" قصة قصيرة جرت أحداثُها في هذا اليوم الذي لا تغادرُ فيه المسيّراتُ المُعاديةُ سماءَ هذا الوطن (لبنان)، وتُخصِّصُ مدّةَ تحليقٍ طويلةٍ للعاصمةِ بيروت، بل وتدنو أكثر من مؤسسات الدولة".

______

تلكَ المسيَّراتُ لا تفارقُ سماءَ بلدةِ حولا الملاصقةِ أرضُها أرضَ فلسطينَ المحتلّة التي تربض على صدرها تلك العصاباتُ الصهيونيّةُ، منذُ سبعٍ وسبعينَ سنة.

البيوتُ المدمّرةُ والمُتَصدِّعةُ بفعلِ العدوانِ المستمرّ، يُمْنَعُ أصحابُها، بالقوّة، من إعادةِ إعمارِها وترميمِها، قوّةِ وِزارةِ داخليةِ هذهِ الحكومةِ التي أقرَّتْ في بيانِها الوزاري بندَ إعادةِ هذا الإعمار، قبل الحصول على رُخَصِ بناءٍ جديدة.

وسَطَ هذا الجوِّ المشحونِ بالقلقِ وبالتوتّر ، قام أبو حسين بجمع أروماتِ الأشجار، أشجارِهِ التي قطعَها جنودُ الِاحتِلال، مؤونةً لِلشِّتاءِ القاسِي، في تلكَ المنطقةِ الحدوديّةِ القارصةِ الصّقيع.

فجأةً، علا زعيقُ زماميرِ سياراتٍ نزلَ مِنها أشخاصٌ مُدّجَّجونَ بالسلاح، يرتدونَ بِزاتٍ عسكريّةً رسميّة، بينهم أشخاصٌ بلباسٍ مدني.

وبحذرٍ شديدٍ طوّقوا البيتَ، كأنَّهُم يُطارِدونَ مطلوبينَ للعدالة، خارجينَ على القانون.

خَرَجَتْ أمُّ حُسينْ مُستَفسِرَةً عن سببِ كُلِّ هذهِ الجَلَبَة.

-- نحن من وزارة الزراعة. جئنا مدعومين من رجال أمنِ الدولةِ لِمُصادرةِ الحَطَب.

-- والنِّعْمْ!

هذا الحطبُ من أشجارِنا التي اقتلَعَها اليهودُ بعدَ انتهاءِ الحرب. ما شأنُكُمْ بِه؟

-- ألا تعلمين أنَّ القانونَ يمنعُ قطعَ الأشجار، ويفرضُ عقوباتٍ صارمةً على من يفعلُ ذلك؟

-- بلى أعرف، ونحنُ مُلتزمونَ بالقانون، وبما أنّكم جِئْتُم لتطبيقِه، ولمحاسبةِ المُجرِمينَ المخالفين، فهؤلاء الصهاينة الذينَ يَرَوْنَني الآنَ ويرونَكم من أعلى هذهِ التلّة، هم الذين خالفوا القانون، وقطعوا شجراتِنا.

يا أبطال الدولة روحوا نفِّذوا القانونَ وعاقِبوهُم، إن كُنْتُم رجالا، روحوا...

-- هذا الحطبُ مُصادَرٌ، ونقطة على السطر، وهذا محضر ضبط يوثّقُ هذا الجُرْمَ الكبير. جرمَ قطعِ الأشجار.

سَلّمَها المحضرَ وصادروا الحطبَ تاركينَ تلكَ العائلةِ الصامدةِ في عراءِ الأرضِ المستباحةِ، مِنَ الأرضِ والجوّ، ومن رجالِ هذهِ الدولةِ ووزاراتِها العتيدة...

بيروت في 22/10/2025