د. محمد صادق الحسيني
عندما يدعو نتن ياهو الى جلسة تقدير خاصة مع مسؤولين أمنيين لبحث التطورات في روسيا، وتقول ماكينته الإعلامية إنّ الانقلاب في روسيا تطور له تداعيات على المنطقة وميزان القوى فيها وعلى عمل «إسرائيل» في سورية بغض النظر عن نتائجه، كما ورد في الإعلام الصهيوني…
فإنّ هذا يعني أنّ تل أبيب متورّطة في المؤامرة التي حيكت في الغرب بإحكام ضدّ روسيا وأنّ أمراً كبيراً كان يُدبّر في ليل ضدً بوتين من بوابة فاغنر.
مصادر خاصة مقرّبة من مطبخ صنع القرار في موسكو، تتحدّث عن محاولة انقلاب غربية حقيقية كانت تُعدّ ضدّ قيصر روسيا، تقوم على ثلاث مراحل:
1 ـ الانشقاق والتمرّد الفاغنري بمثابة الخبر الصاعق الذي يحدث أثر الصدمة في أركان المجتمع والدولة الروسية.
2 ـ نزول المدنيين إلى الشوارع دعماً للمتمرّدين والمطالبة بوقف الحرب في أوكرانيا.
3 ـ دعم جزء من الجيش وبعض المتنفذين في الدوائر الحكومية للمتمرّدين والالتحاق بهم لإسقاط حكم القيصر في موسكو.
كلّ هذا طبعاً سقط في ساعات وانتهى الأمر بفضل فطنة وروية وبرودة أعصاب وحزم بوتين الذي استخدم كلّ أشكال «التقية «المخابراتية المعهودة منه أو التي تعلمها من حلفائه الشرقيين الجدد في سورية وإيران، ليخلص سريعاً وخلال أقلّ من 24 ساعة إلى:
1 ـ إجبار قائد فاغنر على التراجع مكرهاً تحت ذريعة حقن الدماء والخروج من المعسكرات التي احتلها.
2 ـ تسلّم قوات أحمد قاديروف لهذه المواقع باعتبارها جزءاً من الأمن الفيدرالي للدولة، بعد أن كانت قد طوّقت روستوف.
3 ـ التصعيد عالياً بوجه قائد فاغنر إعلامياً ودعائياً وقومياً، وإعلانه ملاحقاً قضائياً طبقاً للمادة 279، لمحاكمته في ما بعد بالخيانة العظمى، ومن ثم العفو عنه، على أن تتمّ إعادة تشكيل قواته في إطار جديد ضمن وزارة الدفاع الروسية.
هذه الحبكة المخابراتية تجاه الحدث الانقلاب، والمترافق مع إشاعة أجواء وحدة وطنية عالية ولافتة جداً بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كعمود أساسي في المجتمع الروسي ومختلف طبقات الشعب والقوات المسلحة الفيدرالية، قلب المشهدية بسرعة مذهلة وجعل من الغرب عملياً مجرد متفرّج على ما يجري على الساحة الروسية، كما عبّر أحد كبار المحللين وعضو سابق في المخابرات الأميركية عندما قال :
لقد ابتلعنا الطُعم، خلال أقلّ من 24 ساعة تربّعنا على قمّة الغباء في أميركا والغرب. تجب تهنئة الاستخبارات الرّوسية من خلال مسرحية قائد قوّات فاغنر، حيث نجحت في تحديد أعداء روسيا في الداخل وكذلك من كانوا مجهولين في الخارج.
كلّ ما جرى كان بعيداً عن المنطق، وأهمّ الدروس الّتي تعلمناها خلال عملنا في «سي أي آي» هو التقييم، وهذا كان كافياً كي ننظر إلى ما جرى اليوم أنّه عمل استخباريّ تأخرنا في فهمه.
وهذا يعني أنّ الغرب وقع في فخ لعبة الشطرنج الروسية المخابراتية كما يلي:
يقوم بمباغتة الجميع بأنه المصدوم بعمل خيانة وطعن كبيرين من صديق وهو أمر مقنع.
ثم يمدّ الحبل لبريغوجين على الآخر ليظهره وكأنه زاحف الى موسكو للإطاحة بالحكم، ليتركه عملياً يغوص مع المخابرات الغربية للآخر، ليكشف بهذه الوسيلة أيضاً ساحته الداخلية هو في أجهزة الدولة الروسية والجيش والتي تعاني من نفوذ يهوديّ صهيونيّ واسع رغم كلّ التطهير الذي قام به على مدى أكثر من عقد من الزمان .
ومن ثم ليجبر الغرب للانكشاف أيضاً عارياً أمام الشاشات بأنه الفرِح والمتحمِّس للتخلص من بوتين الديكتاتور.
وعندما يكتمل المشهد، عند موظف الـ «كي جي بي» السابق، يقوم كالصاعقة بلعب دوره الأساس، كرجل الدولة القويّ وبهذا يكون قد ضلّل العدو، وباغت خصمه الجديد على الشاشة أيّ قائد فاغنر، ليتسنى له في هذه الأثناء البطش بعملاء الداخل من اللوبي الصهيوني من بقايا المتنفذين في بعض دوائر الدولة والتي تقول المصادر، بأنّ موجة تطهير واسعة قد شملتهم ضمن خطة بوتين المستمرّة على خلفية إخماد انقلاب فاغنر ومشغليه الغربيين.
وما أن حلّ المساء حتى قال بوتين لبايدن: كش ملك، فيما جعل الناتو يتربّع على قمة الغباء.
بعدنا طيبين قولوا الله…