الدستور إسرائيل بوضوح بأنّها "العدو"، وهو ما أكّده اتفاق الطائف في بند "القوة الثالثة" بضرورة إزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة. وبالتالي، فإن أي تفاهم أو ورقة تعطي العدو حرية العمل العسكري داخل الأراضي اللبنانية، أو تفويضًا مفتوحًا لإزالة ما يصفه بـ "التهديد"، يشكّل خرقًا فاضحًا للدستور وانتهاكًا للسيادة الوطنية، ويرقى إلى الخيانة العظمى.

ثانيًا: انتهاك القرار 1701 وميثاق الأمم المتحدة

القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن نصّ على وقف الأعمال العدائية، واحترام الخط الأزرق، وعدم استخدام الأراضي اللبنانية في أي أعمال عدائية. غير أن العدوان الإسرائيلي المستمر، والذي بلغ أكثر من 4000 خرق منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، يمثل انتهاكًا مباشرًا لهذا القرار.

والأخطر من ذلك أنّ السلطة اللبنانية لم تُحرّك أي آلية أممية أو قانونية لمواجهة الخروقات، وهو ما يضع الدولة في موقع المُقصّر والمتنازل عن حقوقها السيادية، خلافًا لما تفرضه المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن المساواة في السيادة بين الدول.

ثالثًا: ورقة الأهداف الأميركية وعدم دستوريتها

إقرار مجلس الوزراء اللبناني لما يُعرف بـ "ورقة الأهداف الأميركية" يشكّل تجاوزًا خطيرًا للنظام الدستوري. فهذه الورقة هي وثيقة تفاوضية مع العدو، صاغها وسيط غير نزيه (الإدارة الأميركية) المتورطة في العدوان على لبنان، وزوّدت إسرائيل بالسلاح والغطاء السياسي. وبموجب المادة 52 من الدستور، فإن التفاوض وإبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية هو من إختصاص رئيس الجمهورية بالتفاهم مع رئيس الحكومة، على أن تُعرض على مجلس النواب للموافقة. وبالتالي فإن إقرار "الورقة" في مجلس الوزراء وحده، خارج الأصول الدستورية، ودون مصادقة مجلس النواب، يجعلها باطلة وعديمة الأثر القانوني.

رابعًا: الدور الأميركي الموجّه ضد السيادة اللبنانية

لم يعد خافيًا أنّ المبعوث الأميركي طوم براك يقوم بجولات مكوكية بين لبنان والكيان الإسرائيلي وسوريا، في محاولة لانتزاع موافقات على بنود غير معلنة تتعلق بوقف إطلاق النار، وترسيم الحدود، ومزارع شبعا. هذه التحركات تضع "ورقة الأهداف الأميركية" في خانة فرض الإملاءات، لا التفاوض المتكافئ، وتجعلها أقرب إلى ملحق استسلامي غير مُعلن، يتعارض مع المادة 2 من الدستور التي تؤكد أنّ "لبنان دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة".

خامسًا: المسؤولية الدستورية والقانونية للسلطة

إنّ صمت الدولة اللبنانية أمام إعلان العدو عن "تفاهمات" معها، وعدم الردّ على بيانات أدرعي ونتنياهو، يُعتبر تخليًا عن السيادة والتزاماتها الدستورية. كما أنّ عدم مواجهة الاعتداءات بالوسائل السياسية والقانونية يرقى إلى التفريط بحقوق لبنان، ويفتح المجال أمام اعتبار السلطة شريكًا ضمنيًا في نسف القرار 1701، وإعطاء العدو الحق بالتصرف العسكري على كامل الأراضي اللبنانية.

خاتمة

إن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، مضافًا إليها تهديدات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي منح إسرائيل تفويضًا مطلقًا، تؤكد أنّ لبنان الرسمي دخل عمليًا في تفاهمات سرية مع العدو، خلافًا للدستور والقانون الدولي. وإن إقرار ورقة تفاوضية أميركية في مجلس الوزراء يُعدّ إجراءً غير دستوري، فاقدًا لأي مشروعية، بل يمثل خطوة خطيرة في مسار التخلي عن السيادة الوطنية. وعليه، فإن استعادة الاعتبار للدستور والقرار 1701، ومطالبة الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها، باتت ضرورة قصوى قبل أن يُفرض على لبنان استسلام قانوني وسياسي مكتمل الأركان.

وإنَّ غدًا لناظره قريب

21 آب/أغسطس 2025