كَتَبَ د. إسماعيل النجار:
مقالات
كَتَبَ د. إسماعيل النجار: "الأسباب الرئيسية لضياع لبنان".
د. إسماعيل النجار
1 تموز 2023 , 20:26 م


إنّ سياسة ساسة لبنان، وإزدواجيةَ انتماءاتهم الحقيقية، هي السببُ الرّئيس في ضياع هذا البلد المميّز لبنان.

لبنان دَولَةٌ مُرَكَّبَةٌ من مجموعةِ كِياناتٍ وتناقضات، كدرَّاجة عجلاتها من الصين، وهيكلها من فرنسا، ومقودها من أمريكا، وسائقُها لبناني.

سياسيو لبنان جميعهم، إلَّا ما نَدَر منهم، من حَمَلَة الجنسيتين:اللبنانية والأجنبية، وهم يتولون مناصبهم لأنهم يحملون هُوِيّاتٍ لبنانية، وأثناء تولِّيهم المنصبَ يُقدِّمون خِدماتِهم لِلْهُوِيّةِ الأجنبية؛

إنّهم كالمُنتَج ِ اللبنانيِّ المصنوعِ بآلةٍ إيطاليةٍ أو ألمانية.

سياسيونا في لبنان أشبهُ بالصناعةِ الوطنيةِ بالآلات الأجنبية.

على الأقل، اصنعوا الآلةَ وطنياً، واصنعوا بها منتوجاً وطنياً، ليكون المُنتَجُ لبنانياً خالصاًبِامتياز، وليس نصفَ لبنانيّ.

الغريبُ أنَّ القَيِّمينَ على هذا البلدِ لم يضعوا آلِيَّةً تُنَظِّمُ ترشيحَ الأشخاصِ للمناصبِ الرفيعة، بموجب قانون ٍيَمنَعُ حَملَة جنسيتين من الترَشُّح لمنصب رسميٍّ إلا إذا تخلواعن غيراللبنانية، ويجعلُ التّوجُّهَ نحو التّرَشُّحِ على أساسِ الِاختصاصٍ والخبرةٍ والكفاءَة.

السياسيون اللبنانيون ولادةٌ وطنيةٌ وصناعةٌ خارجية، فكيف سنثِقُ بأدائهم ووفائهم للوطن؟

ثلاثةُ عواملَ مهمةٍ أثّرت على سيرِ السياسةِ اللبنانية الداخليةِ في البلاد.

1_©️تغليبُ المصلحةِ الشخصيةِ لِأصحابِ المناصب على مصلحةِ البلادِ والشعب.

2_©️الِارتباطُ بالخارجِ لِلْحِفاظِ على هذهِ المصالحِ الشخصيةِ وحِمايتِها وحماية أنفسهم.

3_©️إنعدامُ الثِّقَةِ بينَ اللبنانيينَ، بسببِ طُغيانِ الطائفيةِ والمذهبيِةِ والتِبَعيَّة.

هذهِ النقاطُ الثلاثةُ هيَ أساسُ البلاءِ والفسادِ والدمارِفي وطن الأرز.

فطوالَ عمرِ لبنانَ الكبير، مُنذُ عام ١٩٤٣، استقوَى فريقٌ منَ اللبنانيينَ على شركائه في الوطن بالخارج، ومَرَّتِ البلادُ بفترةٍ زمنيةٍ كبيرةٍ كانَت محكومةً فيها بالمارونيةِ السياسية،وكانَت الطوائفُ الأُخرىَ جميعُها صِفْراً على الشمال،فوقعنا بأخطاءٍ كثيرةٍ لم نعمل على تفاديها، أو إصلاحها، ولم نستَفِدْ مِنها.

وعندما نَمَتْ قُدراتُ الأحزابِ والطوائف، وأصبحتِ المارونيةُ السياسيةُشيئاً منَ الماضي، و خصوصاً بعد الحرب الأهلية،أصبحَ لبنانُ يعيشُ عصرَالمقاومةِ التي اعتبرها الفريقُ الِانعزاليُّ عدواً لدوداً له، ودعا إلى عزلِها وتجريدِها من قوَّتِها،

هذه المقاومةُ العسكريةُ البطَلَة، إن كانت في لبنان أم في فلسطين هيَ التي حَرَّكَت المياهَ الرَّاكِدةَ في بُحَيْرَةِ العالمِ المُتشدِّقِ بِصَوْن ِ الحُرِّيّات وحمايتِها، وفرضت، بالقوة المسلحة وليس بالمفاوضات، على القِوَىَ الكبرىَ الِالتفاتَ إلى فلسطينَ ولبنانَ، بعدما كانت ملفات هذين البلدين في أعماق أدراج تلك القوى السوداءالظالمة و المظلمة، التي فرضت مفاوضاتِ أوسلو، و دفنت القضيةَ الفلسطينية.

ماأنقذ فلسطين هي بندقيةُ المقاومة؛ وشكاوى لبنان ضِدَّ "إسرائيل"، على اِعتداءاتِها في مجلس الأمن شابَهَتِ البُكاءَ أمامَ حائطِ المبكَىَ.

المقاومةُ البطلةُ قالت كلمتهافي لبنان وفلسطين، وكل المنطقة العربية، وكانت شريكاً في رسم معالم ِالعالمِ الجديد الذي يُكتَب ميثاقُهُ بالدم.

لَم تَعُد حركات المقاومة أمراً عابراً في العالم العربي، بل أصبحتِ القلقَ الكبير َ البالغَ الأهمية بالنسبةِ لأمريكا وإسرائيل.

في لبنان، المقاومة رقمٌ صعبٌ، وقُوَّة أوقفت العدوَّ الصهيونيَّ" على رجل ونص"، وهزمت الإرهاب، واستعادت الأرض، وحَمَت الثروة، ومع ذلك يجتمع نصف اللبنانيين ضمن دائرة العداء لها، من دون مبرر، إلَّا خدمةً لإسرائيل.

العالمُ بأسرِهِ اعترفَ بهذِهِ المقاومةِ، ويحسب لهاألفَ ألفَ حساب، إلا الِانعزاليين ومَن يقف خلفهم.

اللبنانيون بعيدون كل البُعد عن فهم المتغيٍّرات الدوليةِ الكُبرَىَ، ولم يتَّعِظوا بعدُ مِما حصَلَ ، ويَحْصُلُ في أوكرانيا، ولم يُدرِكوا بعدُ أنّ إيرانَ أصبحت قُوَّةً عُظمَىَ تُمِدُّ دوَلاً عُظمىَ أخرى كروسيا والصين بالتكنولوجيا والسلاح!

علينا كلبنانيين أن نُقرِّر َماذا نريد، ونُحَدِّدَ جغرافيتَنا وقِبلَتنا السياسية، أو أنْ نُحدِّدَ موقِعَنا الجيوسياسي في العالم الجديد، الذي تُرسَمُ معالمُه، بدءاً من فلسطينَ إلى أوكرانيا.

لبنانُ، ومنذ ولادته، يسير وَفْقَ خطِّ سير ِ الرّياح الدولية، دون أيِّ اعتراضٍ أو عرضٍ بديل ٍوطني، أما اليومَ فالظروفُ تختلفُ سياسياً وعسكرياً، وأمامَنا فرصةٌ ذهبيةٌ لكي نختار ماذا نكون؟

أسياداً أم عبيدا؟.

ولِلَّذينَ يتباكَوْنَ على تعطيل ِ اِنتخابِ رئيسٍ للجمهورية، نسألهم: ماذا أنجز لنا جميعاً عهد ميشال عون؟

ألم يكُن عهدُهُ يُشبِهُ هذا الفراغَ الذي نعيشُهُ اليوم؟.

البلادُ تعاني من الحصارِ والإفقارِ والتجويع ِ من قِبَل أمريكا.

و"إسرائيلُ" تَشُنُّ حملةَ اِستغلال ِ الظُّروفِ المعيشية، لتقومَ بِاِصطيادِ المُحتاجين وضعفاءِ النفوس،لتجنيدِهم لصالح ِ استخباراتها، وهي تسعى خلف أشخاص من الطائفةِ الشيعية والفلسطينيين، لتجنيدهم، لأنّهم يقدِّمونَ خدماتٍ أفضلَ من غيرِهم داخلَ بيئَتِهِم التي يتجوَّلون داخلَها بِحُرِّيَّة، ولكنَّ العنصر َ المسيحيَّ، أو أيَّ عنصر ٍمنَ المذاهبِ الأُخرى لن يكون هدفاً ذا أولويةٍ، بالنسبة للموساد، لأنَّهُ لن يتمكّنَ من دخولِ المخيماتِ الفلسطينيةِ، أو أحياءِ البيئةِ الشيعيةِ لتقديمِ خدماتٍ أفضلَ للعدوّ.

في الخلاصة، وطنُنا مُستَهدفٌ، ولا مجال للخلاصِ إلَّا بإصلاحِ أصل ِ النظامِ السياسيِّ، والتمدُّدِ إلى الفروع، وحينَها يصبح لدينا دولةٌ ننتصر ُ من خلالها على التفرقة.

بيروت في...

30/6/2023

المصدر: موقع إضاءات الإخباري