قصّة قصيرة..
ثقافة
قصّة قصيرة.. " سادوم والمصير المشؤوم "
27 أيار 2023 , 19:16 م

كتب د.علي حجازي:

على حافة العصر تناهى إلى أسماع المدينة زغاريد وغناء، ووقع صنوج قويّة تخترق الآفاق.

أسرع الغفاري يستطلع الخبر، ولدى وصوله وقف مذهولاً، فمشهد الانقسام الحادّ بين الناس أثار مخاوفه، وألوان المفرقعات الناريّة التي ترسم في الفضاء ألوان قوس قزح يزيد الانقسام بين مؤيّد ومعارض، فهؤلاء يصفّقون وآخرون يعترضون. صراخ وصياح وتدافع، حريّة شخصيّة؛ لا ليست حريّة ما يدّعون... واختلطت الآراء، وتنافرت إلى حدّ الشقاق.

من بين هذه الجموع رأى الغفاريّ زرقاء تخرج من الفندق باكية، تحمل جرساً ترنّ به رنّات متواصلة، وتغادر المكان.

- لحظة من فضلك يا عزيزتي (قال الغفاري).

- ما الذي تريده يا غفاريّ قل؟

- ما الذي يجري في هذا الفندق؟

- عرس!

- أعلى العرس يختلفون ويتصايحون؟ والله بارك بالزواج؟

- هذا العرس ملعون ومشؤوم وغير مبارك يا عزيزي، إنّه عقد لواط بين شابين.

- ماذا تقولين، أعوذ بالله مما يفعلون؟ فأيّ مستقبل ينتجه هذا الزواج المثليّ يا ربّي؟

- لا تستغرب، إحمل جرسك واتبعني.

في الطريق المؤدّي إلى البحر كانت وسائط الإعلام تخبّر عن دول كبرى تدّعي الديموقراطيّة، والحريّة الشخصيّة، وترفع علماً غريباً إلى جانب أعلامها الوطنيّة، وهي تسعى إلى رفعه فوق ساريات منتديات رياضيّة وثقافيّة، إنّه قوس قزح.

وصلنا إلى الشاطئ، جلسنا على صخرة كبيرة. أخذت زرقاء تُحدّق بدقّة متناهية إلى المغرب وما بعد المغرب. الجرس في يمينها، وفي يسراها رسوم وخرائط لا أعرف ما هي. (همس الغفاريّ بذلك وأضاف):

- أراك تديمين التحديق إلى البحر؟

- بل إلى بحرين وإلى فوّهات براكين تتحفّز للوثوب شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً.

- ما الذي تقصدين بالبحرين؟

- بعد قليل تعرف يا عزيزي، دعني الآن، فصور العريسين والمدعوّين الذين كانوا مغمورين بسرور لا يوصف تشغل بالي، وأنا الآن أفكّر في هؤلاء الذين لا يرون المستقبل العقيم الذي ينتظرون ومع ذلك أراهم غير مبالين.

- ما تلك الخرائط والرسوم التي تتأبطينها بيسراك؟

- إنّها كتاب تاريخ ورسوم لمدن سيدمّرها الله قريباً، وسيعثرون عليها بعد قرون وقرون، بل بعد ألف من السنين ويزيد. ما بيدي رسوم لمدن غربيّة وأخرى شرقيّة تابعة لها والعياذ بالله. نعم إنّي أرى مدناً عديدة أسمها "بومبي" في الغرب وسدوم وعامورة في الشرق مشرّعة على اختفاءات جديدة.

حدَّقت إلى عينيها الساهمتين الرانيتين إلى المغرب والليل وما بعد الليل، فأبصرت خوفاً مقيماً في حدقتيها، بل غضب يبرق ويرعد، ويقصف ثم ينهمر مطراً وسيولاً جارفةً، وانفجارات حارقة.

- أتبكين يا امرأة في هذا العصر الواقع على حافة هذا الغروب المهجوس من ليل، بل من فجر مصير مجهول؟

ما الذي تشيرينَ إليه يا زرقاء؟

فالدموع المنسابة من عينيك تحزنني أنا الذي صرت لا أخشى الغرق بعد كلّ هذا الطمي المتكاثف في هذا البلد، قولي يا زرقاء قولي.

- اليأس قاتل يا عزيزي، والآتي أعظم، وتقع على عاتقنا مسؤوليات جسام، أنصحك أن ترفع صوتك وترنَّ جرسك كثيراً، وتديم الرنين فيه لعلّ وعسى يتنبّه الغافون لما ينتظرهم في هذا العصر المجنون الذي بات فيه الناس منقسمين.

- ما هو الآتي الأعظم بعد كلّ هذه الحروب والمصائب التي حلّت بنا من الشرق والغرب؟

- ألم تستمع إليه محذّراً من حروب دينيّة وثقافيّة هادفة إلى هزيمة المجتمعات وتفكيكها وصولاً إلى هدمها وإلغائها من الوجود بعد تحقيق قطع النسل، والتفكّك الأسري وإشاعة الزنا، والعياذ بالله!

- بلى سمعته جيّداً، ينبّه إلى قول مستشار تلك الدولة العظمى التي رفعت ألوان القوس علماً على البيت المتهدّم البيضاوي وغيره من البيوت ومراكز القرارات.

بعد الذي سمعت ورأيت وجفتُ خيفةً من ذلك المصير المحزن المحتوم، بل المختوم بنهاية شعوب غارقة في ملذات الدنيا وشهواتها، المسموحة منها والممنوعة. وما زاد قلقي هو بعد نظر هذا السيّد الكبير وصدقه، ودراسته لما يفكّر فيه أعداؤنا. وغيرته على شعوب هذه المنطقة المستهدفة بتلك الحروب، وبإشاعة تلك الممارسات المخالفة لطبيعة علاقات البشر في الزواج.

- الآن أدلّك إلى ما تنتجه هذه الزيجات، وإلى البحرين اللذين ذكرتهما قبل قليل:

هذه خرائط رسومات جديدة لعصر قديم قديم جداً، لمدينتين على تخوم بحر ميّت مغرق في ملوحته. أما البحر الثاني ففي إيطاليا تلك الدولة التي شهدت فناء مدينة كبيرة فيها من الوجود، وهذا كتاب تاريخ حفظ في صفحاته ما ذكره "بليني" الطفل الإيطاليّ الناجي من مدينة "بومبي" المعروفة "بمدينة الزنا"، والشاهد على ما حصل لها يقول:

"بدأ البركان بالثوران ظهيرة الرابع والعشرين من شهر آب من العام تسعة وسبعين محدثاً سحباً متصاعدة غطّت الشمس، وحوّلت النهار إلى ظلام دامس، كان البركان يقذف نيراناً هائلة، وتساقط رماد سميك، وهزّات مصاحبة، وارتفاع في مستوى سطح البحر، وتحوّل النهار إلى ليل دامس".

يا ألله! كأن بليني الصغير هذا يصف الكارثة التي حلّت بقوم لوط، بعد تلك الصيحة التي تركت المدينتين خراباً لا تزال معالمه ظاهرة تحت مياه البحر الميّت إلى الآن، وفي أرض سدوم وعامورة التي أكتشف الباحثون فيها جثث الموتى، وهي ترقد على الوضعيّة التي كان الواحد عليها قبل ذلك الدمار الكبير، وذلك المطر الذي أمطره الله عليهم.

- بل إقرأ ما كتبه الباحثون عن قوم "بومبي"

اكتشف الباحثون أنّ هذه المدينة احتوت أكبر مجموعة من المنحوتات الجنسيّة الفاضحة، واللوحات الجداريّة التي كشفت العديد من النشاطات الجنسيّة غير الطبيعيّة التي كانوا يمارسونها أمام الأطفال، وفي الشوارع والطرقات والأماكن العامّة والخاصّة على السواء.

- أرأيت يا غفاريّ ما حلّ بهؤلاء الذين يقفلون أبواب المستقبل بممارساتهم الطائشة والعبثيّة تلك؟

- أجل، وما الذي تقولينه في مستقبل من يرفع علم قوس قزح العقيم هذا؟

- الغرب ومن يسير على خطاه من بلدان العالم هم الآن في المرحلة الأخيرة التي تسبق الموت المحتّم والفناء الكبير.

- نجنا يا إله العرش العظيم كما نجيّت هذا الطفل الشاهد على أقوام غافلين آمين يا رب العالمين

- آمين يا ربّ العالمين

قبريخا - جبل عامل 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري