كيان يتزعزع واخر يترعرع
مقالات
كيان يتزعزع واخر يترعرع
م. زياد أبو الرجا
14 نيسان 2023 , 00:34 ص


*علمنا التاريخ ان الامبراطوريات لا تموت على فراشها كما يموت البعير، كما علمنا ايضا ان الدول لا تختفي بل تذبل، وعلمتنا الحياة ان الافعى وان قطعت راسها، تبقى قادرة على اللدغ والحاق الاذى المميت. في عصر العلوم والمعارف الانسانية، "وكما اثبتت التجارب العملية " حيث التقدم في علوم الطب والدواء، والوقاية والرعاية الصحية والغذاء السليم. كلها اسهمت بشكل فعال في اطالة معدل عمر الانسان. كذلك الامر بالنسبة للامبراطوريات، حيث منحتها العلوم والمعارف فرص اطالة عمرها وتجددها، من اهم هذه المعارف الاحصائيات والكم الهائل من المعلومات الدقيقة، والعقلانية والبراغماتية التي لا تقف عند حد، بالاضافة الى علوم " استشراف المستقبل" التي لا يملكها الا الدول المتقدمة.

* ان كثيرا من نكبات ومآسي الشعوب المزمنة والمستمرة سببها الرئيسي" لعنة الجغرافيا والموقع الاستراتيجي" وليس غضب السماء، او ارتكاب هذه الشعوب المعاصي والفحشاء. اكثر ما ينطبق هذا على فلسطين بشكل خاص ودول الاقليم المحيطة بها بشكل عام. لولا هذه اللعنة " الجيواستراتيجية" لما كانت اتفاقية " سايكس=بيكو" ولا كان " وعد بلفور" اللتين اديتا الى تقسيم المنطقة واقامة الكيان الصهيوني، وانظمة التبعية والتخلف الرجعية والتي حافظت على التخلف والجمود والجهل الموروثة منذ قرون.

* ادت العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا والمستمرة منذ شباط/ فبراير 2022 الى اعادة خلط الاوراق على المستوى العالمي، ورفعت الغطاء عن كثير من المعتقدات التي كان مسلما بصحتها او بطلانها، مما اضطر الدول الكبرى والصاعدة وتحديدا الولايات المتحدة الامركية حين تبنت الذهاب شرقا الى الباسيفك لملاقاة التنين الصيني ومغادرة الشرق الاوسط، بعد ضمان سلامة الكيان الصهيوني من خلال الاعتراف الرسمي العربي به والتطبيع معه

اعادت الولايات المتحدة الامركية ترتيب اولوياتها حين اكتشفت ان العلاقات الروسية - الصينية بانها تحالفا غير معلن تجلى بعد زيارة الرئيس الصيني لموسكو والقمة التي عقدها الرئيسان بوتن وشي جين بينغ. فشلت امركا في تحييد الصين بالنسبة الى الحرب العالمية الدائرة على الارض الاوكرانية والتي تدور رحاها ليس للسيطرة على الارض، بل من اجل انزال امركا عن عرش هيمنتها الاقتصادية على العالم، كقطب اوحد، والوصول الى خلق نظام عالمي متعدد القطبية وعادل. حيث تتوسع الان منظومة " البركس" وتتعزز مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي بالاضافة الى " اتفاقية شنجهاي" للامن والتعاون.

* ان اخطر ما يهدد هيمنة امركا على الاقتصاد العالمي هو مشروع الحزام والطريق الذي اطلقته الصين وحققت فيه عدة انجازات والتي كان اخرها " المفاجاة المعجزة" التي تجسدت في الاتفاق السعودي- الصيني- الايراني. الذي اطفأ واخمد نيران الصراعات المذهبية والعرقية " المفتعلة". مما يترتب على نجاح هذا الاتفاق نهضة اقتصادية وعمرانية توفر الرخاء والسلام لشعوب المنطقة التي باتت احوج من اي وقت مضى الى التمتع بثرواتها وخيراتها، بدل تبديدها في حروب عبثية لا طائل من

ورائها.

*بما ان المشروع الصيني لا يقتصر على قارة اسيا وحدها بل يتعداها الى اوروبا وافريقيا الاتي لديهما مصالح اقتصادية هائلة مع الصين. ان امركا التي لم تحتمل التعاون الروسي الالماني المتمثل بخطي الغاز " نورد ستريم"1 و 2 والتي قامت بتفجيرهما هذه الامركا لن تتورع عن نسف وقطع خطوط التواصل بين الصين واوروبا والذي تشكل فيه تركيا وايران والعراق وسوريا ما يشبه مضيق جبل طارق الواصل بين المحيط الاطلسي والبحر الابيض المتوسط. .

تشير كل المعطيات والوقائع على الارض ان روسيا كسبت الصراع وحسمته في اوكرانيا، وستنزل امركا مكرهة عن عرش الاحادية القطبية الى وضع عالمي جديد متعدد الاقطاب حيث سيكون وضعها دولة عظمى" وليس الاعظم" الى جانب دول عظمى تقود العالم وتتحرك في فضائه الجديد الذي يفسح المجال للدول الاخرى صغيرها وكبيرها ان تتحرك بحرية وبدافع من مصالحها الوطنية فقط ان تنسج علاقاتها وتحالفاتها دون ابتزاز او تهديد.

* بناءا على ما تقدم نستطيع ان نستشرف الخطوة الامركية القادمة فيما يتعلق بمشروع الحزام والطريق الصيني، من خلال شقين. الشق الاول برزت ملامحه بشكل عملي وصارخ من خلال اقامة حلف عسكري جديد في منطقة الباسيفك المجاورة للصين قوامه استراليا وبريطانيا واليابان وبعض دول جنوب شرق اسيا، وزيادة تحرشاتها بالصين من خلال تايوان.

اما الشق الثاني وهو الذي يخصنا في الاقليم ، والذي لم يظهر الى العلن بشكل واضح بعد، لكننا نستطيع ان نستشرفه من خلال التشبت الامركي باحتلاله للشرق السوري واحتلاله عمليا للعراق حيث عشرات القواعد العسكرية والجوية ورعاية قوات " قسد" الكردية ذراع حزب العمال الكردستاني المصنف ارهابيا في تركيا. ان الرعاية والحماية الامركية للمنظمات الكردية وحكومة كردستان العراق هي راس جبل الجليد الذي اساسه (( اقامة كيان كردي مستقل على كامل ارض كردستان التاريخية)) يتموضع بين ايران وتركيا والعراق وسورية، كيان كامل الاهلية والاوصاف ، ومن نفس الجغرافيا والمنبع الحضاري والثقافي والديني للمنطقة، لكنه لا يملك القدرات الذاتية لاستقلاله وبقائه نتيجة " لعنة الجغرافيا" المحيطة به، حيث ايران الدولة القوية وتركيا الدولة الاقوى وسورية التي لا توجد فيها قطعة من كردستان وفقد فيها الكرد المسوغات القانونية والتاريخية.

على ان كل هذه المعوقات والعقبات لن تثني امركا عن مشروعها باقامة الكيان الكردي الكبير لانه مشروع حيوي واستراتيجي تشكل كردستان العراق نواته حيث تتصرف كدولة مستقلة عن العراق وفي عاصمتها قنصليات لجميع الدول الفاعلة ولها جيش وقوات امن ومطارات تستقبل السواح بتأشيرات تمنحها حكومة كردستان بما في ذلك الاسرائليين وتبيع النفط وتصدر وتستورد بعيدا عن حكومة بغداد وفيها قواعد عسكرية وجوية امركية ومحطات تجسس للموساد وعلى مسافة صفر من ايران.

* نستطيع القول ان هناك كيان صهيوني يتزعزع وكيان كردي يترعرع . كيان من نفس الجغرافيا والحضارة والتاريخ سيشكل حاجز الصد والسد المنيع والمضيق الذي ستضعه امركا في طريق المشروع الصيني الى اوروبا. مرة اخرى ستقع كردستان ومحيطها تحت " لعنة الجغرافيا" التي ستشهد صراعا مميتا بين محور الصين روسيا ايران وسورية لطرد امركا من اسيا وبين امركا وحلفائها.

هل ستصبح امركا الدولة المارقة؟

هل سيتعظ الكرد من تجربة الكيان الصهيوني؟

هل سيندمج الكرد في الكنفدرالية المشرقية؟

حيث السلام والرخاء بديلا عن الحروب التي لا تجلب الا الدمار والفقر والفناء وسفك الدماء.

م/ زياد ابو الرجا. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري