عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين
السياسيين
أثارت تصريحات النائبة بولا يعقوبيان عن العقيدة الشيعية ووصفها بالقاتلة، صدمة واسعة لما تحمله من مساس مباشر بكرامة طائفة عريقة، تشكّل ركنًا أساسيًا من أركان الكيان اللبناني.
إن هذا الطرح لا يمكن النظر إليه على أنه موقف فردي عابر، بل يندرج ضمن سياق سياسي وثقافي ممنهج، يستهدف زعزعة أسس التوازن الوطني، وضرب مرتكزات الهوية المشتركة التي صاغها اللبنانيون بدمائهم وتجاربهم القاسية.
إن الدستور اللبناني واضح في مادته التاسعة التي تكفل حرية الاعتقاد وتحترم جميع الأديان والمذاهب، وتؤكد أن الدولة تضمن احترام النظام العام. إن المسّ بالعقيدة الشيعية أو أي عقيدة لبنانية أخرى يشكّل انتهاكًا صارخًا لهذه المادة الدستورية، ويضع صاحبه في موقع مناقض للشرعية الوطنية.
كما أن وثيقة العيش المشترك التي كرّسها اتفاق الطائف تقوم على مبدأ "لا غالب ولا مغلوب"، وترسي قاعدة احترام التنوع الديني والمذهبي والسياسي.
فحين تطلق نائبة في البرلمان توصيفات عدائية بحق طائفة بأكملها، فإنها تنسف جوهر الطائف، وتفتح الباب أمام خطابات الإلغاء والتحريض الطائفي، وهو ما حذّر منه الاتفاق بوضوح.
الأخطر في كلام يعقوبيان أنه ينسجم – بوعي أو بدون وعي – مع المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يسعى إلى ضرب العقيدة الإسلامية الشيعية، باعتبارها العائق الأساسي أمام مشروع "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الجديد".
وهنا يصبح الكلام النيابي أداة في حرب ثقافية وفكرية، تستهدف تحطيم الركيزة المعنوية للمقاومة، عبر التشكيك في عقيدتها وتشويه صورتها.
إن ما عبّر عنه الدكتور نسيب حطيط في مقاله حول الحرب على العقيدة الثقافية، يؤكد أن أخطر ما يُراد فرضه اليوم هو "نزع سلاح العقيدة" بعد محاولات نزع سلاح المقاومة. من هنا، فإن خطاب يعقوبيان لا يمكن فصله عن هذا السياق الأخطبوطي الذي يريد تحويل العقيدة إلى تهمة والالتزام الديني إلى إرهاب.
ومن موقع المسؤولية الوطنية، كان الأجدر بنائبة لبنانية أن تلتزم حدود الدستور والميثاق الوطني، وأن تعزز لغة الوحدة بدل الانخراط في لعبة تقسيم اللبنانيين، وضرب مقومات وجودهم. فالكلمة قد تكون أشد فتكًا من الرصاصة، حين تستهدف مكونات العيش المشترك.
إن حماية الدستور والطائف والهوية اللبنانية تقتضي رفض هذا الخطاب التحريضي ومساءلة مطلقيه، لأن لبنان لا يُبنى على الطعن بعقائد مكوّناته، بل على إحترامها وحمايتها، بوصفها مصدر غنى حضاري وثقافي.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
03 أيلول/ سبتمبر 2025