كتب الأستاذ حليم خاتون: على الأقل، لبنان واحد، لا لبنانان، ولا ثلاثة.
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: على الأقل، لبنان واحد، لا لبنانان، ولا ثلاثة.
حليم خاتون
9 نيسان 2023 , 05:24 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:

بعد مأساة العروبة مع العربي الذي يكره نفسه فؤاد عجمي الذي انتقل من القومية العربية الناصرية إلى التنظير للمحافظين الجدد من المسيحية الصهيونية في أميركا حتى وصل الأمر به إلى نكران الحقوق الفلسطينية ودعم غزو العراق، والتماهي مع اللوبي الداعم لإسرائيل هناك..

.

بعد هذا، أعادت واشنطن انتاج الفينيقي الذي يصدق فعلاً أن هناك أعراق خالصة لم تتداخل مع بعضها البعض، وصلت إلينا في القرن العشرين، والقرن الواحد والعشرين "ربي كما خلقتني"...

عنصر صافي لم يخالط بقية العناصر التي مرت على هذه المنطقة طيلة عدة آلاف من السنين توالت اثنائها أعراق مختلفة بنت لنفسها حضارات تركت في كل منا ندبات سوف نحملها ونورثها لمن يأتي بعدنا ...

في مقالة على موقع النهار الاليكتروني، خرج علينا اسم حسين عبد الحسين مما يسمى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن...

تحمل المقالة إطارا يحاول ادعاء البحث الأكاديمي ليخلص في النهاية إلى وجوب احترام حق تقرير المصير الذي قد ينتهي باكثر من لبنان واحد...

لا يذكر حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي تُعامل مقاومته على أساس أنها ميليشيا، لكنه في المقابل، يقدس حق تقرير المصير للجماعات اللبنانية ما قبل تكوّن الشعوب...

يبدأ صاحبنا من النظرية التي تقوم على تقسيم الشعب اللبناني إلى قسمين:

عروبة ناصرية على بعثية على سنية ثورية، ثم سنية سعودية وصولا إلى الشيعية السياسية التي يرفضها صاحبنا لأنه من دعاة السلام دون الإفصاح طبعا عن أي سلام يتحدث وهو لا يأتي على ذكر الفلسطينيين إلا كميليشيا، ولا يتحدث عن ابسط حقوقهم بما في ذلك حقهم في تقرير المصير...

أما القسم الثاني فهو من أتباع الفينيقية التي يحاول احتكارها لنفسه وحبسها داخل صليبه المعكوف...

المقال ببساطة مجموعة ضخمة من المغالطات التي لا نحتاج أن تأتينا من واشنطن لأن الشبيبة هنا في لبنان "بيكفوا، وبيوفوا"...

من الصعب على المرء أن يرى وجود دولة فينيقية قبل آلاف السنين، يوم لم يكن يوجد دول بالمعنى المعاصر لهذه الكلمة...

في تلك الايام، كانت الدول عبارة عن مدن قائمة بحد ذاتها؛ لذلك لا يستطيع المرء فهم لماذا من حق اللبنانيين الدعوة إلى الفينيقية، في حين أن الفينيقيين كانوا ينتشرون في كل بلاد الشام دون استثناء...

لكن الأمر الذي يستوجب التوقف عنده هو ميل الاستاذ حسين إلى الحديث عن العنصر الفينيقي الخالص الذي رغم كل الغزوات وتوالي الحضارات من الفينيقية إلى الآرامية إلى الكلدانية أو السريانية أو الآشورية وصولا إلى العرب ومن بعدهم المماليك الذين ينحدرون هم أنفسهم من عدة اثنيات، إلى الاتراك إلى الفرنسيين والانكليز...

كل ذلك حصل خلال ٣٠٠٠ سنة، وصاحبنا يتبنى مقولة الشعب الفينيقي...

حتى لو وجد ذلك المخلوق الفينيقي العجائبي، هو في النهاية ليس احتكارا على الجغرافيا اللبنانية وحدها...

أي فرد يستطيع إجراء ال DNA، فيتبين مدى اختلاط كل الشعوب...

حتى نتنياهو الذي يدعي الانتماء إلى العنصر العبري السامي، تبين أن نسبة حوالي ٧٠٪ من أصوله تعود إلى جذور هندو-أوروبية...

يعني نتنياهو وهتلر يشتركان في الكثير من الجذور...

المهم، أن الرجل، وبعد عشرات الأسطر من التجني على الشعب الفلسطيني وحصره في "ميليشيات" ياسر عرفات... ثم الانتقال الى المقاومة التي دحرت اسرائيل وجعلها مجرد ميليشيا يرفض صاحبنا العيش في كنفها... يقرر حسين عبد الحسين التخلي عن جنسية هذا الشرق ليطلب اللجوء إلى دولة كولونيالية تعمل واشنطن على تحقيقها عبره هو، وعبر أمثاله من الانعزاليين اللبنانيين...

أما كيف يريد الاستاذ حسين تقسيم لبنان دون تطهير مذهبي أو طائفي، ودون سفك دماء ؛ لا احد يعلم...

المهم أن الاستاذ حسين قرر سلفا السير على خطى فؤاد عجمي والانتقال للعيش في الدويلة الحرة المزدهرة تاركاً من يريد المقاومة، يعيش في دويلتها البائسة على حد وصفه...

مقالة أقرب إلى التفاهة، لكن تجاهلها صعب بعد أن رأينا رؤوسا حامية كثيرة في لبنان تبدأ بسامي الجميل وحزبه وتمر على سمير جعجع وحزبه، لتصل إلى جبران باسيل وتياره...

إدانة هؤلاء لا تضفي على الطرف المقابل أية قدسية...

الطرفان يشتركان في الشر الذي دفعنا ولا يزال يدفعنا إلى الهاوية...

من المؤكد أن جماعة العنصريين، الطائفيين الذين كادوا يدعون إلى العصيان المدني من أجل صلاحيات أكثر تفاهة من كل وجودهم، سوف يرون أن في أميركا من يدعو إلى نفس تفكيرهم العنصري الانعزالي...

الملامة في النهاية تقع على من سمح لهذه القوى أن تطفو على السطح بعد أن كانت اندثرت وراء "زمور" الجنرال التعيس...

حركة وطنية بائسة؛ يسار انتهازي لم يستطع تشكيل حالة جماهيرية؛ ومقاومة دخلت في التركيبة بدل العمل على تغييرها...

كل هؤلاء مسؤولون لما آلت إليه الأمور في لبنان...

كل هؤلاء مسؤولون لأن الكل يعرف ان الحل يكمن في بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية التي تتطلب إقامة الدولة المدنية في لبنان؛ لكن الجميع لا يريد التخلي عن الامتيازات التي تسمح لكل تلك القوى دون استثناء على استباحة المال العام دون وازع أو مساءلة...

أما عن رفض سايكس بيكو ثم التشبث بتلك الحدود فلأن حسين عبد الحسين وأمثاله من شاكلة شارل جبور وناجي حايك، يريدون إعادة تقسيم المقسم تحت ذرائع سوف يجدونها دوماً للتقوقع أكثر على ذواتهم... اليوم باسم الطائفية، وغدا باسم المذهبية، وبعد غد باسم المناطق، فالضيع فالعشائر حتى لا يبقى لهذا الشرق من رونق يقومون هم بتمزيقه...

عفوا بشير...

نحن ملائكة هذا الشرق، ولن نسمح للشياطين أن تعبث بنا بعد اليوم...

حليم خاتون 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري