كتب الأستاذ حليم خاتون:
ارسل الإحتلال تحذيراً إلى حزب الله بأنه لن يقبل بوجود خيمتين أقيمت قبل أيام حيث يتواجد بضعة مجاهدين من رجال الله على الأرض...
كان جواب الحزب مختصراً وحازما في الوقت عينه...
هذه الخيم أقيمت على أراض لبنانية محتلة، نقطة على السطر...
لم يجرؤ الإحتلال على القيام بأي عمل قد يفجر حرباً لا تريدها أطراف كثيرة على جانبي الحدود مع فلسطين المحتلة...
لكن مجاهدي الحزب يصرون على حقوق لبنان في التواجد على أية بقعة أرض من هذا الوطن وأنه لا اعتراف بأي احتلال مهما بلغ من جبروت...
قد يخرج غدا وليد جنبلاط يستنكر ويتهم الحزب بخلق أزمة مزارع شبعا جديدة...
قد يخرج فؤاد السنيورة ويتهم الحزب بدفع الأمور إلى حرب لا طاقة للبنان بها...
قد يتهم سمير جعجع أو سامي الجميل حزب الله بالمغامرة أو العبثية عبر اللعب بالنار مع الكيان الغاصب لأرض لبنانية...
قد يخرج أي كان من جواكر التغيير الثمانية الذين اصطفوا كما كلاب الصيد خلف معارضة مزعومة حين أسقطوا شعار "كلهم يعني كلهم" وصوتوا لوزير مالية المنظومة المزعومة، التي احتار الناس في حدود بدايتها ونهايتها...
قد يخرج أي جوكر من هؤلاء جميعاً يتحدث عن قرار السلم والحرب...
كل هؤلاء يريدون امتلاك قرار السلم والحرب هذا، وليس في يد أي من هؤلاء حتى "نقيفة"، أو حتى حجر كما اطفال فلسطين...
كل هؤلاء يتشدقون ليلاً نهاراً عن الدويلة داخل الدولة...
إذا كان حزب الله هو الدويلة، أين هي الدولة التي يتحدثون عنها؟
هل هي دولة الانسحاب من أكثر من أربعين قرية وبلدة سنة ٤٨، أعطاها تقسيم سايكس بيكو إلى لبنان، وسلمتها حكومات ذلك الزمن الرديء إلى الإحتلال دون إطلاق رصاصة؟
أم هي دولة السكوت عن مجازر الطيبة والمالكية واقتحام قرى وبلدات الشريط الحدودي وحتى القطاع الاوسط بمناسبة، وغير مناسبة؟
أم هي الدولة التي أدانت المناضل البعثي حلاوي الذي تصدى لجنود الاحتلال في كفركلا في ستينيات القرن الماضي ببارودة صيد قديمة؟
أم هي الدولة التي حاكمت الجندي الذي أطلق النار على الكوماندوس الاسرائيلي الذي سيطر على مطار بيروت الدولي سنة ٦٨, ثم شرب الشامبانيا في السوق الحرة نخب تدمير كامل أسطول الميدل ايست على الأرض في تلك الأيام المليئة بالذل والخنوع؟
علما أنه، خلال كل تلك الأيام...
لم يكن هناك مقاومة ولا سلاح في الجنوب، وكان الاسرائيليون يدخلون كلما شعروا بالملل، يتسلون بأهل تلك المناطق المقطوعين من شجرة إلى أن جاء حزب الله وربطهم إلى شجرة العزة والكرامة التي لا يعرفها كل المذكورين أعلاه...
حتى النائبة الوحيدة العلمانية فعلاً في البرلمان، حليمة قعقور، مع زميلتها سينثيا زرازير والمناضل الشيوعي سابقاً الياس جرادي... هل يستطيع هؤلاء أن بقولوا لنا كيف يمكن الدفاع عن دولة لا تملك أي شيء من مقومات الدولة، أو حتى من صفات هذه الدولة البديهية...
حكومات فاسدة؛
برلمان أكثر فساداً؛
جيش يقبض الرواتب من تبرعات اميركا, راعية الإرهاب الصهيوني في فلسطين وكل الأراضي العربية المحتلة؛
قوى أمنية، منها ما هو محسوب على الغرب، ومنها ما هو محسوب على الخليج الذي مول تدمير العراق وليبيا وسوريا، ويساهم مساهمة فعاله في حصار لبنان وخوض حرب ناعمة ضده بعدما فشل التكفيريون في مهمة فعل ما لم تستطع اسرائيل فعله في تموز ٢٠٠٦؟
إنها قصة ابريق الزيت نفسها...
خونة هذا الوطن، وأنصاف خونة هذا البلد إن جاز هذا التعبير، يريدون ببساطة وضع الحصان أمام العربة...
يريدون إعادة قرار السلم والحرب إلى دولة شبح لا يمكن تعريفها وفق جميع كتب العلوم السياسية، ولا حتى ايجاد شبيه لها إلا في جمهوريات الموز التي تشبه ما في عقولهم من اللامنطق، واللاعقلانية...
قد يجد المرء أكثر من سبب لانتقاد سياسة حزب الله القائمة على توافق الأضداد في هذا البلد...
لكن ما يجب رفع كل القبعات له هو أن هذا الحزب الصغير الذي حرر كل بقعة أرض عادت إلى الوطن الأم... هو من يتعرض للتشويه من قبل حفنة من أكلة الجبنة...
أن هذا الحزب هو الحزب الوحيد القادر على تثبيت اركان هذه الدولة...
إنها دولة ال ١٠٤٥٢ كلم٢...
أنها الدولة التي تنتظر قرار إقامتها على أساس المساواة بين جميع مواطنيها...
الدولة التي ترفض الخضوع، وتقاتل بلا هوادة من أجل مجتمع حر يتمتع بسيادة حقيقية، وترفض بصلابة أي تنازل عن أي شبر أرض أو نقطة ماء...
أقيموا هذه الدولة، ثم تعالوا لاستعادة قرار الحرب والسلم...
في لبنان، كل ما نحتاجه هو القرار الأول في مشوار الألف قرار لبناء دولة علمانية قوية عادلة...
عندها، وفقط عندها، يمكن بحث قضايا السلاح، وقضايا امتلاك قرار الحرب والسلم...
حتى ذلك اليوم سوف يحمل المجاهدون من حزب الله أي سلاح يرونه مناسبة لمنع تكريس الاحتلال، ومنع تكريس خزعبلات من لا يعرف اصول الاقتصاد والسياسة، ولا يعرف قيمة العزة والكرامة في وطن...
حليم خاتون