كتب الأستاذ حليم خاتون:
يحكى عن أمير شاب صالح في بلاد الشام تعلم على أيدي كبير حكماء عصره...
أخذ العلم بالدين والفلسفة والمنطق وأهم من ذلك كله، تعلم
انما الامم الاخلاق ما بقيت،
فإن هم ذهبت أخلاقهم، ذهبوا
كان الأب قويا شجاعاً أرسى أمور المملكة واعتمد كثيرا على كبار القوم ونصح ابنه بالسير على هذا الدرب...
بعد دفن الملك، جمع الأمير الشاب كبار القوم وطلب منهم الاهتمام بعامة الشعب لأنهم ذخر الوطن ومصدر قوته وعظمته...
لأن الحكم شورة، طلب منهم أن يختاروا من بينهم من يكون كبير الوزراء يعاونه في أمور الحكم، ويعمل على تسهيل أمور من لديه شكوى ليصل إلى الملك الجديد...
مرت شهور واتفق كبار القوم على فرض الضرائب، ونهب الجمارك، واحتكار التجارات، والسطو على السهول والمراعي والأراضي المشاع، ووضع اليد على منابع المياه العذبة، وتقاسم الأملاك البحرية والنهرية مع غيرها من المغانم فيما بينهم وعلى رأسهم كبير الوزراء الذي كانت أهم أعماله منع الناس من الشكوى عبر زيادة عدد الحراس حول الملك ورمي كل ذي مظلمة في غياهب السجون...
في كل مرة كان الملك يسأل الوزير الأول عن الناس، كان الجواب دوما ان لا شكوى عند الرعية والكل هانيء ويدعو للملك بطول العمر...
ضاج الناس من كثر الظلم ولم يعرفوا كيف يصلون إلى الملك دون المرور بكبار القوم الذين الذي اهملوا الدين والعلم والأخلاق وانصرفوا إلى متاع الدنيا...
أما من بقي على دينه وخلقه وعلمه، فقد أنزوى في بيته خوفاً من بطش الفاسدين، حتى صارت البلاد بأمها وأبيها في أيدي أكلة الجبنة...
كان لأحد هؤلاء الحكماء ابنة جميلة أرادت أن تعين شعبها دون أن تصل إلى حل يوصل اخبار المصائب التي تجري إلى الملك الشاب، حتى أشار عليها ابوها بما يجب القيام به...
في صباح اليوم التالي، ذهبت الشابة إلى محيط القصر تزرع الورود إلى جانب الأسوار التي زاد الوزير الأول ارتفاعها بحجة الأمن من اللصوص والخونة، وما ادراك من اللصوص ومن الخونة...
حين حاول الحرس تبيان الأمر من الفتاة قالت إن محيط القصر يجب أن يزدان بالورد والزهور لتكون الأسوار فرحة حول الملك العادل أدام الله ظله على الأرض...
كانت تقوم كل يوم بحمل الماء من العين ورعاية الزرع حتى كبر، وحتى اعتاد الحرس على وجودها، وما عادوا يخافون هذا الوجود...
على عادتها كل فجر، وبعد أن كبر الزرع وتفتحت الورود والأزهار، جاءت الشابة إلى هذه الزهور والورود وربطت مجموعة كبيرة من الاجراس على الأغصان دون أن ينتبه الحرس لما تفعل...
كانت قبل يومين من هذا الفعل قد طلبت من الناس أن لا يطعموا ما عندهم من حمير لأن الملك يريد إقامة سباق بين الحمير، وإن أغلالا من الشعير سوف توضع بقرب الأسوار كي تركض الحمير بأقصى ما عندها من قوة، وإن الحمار الفائز سوف يمنح هو وصاحبه جوائز سخية...
في فجر ذلك اليوم، وبعد ربط الاجراس، هرعت إلى الناس المجتمعين في الباحة أمام المعبد، وطلبت منهم بأمر مباشر من الملك إفلات الحمير باتجاه الأسوار لمعرفة الحمار الفائز...
حرص كل أصحاب الحمير على تصويب هذه الحمير باتجاه الأسوار...
ما أن وصلت الحمير الجائعة إلى الورد والزهور حتى بدأت بالتهام كل ما يوجد دون الاهتمام إلى الاجراس التي كانت تقرع...
هرع الحرس وحاول منع الحمير دون جدوى لأن الملك كان قد استيقظ على أصوات قرع الأجراس، وطلب بإصرار على جلب الحاني إلى حضرته...
اضطر الوزير الأول إلى اعتقال الحمير واصحابها الذين رووا للملك قصة سباق الحمير...
جيء بالشابة إلى حضرة الملك الذي بهر بجمالها، وسألها عن صدق ما رُوي...
كانت إجابة الشابة مختصرة جداً بجملة واحدة،
"ظلم الحرس بيخللي الحمار يدق جرس"...
نحن في لبنان، لا يوجد عندنا ملك عادل تقي ذو أخلاق...
لكن بلدنا مليء بالكثير من أصحاب البطون التي لا تشبع؛ التي بالولادة أو بالتبني من قبل الأجانب، صاروا من كبار القوم، لا عندهم أخلاق ولا دين ولا ذمة وإن كانوا تعلموا على أيدي الأجانب كيفية الهندسات المالية،
وسرقة المال العام وفرض الضرائب على الكل بالتساوي بين فقير معدم وغني متخم....
بتنا جميعا ندفع نفس قيمة الTVA، ونفس الجمارك،ونفس قيمة ارباح تجار الاحتكار، فلا يبقى مع الفقير إلا ما يسمح له بالعيش يوما آخر لخدمة الاسياد، بينما يرتع هؤلاء في قصورهم العاجية يجترون جنى عذاب الفقراء...
حرص الإقطاع القديم والاقطاع الجديد، وكبار طبقة الأوليغارشيا من السياسيين والتجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين بحكم الشرائع والمنطق والدين والقانون وكل ما يمكن أن يوجد من صفات حميدة لا تليق بهؤلاء؛ حرصوا على بناء نظام ملة حيث هم السادة، وباقي خلق الله من كل الأديان والأجناس، هم أهل ذمة...
لصوص درجة أولى تستحق احكام الاعدام شنقاً حتى الموت ومصادرة كل ممتلكاتها المغصوبة من دماء الفقراء من عمال وفلاحين وموظفين وعاطلين عن العمل بحكم سياسة التجويع الممنهج للقيام بتصدير الأبناء إلى المهجر كي يعملوا ويرسلوا المال إلى أهلهم للعيش ولضمان شيخوخة أحالها هؤلاء من رياض سلامة ومجموعة المصارف والقيادات الملعونة من قدماء اللصوص وجديدهم الذي ارتدى ثوب التغيير كما فعل الذئب في قصة ليلى ذات القبعة الحمراء...
هل من يذكر ليلى والشاطر حسن وروبين هود وزورو...
منذ عقود...
منذ انهيار الاقتصاد اللبناني...
قبل الطائف، وبعده...
قبل الدوحة وبعدها...
وحكماء هذه الأرض لا يكفٌون عن الحديث، وعن المطالبة ببناء دولة قوية عادلة راعية، وجيش تحرير وتحرر يستطيع التزود بكل ما يلزم للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن، وعن كل نقطة من مائه، وعن كل كومة تراب...
يطالبون بالمساواة الكاملة بين كل اللبنانيين بغض النظر عن الدين والطائفة والمذهب واللون وجنس المخلوق، ولون شعره وعينيه لأن خير الناس أتقاهم، ولأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، والتقوى لله بالرحمة والعدل لكافة المخلوقات...
لقد مل الناس سماع النصائح وقراءة الحقائق حتى بات
جاد غصن مثلاً مثل مارك ضوء، وصارت حليمة قعقور مثل وضاح الصادق، وكل رؤساء الكتل النيابية مثل أميل بيطار أو الياس سابا أو غيرهم من فرسان هذه الأرض...
لكي لا يمل القارئ، ولكي لا يتذرع من في يده القوة بأنه لم يكن يعرف؛
لم يسمع، ولم يرى، ولذلك ظل شيطانا أخرس...
نقول له:
إن من يوصفون كبارا للقوم، ومعم زبانيتهم، هم الحرس...
و"ظلم الحرس، بيخللي الحمار يدق جرس"...
الى اللقاء مع رئيس جمهورية اتفق الجميع أن يكون من المنظومة...
رحم الله امرءا، عرف حده، فوقف عنده...
إن الناس التي تسكت أياما، سوف تنهض يوما لترمي كل هؤلاء في مزبلة التاريخ...
الناس الغاضبة لا ترحم...
سوف ينسون يوما جنس الملائكة والمذهب، ويقومون بسحل من لم تشبع بطونهم من القصور العاجية...
حليم خاتون