كتب الأستاذ حليم خاتون:
هل هناك فعلاً حتمية تاريخية بانتصار الشعوب؟
هل هناك حتمية تاريخية بعودة الحقوق إلى اصحابها؟
منذ قسّم الاستعمار العالم العربي إلى تلك الفسيفساء من دول، وأشباه دول، ومناطق لا تستحق صفة دولة كما هو وضع الكثير من الاوطان العربية، لا تزال الشعوب تفرز طلائع تقاوم وتحاول إيجاد سبل للنضال... لكن دوما في داخل حدود تلك الدول الوطنية...
إذا كان دخول حزب الله وغيره من حلفاء في حرب الدفاع عن الدولة الوطنية في سوريا استثناء، فإن القاعدة هي في عدم وجود هيكل فعلي يتجاوز الحدود المصطنعة القائمة جغرافيا بين هذه الدول، وبين هذه الدويلات حتى لو جرى الحديث عن محور المقاومة كمشروع لم يثبت نفسه حتى اليوم...
في النهاية، لا تتحقق الحتمية التاريخية في انتصار الحق إلا أذا ترافق ذلك مع جهاد لا لبس فيه، ولا هوادة...
لا يمكن الركون دوماً إلى انتظار عدالة إلهية لن تأتي وفقاً للمثل الشامي الذي يقول "إسعى يا عبد، حتى أسعى معك"...
"أعقلها وتوكل"، يقول الحديث النبوي...
شعوب تعرف هذا وتخضع لقدر ليس من صنعها...
ابرز مثال على فشل نظرية الحتمية التاريخية بالمطلق هو اندحار الشعوب كما حصل مع سكان القارتين الأميركية أو الاسترالية الأصليين...
رغم بعض إيجابيات التعاون بين قوى محور المقاومة، إلا أن ما جرى في غزة، واستفراد حركة الجهاد مرتين على الأقل دون انفجار الوضع لا في غزة ولا في الإقليم، أظهر بوضوح لا لبس فيه أن هذا المحور ليس أكثر من تحالف غير متماسك، تسيطر عليه نزعات لا تمت بصلة إلى القوانين الموضوعية التي تتطلبها الحتمية التاريخية في التحرير والحرية...
قبل امس، وفي أكثر من مناسبة تُركت حركة الجهاد وحدها في الساحات، والأمر نفسه حصل مع حزب الله سنة ٢٠٠٦، حيث اجتمع العالم كله بما في ذلك الروس والصينيين ومعظم العالمين العربي والإسلامي إلى جانب الإمبريالية الأمريكية ضد حزب قلب التاريخ ذات تموز...
رغم عظمة بطولات الشعب الفلسطيني التي وصل بعض الكتاب فيها إلى الحديث عن ستالينغراد في جنين او نابلس، إلا أن الحقيقة هي أن الشعب الفلسطيني يقاتل باللحم الحي أعتى قوى الاستعمار وأدواته ويحتاج الى أكثر من مجرد تضامن وإدانة وصراخ في البرية...
ما حصل ويحصل في الضفة عموما وفي جنين مؤخراً يثبت أن هناك حالة شعبية بطولية تخطت ليس فقط السلطة الوطنية شبه المستسلمة، بل تخطت حتى الفصائل الأخرى التي يركبها العجز في تشكيل طلائع حرب تحرير شعبية على النسق الفيتنامي...
لأن لبنان هو التوأم الروحي لفلسطين في بلاد الشام، نرى بعض التشابه في حركة الجماهير حيث تسود نظرية الخمول العام بين الناس، والخضوع للقدر دون أي انفجار رغم أن ما حدث في هذا البلد يكفي لتحريك جبال...
وصل الوضع في لبنان الى تقاتل الجميع على اختيار رئيس للجمهورية هو في النهاية لن يحل ولن يربط...
لقد استطاعت الطبقة الحاكمة في هذا البلد تحويل الناس إلى مجموعات من الخراف التابعة لهذا الفريق أو ذاك...
حتى انتفاضة ١٧ تشرين التي اندلعت، تبين أن الاميركيين وازلامهم من جهة، وكذلك الفريق المقابل عملوا جميعا على فض بكارة عذريتها العفوية وتحويلها إلى كل شيء ما عدا العفوية الثورية لإنتاج مجتمع آخر...
لا الفريق المسمى ممانعة استطاع فعلاً بناء مجتمع مقاوم، ولا الفريق المنتحل صفة السيادة استطاع بناء دولة لأنه ببساطة يحمل فكر المزرعة الطائفية...
من المضحك المبكي إطلاق صفة المعارضة على هذا الفريق الذي يضم أحزابا من النظام الفاسد إياه، قديمه وجديده... كما يضم مجموعة من هواة السياسة انتهى بهم الأمر إلى الانتظام في الصف العام بيعا وشراء...
فجأة نسي معظم ما يسمى بالتغييريين شعارهم "كلهم يعني، كلهم" ووقفوا إلى جانب اسوأ ما أنتجته الرأسمالية المتوحشة أيام الحريرية السياسية من جماعة وصاية صندوق النقد على بلد تعرف كل الأطراف أنه لا يحتاج إلى أكثر من قرار يعلق المشانق لمعظم فريق الممانعة وللأكثرية المطلقة الساحقة مما يسمى معارضة بما في ذلك التغييريين الذين وقعوا في أول حفرة نصبتها لهم السيادة المزيفة...
الكل يرفع شعار بناء الدولة، والكل يعمل بقوانين المزارع الطائفية...
الكل يتنازع شعار امتلاك قرار الحرب والسلم، والكل يعرف أن هذا القرار موجود في يد الأميركيين حصراً لأن حتى المقاومة لم تبد لا الاستعداد ولا النية للسير بالمسيرة إلى طريق الجلجلة الذي لا بد منه إذا ما أريد بناء مجتمع مقاوم فعلا من أجل بناء دولة فوق المزارع وفوق السلطات الطائفية والمليشيات التي تحمل فكر هذه السلطات...
اليوم ينتظر اللبنانيون حلا لن يأتي لصالح البلد لأن هذا الحل سوف يأتي لمصلحة استقرار وثبات الأوضاع ولو على حساب الناس...
طالما القاضي راضي يقول الجميع...
لا أموال المودعين سوف تعود،
ولن يحاكم فاسد واحد ببساطة لأن الفساد في البلد هو القانون العام السائد...
لن يتم بناء دولة قوية عادلة لأن أحدا لا يريد بنا الإنسان المواطن...
طالما الناس على دين حكامها، سوف يستمر هُبل الذي لم يعد تمثالا من التمر أو الخشب أو الحجر، بل صار لحما يعيش على امتصاص دم الفقراء لصالح الطبقة الغنية المترفة التي لا تعرف لا انسانية ولا اخلاق ولا حتى معنى وطن...
حليم خاتون