كتب الأستاذ حليم خاتون:
١٣-٦-٢٣
غداً، ١٤ حزيران...
غداً، يوم آخر...
الكل في الطرف الآخر يعمل في مؤامرة تستهدف أول ما تستهدف، روح المقاومة في هذه الأمة...
يستطيع جبران باسيل خلط الحابل بالنابل...
يستطيع ميشال عون وضع عناوين غير مطابقة لفعل شنيع يتم تمريره، وإن كان لأسباب شخصية ترتبط بنرجسية الجنرال وصهره...
لكن المستفيد الأساسي من الوضع القائم اليوم في لبنان، هو نفس المعسكر الذي خاض حربا كونية ضد سوريا، ويعتقد أن بإمكانه اليوم النيل من حزب الله في لبنان...
شاء من شاء، وأبى من أبى؛ كل صوت لجهاد أزعور هو ضربة معول على جذع اتفاق الطائف...
ليس دفاعاً عن الطائف، بقدر ما أن الأمر دفاع عن البنود الإصلاحية القليلة التي لم يتم تطبيقها من هذا الإتفاق...
على فكرة،
السبب في عدم تطبيق هذه البنود ليس سوريا ولا حزب الله ولا إيران كما ادعى الاستاذ صلاح سلام على ال MTV...
المسؤول عن عدم التطبيق هو خضوع الجميع للبطريرك صفير ونظرية تغيير ما في النفوس قبل تغيير النصوص؛ بمعنى آخر قبل وضع شرائع موسى في لا تقتل ولا تسرق ولا تزني الخ، يجب تغيير ما في نفوس القتلة والسارقين وأهل الزنى... خضع الجميع لفلسفة البطرك صفير فطار قانون الانتخاب وطار إلغاء الطائفية السياسية وطار معهما مجلس الشيوخ...
كل بند ساهم في تطيير بند آخر إلى أن وقعنا بفضل عبقرية البطرك صفير في الحيص بيص...
كذلك الأمر مع وليد جنبلاط الذي رفض الدوائر الإنتخابية الكبرى التي نص عليها الطائف إلى أن طار الطائف نفسه وطار الذين خلفوه أيضاً...
لماذا يكون التصويت لجهاد أزعور نعيا لاتفاق الطائف...؟
اليوم، ومرة أخرى، يتبين للمراقب تلك النظرة الثاقبة المحقة التي ملكها حزب الله يوم فعل المستحيل لعدم خسارة أي مقعد شيعي في البرلمان...
قد يكون حزب الله انطلق من موقع طائفي، أو من موقع ديني في هذا الأمر...
لكن عزاؤنا هو أن هذا الوضع يمثل نقطة تفجير للطائف من زاوية فقدان الميثاقية، بشرط أن لا يخطئ الحزب مرة أخرى بمعادلات لا معنى لها كما حصل في الدوحة يوم ارجع فؤاد السنيورة على حصان ابيض على رأس حكومة ومعه اسوأ رئيس جمهورية في تاريخ لبنان الحديث...
فعل حزب الله المستحيل أيضاً كي لا يخسر الفكر المقاوم عند السُنّة، عند الدروز وعند المسيحيين...
لكن أعداء هذا الفكر، وأعداء روح المقاومة عند هذه الاطراف، كانوا أكثر قوة بفضل أكثر من عامل:
أهم تلك العوامل كان سيطرة الرجعية العربية ومن خلفها الغرب المعادي لحقوق الإنسان في الحرية والعدالة في فلسطين وفي غير فلسطين...
كما أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والديموغرافي جعل من هذه البيئات الثلاث، بيئات حاضنة للرجعية عند السُنّة، وبيئات حاضنة للفكر الانعزالي عند المسيحيين الدروز...
لا يعني هذا على الاطلاق قدسية الشيعة وخلو هذه الطائفة من الكثير من الرذائل الموجودة في الطوائف الأخرى...
الحمدلله، الكل، دون استثناء، يتشارك في رذيلة الخضوع للغرب... أنها لعنة التاريخ في منطقتنا...
لكن اختفاء جمال عبد الناصر رمى السُنّة العرب، واللبنانيين منهم خصوصا؛ رماهم في دائرة تبدأ مع رجعية الخليج ولا تنتهي عند الإخوان المسلمين الذين انبتوا في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين جحافل داعش والنصرة وعبدالله عزام ونور الدين زنكي وغيرها مما ماثل الوهابية وارجع القوم إلى ابن تيمية في القرون الوسطى وما قبل القرون الوسطى...
كذلك تسبب اختفاء كمال جنبلاط عند الدروز حتى انحدر فكر وليد جنبلاط في أهمية بناء الدولة المدنية القوية العادلة إلى ما قبل الأممية الثانية بكل التعاسة الموجودة في تلك الأممية...
إذا كان الأب عضوا في أممية برجوازية، فإن الإبن عاد في التاريخ إلى الإقطاع العائلي حيث سلم العباءة إلى تيمور كما تجري الأمور عند قبائل عرب الصحراء...
يكفي هنا الاشارة إلى موقف وليد جنبلاط ورفضه لاي قانون انتخاب عصري بما في ذلك القانون الذي وضعه وطالب به كمال جنبلاط والقائم على النسبية الكاملة في لبنان دائرة انتخابية واحدة...
تقوقع وليد جنبلاط وجعل من تيمور مجرد إقطاعي صغير آخر يفتش عن تحالفات طائفية في منطقة ضيقة صغيرة محصورة بين الشوف وعالية وإقليم الخروب...
لذلك، وقف وليد جنبلاط الانعزالي، زعيم المنطقة الصغيرة أعلاه، ضد كمال جنبلاط الذي استطاع قيادة الحركة الوطنية بكل ما فيها من طوائف وعقائد، كما كان استطاع قبلها اخراج عشرات واحيانا مئات الألوف من كل الطوائف إلى الشارع للمطالبة بلبنان وطني عربي ديمقراطي، أيام الحركات المطلبية قبل اندلاع الحرب الأهلية...
إذا كان غياب عبد الناصر عند السُنّة، وكمال جنبلاط عند الدروز، قد دفع تلك الفئتين إلى المنزلق الخطير في الرجعية والانعزالية والعمالة الموضوعية للخارج، فإن الأمور عند المسيحيين كانت أسهل بفضل غياب رواد القومية السورية، ورواد القومية العربية الاوائل
باكراً، وسيطرة رجال فرنسا أمثال إميل إده، ورجال انكلترا أمثال كميل شمعون، ومن ثم رجال الغرب عموماً من أمثال بيار الجميل والجبهة اللبنانية على هذا الشارع المسيحي...
من هنا، ورغم أن الذين لن يصوتوا لجهاد أزعور سوف يكونوا من طوائف مختلفة؛ إلا أن غياب أي شيعي عن فريق أزعور سوف يضرب الميثاقية التي ينص عليها اتفاق الطائف...
حتى لو غض الرئيس بري الطرف، وحتى لو مانع السيد نصرالله في رد الفعل على الإخلال بالميثاق الذي يجب أن يكون اساسا وفقاً لاتفاق الطائف؛ فإن هذا الاتفاق سوف يتصدع، ولن يلبث أن يقع...
لو أن جبران باسيل أتى بأي اسم من خارج منظومة الفساد فعلاً، لكان ربما حشر الرئيس بري في الزاوية، ولكان أحرج حزب الله، خاصة مع وجود مسيحيين كثيرين من خارج المنظومة لم تتلوث أيديهم بما يحمله ضمير جهاد أزعور الغائب من مساهمات في هدر حقوق الدولة لصالح أشخاص محددين بالإضافة إلى فقدان أثر مليارات الدولارات في الزمن الذي استلم فيه الرجل وزارة المالية...
هذا اذا افترض المرء أن صلات سليمان فرنجية مع اهل المنظومة سوف تعطل شفاعة صليب الجلجلة الذي يحمله الرجل الذي فقد أبا وأما واختا ورفاقا على يد رجل غدار يتحدث باسم المسيحيين، وهو أبعد الناس عن تعاليم السيد المسيح التي يكمن جوهر وجودها في محبة الآخر واحترام الآخرين، فكيف وهو القاتل لأكثر من شخصية، وفي أكثر مناسبة...
عندما تقع البقرة، يكثر الذباحون...
فهل وقعت بقرة فرنجية؟
هنا المسخرة الكبرى...
التغييريون...
لقد تبين أن هؤلاء في النهاية ليسوا أكثر من نسخة منقحة من ١٤ آذار...
بعد أن فقدت ١٤ آذار ورقة التين، جاء التغييريون بورقة تين أخرى...
من يسمع وضاح الصادق، أو علي مراد أو مارك ضو يرى بوضوح أناس من مدارس ما سمي زورا بالثورات البرتقالية التي أنتجت أنظمة ردة فعل على الديكتاتورية بمزيد من الارتباط مع النظام الإمبريالي العالمي...
في احدى النوادر عن ترشيح الرئيس رفيق الحريري لسليمان فرنجية في التسعينيات أنه أجاب الرافضين من جماعة المستقبل قائلا:
صحيح أن سليمان فرنجية خصم لي... لكنه خصم شريف...
الشرف، الفروسية، مبدأ التسامح في الوجدان المسيحي، الصدق حتى ولو على قطع رقبته وعشرات خصلات النبل هي ما يميز الوزير سليمان فرنجية ليس فقط عن جهاد أزعور، بل عن كل الجبهة الكونية التي تحارب سليمان فرنجية، بدءاً بجبران باسيل، وانتهاء بأصغر كتائبي متخلف خرج على الجديد، ينظر لصندوق النقد (اللي مش دكانة)، ومرورا بسمير جعجع سارق لقب الحكيم من حكيم الثورة الفلسطينية المناضل الدكتور فعلاً، وليس زوراً، جورج حبش...
عيب على البطريركية من موقع الوجدان المسيحي وتعاليم سيد المعاناة القصوى في سبيل البشرية، أن تقوم بالتسويق لجهاد أزعور الذي تواجد أمثاله على نفس طاولات تجار الهيكل التي كسرها يسوع بعصاه...
ألا يذكر المرء ما قاله السيد المسيح في أهل الضرائب والتجار والرسوم...
جهاد أزعور واحد منهم... كما جعجع، كما باسيل، كما الجميل...
لو كان جبران صادقاً في ما قاله عن المنظومة والفساد، ورغم كل
العهد والولاء لما يمثله حزب الله في وجدان الوطن، ورغم كل فروسية ونبل سليمان فرنجية، لكان المرء مشى فقط من أجل محاكمة كل أركان المنظومة التي كان الاعلامي غسان سعود يريد رأسها إلى أن تكلم مع جبران باسيل، ومع ميشال عون،
قبل بجهاد أزعور من منطلق أن الحزب قبل قبله بمعلم جهاد أزعور فؤاد السنيورة...
على كل، غسان سعود ليس آخر من يبيح المحظورات...
جزء غير قليل من التغييريين مشى بجهاد أزعور بعد صراخ كبير، ونباح أكبر في الساحات بشعار، "كلهن يعني كلهن" حتى صار التغييريون منهم وفيهم أيضاً...
مهما كانت النتائج غداً؛
وحتى لو استطاع المنافقون الحصول فعلا على اكثر من ٦٥ صوتا لجهاد أزعور مقابل أقل من ٤٥ لسليمان فرنجية...
ممنوع التخلي عن سليمان فرنجية ابن الشهيد وأخ الشهيدة...
نعم سليمان فرنجية من المنظومة لكن يا اولاد ستين كلب، جهاد أزعور خريج أي دير، ومن طوبه قديسا من خارج المنظومة...
ممنوع على سليمان فرنجية التراجع، وعليه التذكر دوماً أن الحرب الكونية ضد سوريا وصلت إلى قلب الشام وكادت تحاصر قصر المهاجرين قبل أن يستطيع الرئيس بشار الأسد إرجاع الجميع إلى احجامهم ما أقل من الطبيعية...
كما على الحزب عدم التهاون، وعدم القبول بغير سليمان فرنجية على الأقل لأن التخلي عن سليمان اليوم، سوف يؤدي إلى تخل آخر ومن بعدها، تخل آخر وآخر...
الشعب الفلسطيني محاصر من قبل الصهاينة الصهاينة، ومن قبل الصهاينة العرب، ومن قبل العالم...
لم يركع هذا الشعب، ولن يركع...
نحن في لبنان، يجب أن نعزل من يحاول عزلنا، ويجب أن نحاصر من يحاول حصارنا...
الأموال سُرقت...
الاقتصاد دُمر...
قيمة النقد صارت في الحضيض...
الجوع دخل البيوت ولم يركع من وُلد من صلب رجل وامرأة...
الفقر، سوف يكون الحافز لهدم الجبال...
يجب عدم الذهاب الى دوحة جديدة...
الحل الوحيد هو في انتخابات وفق النسبية في لبنان دائرة انتخابية واحدة...
الرئيس ليس ملكاً لبضعة عشرات من الرجال والنساء يساومون وفق العوني، وليد الأشقر على ثمن صوت لرئيس، كما حصل مع وزراء أميل لحود الذين تخلوا عنه بعد مكالمة من الملك عبدالله في تلك الأيام...
إلرئيس يجب أن يكون بالانتخاب المباشر من الشعب...
هكذا تكون الديمقراطية...
بالكاد سوف نسمع يومها اسم جهاد أزعور...
أما اسماء جعجع وباسيل والجميل، فهي قطعا لن تستطيع اللحاق بسليمان فرنجية اللبناني فعلاً، المسيحي المسامح على دم أهله فعلاً من أجل صون دماء كل الناس...
المطلوب من حزب الله التمسك بسليمان فرنجية لو مهما علت صرخات العهر التي تريد ارهابنا عبر شاشات وصفحات مباعة للشيطان... أو عبر تغيير تابع لUS AID...
بعد كل ما حدث...
سليمان أو لا أحد، واللي مش عاجبه، يشرب من بحر صور وصيدا وبيروت وجبيل وطرابلس، والبترون كمان...
حزب الله لا يحتاج إلى سلاح من أجل فرض رئيس...
يكفي أن يعطل البلد كما فعل مع ميشال عون...
على فكرة، ما يحق لابطال التحرير، لا يحق لابطال الكذب والخداع والتآمر...
التغييريين المقنعين قبل غيرهم...
ولكن أيضاً، حلفاء الظل، وحلفاء التغيير المخادع في لبنان...
المطلوب من الحزب إما فرض التغيير بالقوة، أو على الأقل الثبات في الموقف حتى لا نزحط نحو دوحة جديدة تجهض كل شيء...
حليم خاتون