تعرضت مقالة "لبنان، دولة السهل الممتنع"، إلى امتعاض اقرب المقربين، بما في ذلك بعض الرفاق...
"كيف هيك؟"...
"سمير جعجع مجرم. كيف بدك تحكي معه؟"...
وصل الأمر، بأحد الأصدقاء أن يصاب "بالرعب" مما تم تناوله...
والله، لو كنا نعيش في عالم مثالي، من المؤكد أن النائبة حليمة قعقور هي احدى الشخصيات التي تستحق لقب فخامة رئيس الجمهورية...
يكفي أن النائبة المذكورة تتبنى إقامة دولة علمانية كاملة الأوصاف...
يكفي أن النائبة قعقور ترفض الاصطفافات المذهبية ولا تتشبث بدستور الطائف وكأنه قرآن منزل كما تفعل كل الأحزاب، بما في ذلك تلك التي تعرف أن هذا الدستور في احسن أحواله، دستور ناقص إلى درجة العجز عن إقامة دولة قانون...
يكفي ربما أن النائبة حليمة قعقور ترفض كل البدع الفيدرالية غير الواقعية في وضعية لبنان...
لكن النائبة قعقور نفسها تعترف انها وحزبها يستقبلون السفراء الأجانب للتعبير عن رفضها!!! تدخل الدول الأجنبية في شؤون لبنان!!!
ربما أيضاً، على النائبة قعقور سد ثغرة مهمة عبر اتخاذ موقف واضح من اسرائيل وكيفية منع اعتداء هذا الكيان الكولونيالي على لبنان واتخاذ موقف أكثر جرأة في الدفع ولو بالقوة، لإجبار المجتمع الدولي على تنفيذ حق العودة لأن بناء الدولة في لبنان غير ممكن عمليا ومدينة صور مثلاً، محاطة بحوالي خمسة مخيمات لاجئين لا يملكون ابسط الحقوق الإنسانية...
هناك ربما آخرون أيضاً يقولون بما تقول النائبة قعقور...
حركة أمل تريد الدولة المدنية!!!
التيار العوني يريد العلمانية!!!
القوات يريدون بناء الدولة!!!
غيرهم يريد أيضاً وأيضاً في العلن ما لا يريده في السر...
هنا الفرق بين النائبة قعقور والقوى المهيمنة على الواقع اللبناني...
هنا كل الفرق...
لكن النائبة قعقور تتعامل مع لبنان وكأنه جزيرة في عالم مثالي لا وجود لاسرائيل فيه...
لهذا زرع الغرب اسرائيل في المنطقة...
وجود اسرائيل يمنع إمكانية بناء دولة وطنية علمانية ديمقراطية بكل بساطة لأن وجود اسرائيل يستوجب وجود مقاومة، حتى لو لم تكن هذه المقاومة لا مدنية ولا علمانية... المهم وجوب وجود هذه المقاومة...
ربما يقول البعض أن الصدفة جعلت الشيعة على الثغور فكانت المقاومة شيعية بامتياز...
لكن ماذا عن أهل البقاع؟
ماذا عن إيران البعيدة آلاف الأميال عن فلسطين وهي من يحمل مشعل تحرير فلسطين في الوقت الذي تقوم الأنظمة العربية ، القريبة قبل البعيدة بالتعامل مع هذا الكيان السرطاني القاتل وكأنه كيان طبيعي....
لو سأل أحدهم حليمة قعقور عن رأيها في ما تقدمه إيران لمقاومة حزب الله... لكان الرد رفضاً جازما إذا أرادت النائبة الانسجام مع أفكارها...
لكن لولا إيران، لما كانت إسرائيل انسحبت من معظم الشريط الحدودي...
لولا إيران، لكنا لا نختلف عن أية بقعة تحتلها اسرائيل... تهويد، ومصادرة اراضي، وإقامة مستوطنات...
يحلم الكثير من اللبنانيين بالدولة الوطنية القوية العادلة المستقلة، كما النائبة قعقور...
لكن الحلم شيء... وواقع الشرق الأوسط شيء آخر...
ألا نرفض جميعا وعد بلفور؟
ألا نستنكر جميعا ما فعله مكماهون مع الشريف حسين؟
ألا نرفض جميعا سايكس بيكو؟
رغم كل ذلك الرفض، يهب البعض غير القليل منا في وجه الفلسطيني عندما يحارب لاستعادة أرضه...
جُن جنون هذا البعض بعد إطلاق الصواريخ وكأن على الفلسطيني أن يموت بصمت في إحدى زوايا إحدى المخيمات... حتى البكاء ممنوع عليه...
رغم كل رفضنا لسايكس بيكو، تقف الأغلبية العظمى ضد النزوح السوري متجاهلين أن قرنا من الزمن فقط يفصلنا عن ذلك اليوم الذي كنا نحن والفلسطيني والسوري مواطنون في دولة واحدة في بلاد بلاد الشام...
أراء حليمة قعقور لا تهم هنري كيسنجر...
مشروع هنري كيسنجر يريد تحويلنا إلى دولة فاشلة؛ وقد صرنا قاب قوسين من هذه الوضعية...
مشروع اميركا في المنطقة لا يرى إلا دولة واحدة هي اسرائيل، ومجموعة كيانات تخدم هذه الدولة هي نحن جميعاً...
الذي لا يصدق أننا سوف نعيش حالة ال Mad Max قريباً كما تنبأ رجل المال والاقتصاد دان قزي، عليه الاستماع الى توقعات الخبراء على الإعلام والتواصل الاجتماعي من ربيع الهبر الى عماد الشدياق مع حفظ الألقاب...
كل التحاليل تؤدي إلى روما؛ لكن إلى روما بعد حريق نيرون الكبير فيها...
صحيح أن اللاجئين الفلسطينيين إخوة لنا... لكن يجب عدم النسيان أن الكثير من التكفيريين خرجوا من هناك وفجروا في لبنان وخربوا سوريا...
كما يجب عدم نسيان تحول فصائل منظمة التحرير إلى بنادق ثورة ساقطة حتماً...
ما يقال عن الفلسطينيين، ينطبق على النازحين السوريين...
في الدولة العلمانية التعددية، لا يخشى المرء كل ما يقال عن التحول الديموغرافي...
لكن التجربة تقول إن وسط مليوني نازح سوري، يوجد على الأقل عشرات الآلاف من الدواعش والنصرة ونور الدين زنكي وأحرار الشام وغيرهم من المتخلفين عقلياً...
لهذا، ربما يقف المرء ويتساءل...
أليس الوقت اليوم هو لمنع قيام الدولة الفاشلة...؟
ألا يجد المرء نفسه مضطرا للدفاع ولو مؤقتا عن حدود سايكس بيكو...؟
ألا يوجد حد أدنى مما يجمع هذه المجاميع من البشر كي تقف ولو مرحليا لمقاومة مشروع كيسنجر الأميركي لهذا البلد...؟
ماذا لو كان بشير الجميل حيا؟
على الأقل،
هناك مشروع ال ١٠٤٥٢ كلم٢ الذي يجمعنا في المرحلة المنظورة...
على الأقل، هناك رفض مشترك لكل تمييز...
المسيحيون يرفضون الذمية...
والمسلمون يرفضون أن يكونوا أبناء الجارية في لبنان...
صحيح أن سمير جعجع تعامل مع اسرائيل يوماً...
صحيح أن بشير الجميل وصل إلى قصر بعبدا على ظهر دبابة إسرائيلية...
لكنه نفس بشير الجميل الذي كان يقول إنه يريد بناء دولة...
لم يكن بشير غبيا إلى درجة عدم رؤية الخطر الذي تمثله اسرائيل من كل النواحي للبنان ولدور لبنان في المنطقة...
على الأقل، من المؤكد أن القوى الأساسية في البلد ترفض أن نصل إلى وضعية الدولة الفاشلة...
جنبلاط أصيب بالرعب من الفيدرالية...
القوات سوف تكون أكثر من غبية إذا اعتقدت أن قيام دولة مسيحية في الشرق الاوسط سوف تلقى نفس الرعاية كما اسرائيل...
هذا إذا تمكنت القوات من إقامة هذه الدولة اصلا...
سمير جعجع سوف يكون عاريا بلا منطقة الكورة...
أقصى ما يمكن أن يقوم في القرى المسيحية في الجنوب، هو سعد حداد جديد او انطوان لحد آخر لن يستطيع أن يكون أكثر من ألعوبة بيد إسرائيل...
مشروع بشير الجميل الأساسي كان المحافظة على دور للمسيحيين في هذا الشرق...
لقد أثبت حزب الله أنه خير من يريد إقامة دولة تحفظ للمسيحيين دورا مهما في هذا الشرق...
لم يكن حزب الله هو من خان التيار العوني...
بل لم يعط أحد لهذا التيار ما أعطاه حزب الله، تقربا من المسيحيين...
لقد تكلم حزب الله قبلا مع ميشال عون رغم دوره في الحرب الأهلية، ورغم أبوته المعروفة لكثير من القرارات الأميركية المعادية لخط المقاومة...
لقد وافق حزب الله على العفو بعد التحرير فقط من أجل إرضاء المسيحيين في لبنان...
حتى تطبيق إلغاء الطائفية السياسية تم غض النظر عنه من قبل نبيه بري ورفيق الحريري بطلب من البطريرك نصرالله صفير...
مرحليا، وبانتظار الوصول إلى العلمانية الشاملة، ولتجنب تحلل الدولة بالكامل...
أجل لا بد من جلوس حزب الله والقوات إلى طاولة في غرفة إلى جانب الغرفة التي يجتمع فيه الإيرانيون والسعوديون...
لنحاول البدء بما يشبه ويستفاليا خاصة بلبنان، قد تتطور بعدها إلى ويستفاليا للمنطقة باستثناء الكيان الإسرائيلي حتماً...
ويستفاليا تسمح بتنظيم الخلافات من أجل بقاء هذا الوطن ومنع تحوله إلى دولة فاشلة...
هذا ليس طموح الثوريين في لبنان...
لكن على الأقل، هذا يمنع تفتت البلد...
هذا يسمح بمواجهة مشروع كيسنجر الأميركي...
مع انتشار الفوضى، سوف يطالب الناس قريبا بالأمن الذاتي...
هكذا بدأت الحرب الأهلية سنة ٧٥...
دعونا لا نقع في هذ الخطأ الفادح مرة أخرى...
المرة الماضية كانت مأساة...
هذه المرة، سوف تكون النهاية..
.
لو كان يوجد في لبنان ولو إمكانية بسيطة لقيام حزب ثوري يقلب النظام ويفرض معظم ما تطالب به حليمة قعقور لما طلب المرء من الحزب والقوات التوافق على الحد الأدنى لتوقف النزيف اللبناني إلى الخارج وتدهور الأوضاع في الداخل...
لكن... وهنا كلمة لكن، كبيرة جداً...
الحفاظ على لبنان مطلب يجب أن لا يتعارض مع وجوب بقاء مظلة ردع تحمي هذا الوطن من إسرائيل وتعمل على تفكيك كل مخيمات اللجوء وارجاع أهلها إلى أراضيهم وقراهم...
كذلك الأمر بالنسبة للسوريين...
مرة أخرى الاختلاف بين سمير جعجع وجبران باسيل ليس كبيرا...
الأول غبي والثاني وصولي...
من تحدث إلى جبران يستطيع التحدث إلى جعجع...
كما يكرس حزب الله إيران في خدمة القضية العربية المركزية لتحرير فلسطين،
على جعجع أن يكرس وقوف السعودية وعملها لأجل إعادة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم في فلسطين، وإعادة كل النازحين السوريين إلى بلدهم...
افعلوا هذا من أجل لبنان...
هذا هو الحد الأدنى طالما انتم عاجزين عن بناء دولة وطنية علمانية قوية عادلة...
"وبعدها، بحلها الحلاّل"
حليم خاتون