كتب الأستاذ حليم خاتون: هل حان وقت قلب الطاولة؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: هل حان وقت قلب الطاولة؟
حليم خاتون
6 أيار 2023 , 09:57 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:

"لأن تركيبة لبنان طائفية..."، صرخت جوزفين ديب في وجه الشيخ صادق النابلسي بعد أن نجحت في كسر برودة أعصاب الضيف المشهور عادة بطول الصبر في الحوارات السياسية...

لأنه كذلك، عاد الشيخ وتمالك اعصابه؛ لكنه لم يشأ الذهاب الى الإجابة المنطقية جدا القائمة على وجوب كسر هذه التركيبة من الأساس، طالما أنها لم تعد تفي بالمطلوب، وطالما أنها أصبحت عائقا في سيرورة المجتمع اللبناني وتطوره الطبيعي...

أرادت جوزفين ديب من الشيخ ومن حزب الله، كما تريد كل الأطراف التي تتفق على رفض فرنجية، أن يذهب الحزب إلى التوافق مع الآخرين عارياً من اي موقف مسبق، بينما هم "متسلحون" بأكثر من موقف...

كل همهم واضح وضوح الشمس على لسان جعجع والجميل: رفض منطق المشاركة مع حزب الله، سواء كان ذلك سليمان فرنجية أو أي مسيحي آخر معادِِ فعلاً لإسرائيل، ولن يمشي بالتطبيع معها...

يضع هؤلاء شرطاً مسبقاً بالفيتو على فرنجية تحت شعار عدم الخضوع لديكتاتورية الثنائي...

الحجة الدائمة هي أن الشيعة فرضوا نبيه بري على رأس المجلس، والسُنّة يفرضون من يريدون على رأس الحكومة؛ فلماذا لا يفرض المسيحيون من يريدون على رأس الجمهورية؟

منطق أعوج قائم على تركيبة عوجاء كمن يقول "ليس حباً بمعاوية، بل كرها لعلي"...

التركيبة كلها غلط بغلط ويجب نسفها من الأساس، كما يجب نسف كل النظام الطائفي الملعون لأن "الدين لله، والوطن للجميع"...

يعيب هؤلاء على حزب الله عدم التخلي مسبقاً عن مرشحه ويرفضون أن لا يكون عند حزب الله خطة ب، لأنهم ببساطة يريدون أن يتخلى حزب الله عن خط الدفاع الأول في معركته دون أن يدفعوا الثمن...

كل شيء له ثمن...

كان الشيخ مؤدبا جداً ولم يجب جوزفين ديب بنفس الحدة في أكثر من موقف كما كان يفترض منطق الرد...

اولا، وقبل اي شيء آخر، لا يوجد شيء اسمه موقف مسيحي شامل ضد سليمان فرنجية...

لا يملك أي كان من ثلاثي جعجع ،جبران، الجميل، رمي الحرم الكنسي على سليمان فرنجية...

من أعطاهم هذا الحق؟

الرجل ليس لقيطا من الشارع...

إذا كان تم التوافق عليه من قبل الثنائي، فذلك لأن الرجل يحمل فعلاً صفة الضمير الوطني المسيحي التي يفتقدها بكل اسف الكثيرون في لبنان...

حتى لو تم القبول أن القوات والتيار والكتائب حصلوا على أغلبية الشارع المسيحي بفضل قانون انتخاب مسخ سمح كما أشار النائب السابق إميل رحمه على الMTV، لمن حصل على سبعين صوتا أن يدخل البرلمان، بينما حرم هذا الحق على من حصل على تسعة آلاف صوت...

بفضل هذا القانون الذي يحوي من كل واد عصا، حصل هؤلاء الثلاثة مجتمعين على نفس عدد الأصوات التي حصل عليها حزب الله...

لكن هذا القانون الاعوج أعطاهم أربعة أضعاف عدد النواب أكثر من الحزب...

العدل في هذه الحالة يفترض أن يكون صوت كل نائب من حزب الله يساوي أربعة اصوات مقابل صوت واحد لكل من نواب القوات أو التيار أو الكتائب...

حتى داخل الشارع المسيحي، هم مجتمعين حصلوا على سبعة أضعاف عدد الأصوات التي حصدتها كتلة فرنجية، فبأي حق يحصلون على إثنا عشر ضعف عدد نوابه...

ٱنه قانون الانتخاب الاعوج الذي يحبس الوطنية في قمقم محكم من عصبية العصور الجاهلية...

لهذا وجب نسف تركيبة السلطة

في لبنان، وتنفيذ البند الأهم في الدستور القائم على انتخابات حرة، خارج القيد الطائفي...

حق التمثيل ناقص، يشوبه أكثر من خلل فاضح واحد...

انطلاقاً من هذا يمكن الوصول إلى النقطة التالية:

ما هو ثمن التخلي عن سليمان فرنجية؟

لأن التركيبة الطائفية من وجهة نظر جوزفين ديب تفرض وضعا أعوجا غارقا في الخطأ والخطيئة، وهي على حق في هذا، يجب نسف هذه التركيبة من أساسها، والانتقال الى تطبيق بند إجراء انتخابات خارج القيد الطائفي كما نص على ذلك الدستور الذي درجت العادة في لبنان أن تطبق بنوده استنسابيا وفق مزاج الطبقة الحاكمة التي لا يختلف لبنانيان على عمق وتجذر فسادها إلى درجة الكفر والخيانة الوطنية...

باختصار، وبلا لف ودوران، وطالما أن جبران باسيل صرخ بالفم الملآن في جزين أنه يريد بناء نظام مدني في لبنان...

وبما أن الكتائب والقوات يتشدقان بالعلمانية كيفما داروا ويتحدثون عن ذمية كانت أهون من التكفير الذي عانى منه الآخرون...

فليتم اعلان إقامة نظام مدني كامل في البلد، وتتم الانتخابات في كل المواقع ومؤسسات السلطة على هذا الأساس...

أما الذين يراهنون على موقف آخر للسعودية، فإن المملكة لم تغير موقفها المالي القائم على عدم ضخ أي فلس في لبنان...

في لبنان، هناك من لم يفهم بعد أن الخليج فيه اليوم نوعان من الحكام... نوع تابع بالكامل لأميركا...

ومن يقول اميركا، يقول اسرائيل...،

ونوع ثان يحاول التحرر ربما من الأميركيين ولكن على أساس البناء الذاتي القُطري وشراء بعض العبيد في الإقليم...

لو كان السعوديون مستعدين فعلاً لمساعدة لبنان ماليا كما يروج جماعة "الشحادين" عندنا، لكانوا أرسلوا بواخر مازوت وبنزين عبر القوات والكتائب، إسوة بما فعلت إيران عبر حزب الله...

يا جماعة، المملكة السعودية تبيع اللبنانيين أوهاما...

المملكة غير مستعدة لارسال فلس واحد إلى لبنان، ليس لأن الطبقة السياسية في هذا البلد فاسدة، ولا تستطيع، ولا يمكن أن تقوم بأي إصلاح، بل لأن السعوديين يحتاجون إلى كل قرش لتنفيذ رؤية ٢٠٣٠، لمحمد بن سلمان...

هم طبعا لا يستطيعون عدم الاستثمار في السندات الأميركية، لأن الثمن السياسي لهذا الأمر أكبر من تحمل ابن سلمان وكل جماعته...

لكن لبنان، شيء آخر تماماً...

على من عنده كرامة في لبنان أن يعي ذلك لأن آفة الشحادة والاستعطاء منتشرة في كل زاوية من هذا الكيان؛ في ١٤ آذار، كما في ٨...

بعد قرن من تأسيس الكيان، وثمانية عقود من الاستقلال الصوري، نجح النظام في لبنان في نشر ثقافة الاستعطاء في معظم جوانب حياة شعب هذا الكيان...

لم يعد اللبناني يخجل من العيش على "الشحادة" الدولية التي تسلب منه الكرامة وعزة النفس حتى وصل به الأمر أن يبيع الوطن في سبيل رفاهية لا تقوم لا على إنتاج ولا على عمل...

بالتأكيد، سليمان فرنجية جزء من منظومة الحكم، كما جعجع وجبران والجميل حتى لو ادعوا غير ذلك...

هو نفسه قال هذا الكلام...

الحل الجذري لهذا الكيان يجب أن يكون بالتخلص من هذا النظام القائم، ولو بالتدريج، لكن بخطى ثابتة...

تطور المجتمع اللبناني في أقصى حالاته لم يستطع فرز أكثر من حركة وطنية كسيحة لم تجد قائدا لها غير اقطاعي متنور، وفصائل فساد في مقاومة فلسطينية سكنت الفنادق والمطاعم أيام الحرب الأهلية...

كل ما في الأمر، أن الناس تقبل اليوم بالأقل سوءا من هذه المنظومة لعدم وجود البديل...

لو كان المجتمع متطورا كفاية لما قبل بقوانين انتخاب أقل ما يقال فيها انها "زبالة"...

"زبالة" أنتجت أحزاب "زبالة"...

كل النظام اللبناني القائم عفن وقد أكل الدهر عليه وشرب والباقي معروف...

كل الجدال القائم ليس سوى عربدة بين اهل النظام الواحد...

حتى "التغييريين"؛ جاؤوا من نفس الطينة والعجينة...

حتى الأحزاب التي تحمل أسماء رنانة لا تحمل من هذه الأسماء إلا العنوان...

يا اخي رضي القتيل وما يرضى القاتل...

لو كان في هذه الجموع رجال ما احتاجت المرأة أن تخلع سترها...

حليم خاتون 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري