كان الفيلسوف "كيركجارد" يقول (أن القلق هو الذي يأتي بالحرية)

بمعنى: أن الإنسان يخاف من القيود التي تُضعفه وتجعله عاجزا عن دفع الظلم والأذى، لذلك فهو يتصرف بشكل غريزي طالبا للحرية، وقد يتنازل عن رغباته وحرياته جزئيا إذا شعر بالأمان سواء من المجتمع أو السلطة السياسية..

وهذا تفسير لحالة (الاستقرار) التي تحدث للمجتمعات التي يرأسها حاكما قويا أو نظاما قبليا وعشائريا بديلا للسلطة السياسية، ودوام حالة الاستقرار هذه مرتبطة شرطيا ببقاء الحاكم القوي الذي يُقنع الشعب بالتنازل عن بعض حرياته وحقوقه مقابل الدفاع عنهم..

في العصر الحديث تغير هذا الوضع بشكل كبير خصوصا بعد ميثاق حقوق الإنسان..

فتفسير الحرية لم يعد مرهونا بالأمان الشخصي فقط ولكن بنيل حقوق سياسية واقتصادية وإنسانية كانت مفقودة في العصور القديمة، وأسلافنا لم يفطنوا إليها أو يدركوا بأنها حقا أصيلا لهم وليست (منحة وعطيّة من الحاكم)

فالذي يريد أن يُنشئ نظاما أو دولة بالمعايير القديمة ولا يدرك تطور معنى الحرية في ثقافة الإنسان المعاصر يفشل فورا أو يصبح فاشيا قاتلا مهما كانت درجة نزاهة مشروعة ومنطقية برنامجه ودقة نظرياته، فالتجربة فقط هي التي تضع السلطة أمام الشعب، وممارسة الناس لحريتهم (ولو جزئيا) هي الضامن لبقاء ودوام السلطة قوية، وإلا ستضعف كلما زاد ونما وعي الجماهير بحريتهم..