كتب الأستاذ حليم خاتون: بين المرشح الأول والمرشح الثالث
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: بين المرشح الأول والمرشح الثالث
حليم خاتون
27 حزيران 2023 , 13:58 م

كتب الأستاذ حليم خاتون

على طريقة حساب زياد الرحباني؛ واحد زائدا واحدا لا يساوي بالضرورة إثنين...

في علم الرياضيات، كما في علم المنطق هذا صحيح مئة في المئة... تفاحة + بقرة = دوما تفاحة + بقرة ولا يساوي تفاحتين أو بقرتين...

كذلك في علم المنطق اللبناني، لبناني زائدا لبنانياً آخر، لا يساوي بالضرورة لبنانيين...

كل شيء يعتمد على الظرف الموضوعي لبناء هذه المعادلة...

نفس هذا المنطق اللبناني يقول بعدم وجود مرشح ثان...

هناك فقط مرشح أول صار ظاهراً هو الوزير سليمان فرنجية، ومرشح ثالث يجب أن يبقى خفيا حتى تحين الساعة، هذا أذا ما حانت... لأنه بمجرد أن يظهر سوف يصبح مرشحاً ثانيا في معادلة لا تقبل وجود المرشح الثاني بكل بساطة...

أساساً لا يوجد منطق يبرر وجود معظم القوى في لبنان... حتى "أبطال التغيير"، هم صدفة تاريخية لا شأن لمعظمهم بمجرى التاريخ...

باسم الميثاق يصبح لرجل مثل سامي الجميل وزناً...

باسم نفس الميثاق يفقد الوزير فرنجية وزنه...

هو لبنان؛ بلد العجائب حيث لا تجد أليس أميرها الآتي على حصان ابيض...

هو لبنان حيث يحتمل الأمر الشيء ونقيضه في الوقت عينه...

في الظاهر، دولتنا تقوم على القوانين المدنية استنادا إلى القوانين الفرنسية التي تشكل أساس دستور الدولة اللبنانية...

لكن كل هذا لا يعني شيئا حين يخرج شبح الطوائف...

نفتخر بأعداد اللبنانيين الهائلة في الانتشار، لكننا نرفض العد حين تأتي الأمور إلى هيكل الدولة...

لقد أوقفنا العد، يقول اتفاق الطائف عرفيا...

ينبثق عن وقف العد هذا أكثرية برلمانية تتباهى بأنها أكثر عدداً رغم أنها تمثل العدد الأقل من التمثيل...

هذا هو المنطق ونقيضه...

لهذا يختلط الحابل بالنابل، ويصبح عدد ال ٥١ نائبا أكبر من عدد ال ٥٩ نائباً...

جاء لودريان ليقول في البدء أن جلسة ١٤ حزيران تشكل مفصلاً...

اجتمع بفريق تقاطع الوزير جهاد أزعور فوجد أعدادا غير قابلة للجمع...

اجتمع بفريق الوزير فرنجية، فوجد عدداً لا يحتمل القسمة...

ليت الأمور كانت تخضع فعلاً لمنطق الأكثرية الشعبية أو لمنطق التمثيل الحقيقي لمصالح كل الوطن من أقصاه القريب إلى أقصاه البعيد...

داخ الرجل...

دخل في لغة الأرقام، فلم يستطع جمع الشامي إلى المغربي كما يقول المثل الشعبي في بلاد الشام...

تأمل في صورة المرشح جهاد أزعور فوجدها لوحة puzzle غير قابلة للتركيب... كلما حاول تركيب العوني الى القواتي، تتنافر الأجزاء... تماما كما تتنافر عن بعضها أقطاب المغناطيس المتماثلة... كذلك الأمر مع الكتائب أو مع مجموعة حارة "كل مين ايدو إلو" من التغييريين...

يا زمان الطائفية...

يا زمان الطوائف...

يا زمان الطائف...

الغريب أن كل الفرقاء بلا استثناء تتمسك بالطائف، وكأننا لا نعيش النتائج السلبية لاتفاق الطائف... كأن الواقع الحالي ليس إلا فقاعة من خارج سياق تاريخ الطائف...

يا جماعة...

يا هو...

نحن نعيش معادلة اتفاق الطائف غير القابلة للتطبيق...

ما لم يطبق خلال ثلاثة عقود لن يطبق طالما ظل هذا النظام قائماً...

ولا يهددن أحد بحرب أهلية... هذا النظام بحد ذاته هو نظام مشاكل تقترب من الحرب الأهلية بسبب وبغير سبب لأننا ببساطة، لا نعيش في دولة ذات مقومات...

أولا، لا يمكن وقف العد لأن وقف العد يعني ببساطة تكريس الطائفية....

وقف العد هو تمييز...

وقف العد هو نوع من إعطاء الأفضلية لطفل على بقية الأطفال في العائلة الواحدة...

وقف العد يجر من بعده وقف إلغاء الطائفية...

وقف العد يمنع التعامل مع المسيحيين كبعد انساني ثقافي، ويجعل من جاهليتهم طفلا مدللا يريد الاستئثار بكل الالعاب...

وقف العد يمنع اندماج مكونات المجتمع...

وقف العد يعني انغلاق المناطق باسم المحافظة على الهوية الطائفية...

كيف يمكن بناء اقتصاد يقوم على وقف العد ووقف الاحصاء؟

كيف يمكن بناء مجتمع مساواة ونحن نميز في الدين والطائفة وجنس المخلوق ولون البشرة وحتى في لون الثياب؟

كيف نبني وطنا ونحن نقطع قالب الحلوى ونعطي طفلاً واحدا نصف القالب، وكل بقية الأطفال النصف الآخر...

سمير جعجع أو سامي الجميل، وحتى جبران باسيل لا يعرفون أن لعبة كرة القدم تحتاج إلى فريقين متعادلين في عدد اللاعبين، وأن الفريق غير المكتمل يضم إلى صفوفه من الفريق المقابل حتى تتساوى الأعداد لأن الجميع جزء من نفس الملائكة والشياطين...

أوصلنا اتفاق الطائف إلى أزمة يوماً، فذهب الجميع إلى الدوحة بنفس العقلية الطائفية المريضة، ونفس التفكير الانعزالي عند الجميع دون استثناء، مع براءة ساذجة عند فريق المقاومة...

في الطائف، جرى إعادة توزيع للسلطة بين الموارنة والسنة على حساب كل الآخرين...

في الدوحة، نسي الجميع الوطن وتذكروا جبنة الوطن... لطش المسيحيون نظرية الرئيس القوي، وزاد الشيعة نظرية التوقيع الثالث...

نحن نعيش اليوم نتائج خيبة الطائف، يُضاف إليها نتائج خيبة الدوحة...

ذهبت كل القوى المتخلفة إلى الطائف، ومن بعدها الى الدوحة ترتي نفس الثوب الممزق الذي لم يعد قابلا لمزيد من الترقيع...

في الطائف، كما في الدوحة، حضر زبانية الطوائف، وغابت فكرة بناء الدولة القوية العادلة...

لا يختلف اليوم عن الأمس...

رغم فروسية الوزير فرنجية...

ورغم خساسة ونذالة الكثيرين في الطرف المقابل...

انتخاب فرنجية أو أي كان يجب أن يكون مرحلة التقاط الأنفاس...

كما قال الدكتور نحاس...

نحن نختلف على مسكة باب سيارة مهترئة، محركها عاطل وغير قابلة للسير على الطرقات...

القصة ليست في مسكة السيارة..

القصة في وجوب تغيير هذه السيارة من الأساس...

يخيفنا البعض من حروب أهلية إذا عبثنا بالطائف، وكأننا نعيش في جنات عدن...

نحن نعيش اسوأ ما يمكن أن تكون عليه حياة واسوأ ما يمكن أن يكون عليه وطن...

يخرج اللبناني إلى أوروبا والغرب؛ ينسى الطوائف؛ يعيش ويحترم النظام في الدول العلمانية؛ لكنه يعود الى العصبية الجاهلية بمجرد وضع رجله على أرض الوطن ووضع الرجل الأخرى على رأس الوطن...

ليس هكذا تورد الإبل يا دولة الرئيس...

ليس هكذا تبنى الأوطان...

قدرنا أن نعيش معا...

تعالوا الى كلمة سواء...

تعالوا الى لبنان وطني علماني...

تعالوا نبني وطنا وليس مزرعة كما الموجود اليوم على أرض لبنان...

ليست المشكلة في وقف العد من عدمه؛ المشكلة هي أننا نعد كل يوم، ثم ندعي أننا توقفنا عن العد...

كل الهم هو في جبنة الوطن وليس في الوطن نفسه...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري