كتب الأستاذ سامح عسكر..
الفن بكل أنواعه هو قوة هائلة لتبسيط الأفكار والمعتقدات والنظريات للناس، وإشراكهم فيها ليسوا مجرد مستمعين بل (كمُتعلّمين) يمكنهم التأثير أيضا بنفس الدرجة والحجم..
يعني إيه؟
يعني الجمهور عند الفنان مش هو الجمهور عند المشايخ
الجمهور عند الفنان مشترك في التعليم والتأثير، وعنده فرصة للظهور والتأثير ما دام يملك موهبة الخطابة والإلقاء والتمثيل والكتابة، لذلك فالفن قائم على التبسيط والشرح أساسا، ودور الممثلين الرئيسي هو سرد القصص لإيصال الحقائق..والناس عامة لديها قوة خيال أعظم من قوة التفكير..لذلك بيفهموا بالقصص أكثر ما بيفهموا بالشروح الفلسفية والفقهية المعقدة..
أما الجمهور عند المشايخ فليس له دور سوى الاستماع، ولا توجد لديه فرصة للظهور والتأثير حتى لو كان يملك موهبة الفقه والكتابة، لذلك دور رجل الدين غالبا يكون عكس الفنان، فإذا كان الفن قائم على التبسيط فرجل الدين يقوم على (التعقيد) فيُكثر من الشفرات والألغاز وإقناع لناس بعجزهم عن الفهم وأن الحلول كلها عند الشيخ ومفاتيح وأسرار الكون جميعها..
ظاهرة الأسئلة العبيطة في برامج الفتوى على الفضائيات ..
وبالمناسبة: الجمهور بيكون عاجبه هذه الصورة لرجل الدين، لأنه لو فهم بيقول إيه هيسقط من نظره، فالجزء الكبير وراء تقديس العامة لرجل الدين (إنهم مابيفهموش كلامه) فتكون له سلطة العلم وشفرات المجهول وألغاز الحاضر والمستقبل..لأن العامة لو فهموا كلام رجل الدين سيصبح بإمكانهم الاعتراض عليه ونقد المادة العلمية التي يقدمها..
قوة الممثل الكبرى إن عنده القدرة على إيصال الحقائق (بالأمثال والتشبيهات والقصص) وإن المؤلف الدرامي والسينمائي والمسرحي بيعمل (رسوم توضيحية) كأنك بتشرح قاعدة علمية في (كروكي بالقلم الرصاص بالضبط) وقديما كان القصاصين في الفكر الإسلامي والعربي لديهم قدرة اجتماعية هائلة من هذه الزاوية وصارت لهم قدسية رجال الدين والفقهاء رغم كونهم مجرد قصاصين بدون علم..لكن مجرد إيصال فكرتهم بالقصص ومداعبة خيال الناس بالعواطف حصلوا على الشهرة..
الفنان الآن يقوم بنفس الدور الذي يقوم به القَصاص قديما، لكنه الآن متطور وأقوى بكثير من قصاصين زمان بسبب التطور العلمي والحداثي من جهة، وتطور نظم الاتصالات والسفر من جهة أخرى، فالفنان يقدم علوم للمجتمع وأفكار لم يعرفها من قبل ويبسط له طرق تفكير مختلفة لم يتعوّد عليها..وفوق ذلك يشرح له عقائد وأديان وثقافات شعوب بطريقة مختلفة عن طريقة تقديم الفقهاء والشيوخ..
كل ذلك بطريقة تمثيل هذه القصص واقعيا في السينما والدراما والمسرح..فتضيق المساحة بين الواقع والخيال عند الناس، وأي فكرة خرافية يمكن دحضها وكشف كذبها بسهولة..
لذا..كان الفن وسيظل عدوّا للمتشددين، وهدفا لرجال الدين يعملون على تشويهه باستمرار لأنه باختصار: هو البديل الثقافي والفكري (الواقعي) لكتب زمان، والمنافس الأكثر تأثيرا للشيوخ في السيطرة على المجتمع ومخاطبة عقولهم وعواطفهم بطريقة مبسطة وحيوية..