ومحاضرتي كانت عن علاقة الدين بالدولة، وبغض النظر عن ما حدث فيها ومطالبتي للإخوان والإسلاميين بضرورة فصل العمل الدعوي عن السياسي وتفاصيل ذلك ولكن أتذكر أن حذرت الإخوان من ثلاثة أمور..
الأول: أن تجارب التاريخ تثبت بأن فشل الإخوان في الحكم سيدفع عناصرها للعيش في دور الضحية والمظلومية، ومن خلال الاستغراق في ذلك سيكون الثمن (هوية جديدة للإخوان المسلمين) مختلفة جذريا عن المحيط الإسلامي، ربما تذهب في بعض مراحلها لصناعة مذهب جديد..
الثاني: ضرورة إعطاء الحرية للفرد الإخواني كي يتمرن على التفكير خارج الصندوق، أما وضع الجماعة الحالي سوف يدفع عناصرها للتفكير من الداخل واعتبار الإخوان قبيلة يحرم نقدها أو الخروج عليها أو التفكير بشكل مختلف عن القيادة، ومن ثم سيكون الثمن شيوع الاستبداد بين القيادات الذي سيؤدي حتما لانشقاق الجماعة وتفككها حتى لو ظلت في الحكم، بما ينذر بصراع ديني على السلطة تتكرر فيه مآسي الفتنة الكبرى في التاريخ..
الثالث: أن يكون الإخوان إنسانيون مع المختلفين معهم، فاختبار الصلاحية السياسية أول بند فيه (كيف تُعامل من تختلف معهم) والإخوان آنذاك كانوا فاشيين ضد أي مختلف وصلوا فيه لحد تكفير كل من انتقد الرئيس الأسبق مرسي وتحريض الجماهير عليه، حتى لو كان شيخا أو رجلا للدين يتبع مذهب السنة والجماعة..
كانت رؤية مختلفة عن معظم الحاضرين، لكني أتذكر جيدا أن صديقي "دكتور يحيى رضا جاد" وهو من الباحثين المهمين في الفكر الإسلامي كان يتفق معي بشكل كبير، ولم يعلق أحد على ما قلته سوى جزئية (ضرورة فصل العمل الدعوي عن السياسي) التي كنت أطالب فيها بأحد أمرين:
1- تفكيك جماعة الإخوان والاكتفاء بحزب الحرية والعدالة ، والسعي لضم قيادات وعناصر ليبرالية وقبطية وشيعية للحزب ليتمتع الإخوان بفضيلة التنافس والتعددية الفكرية..وهذا الأمر تم رفضه بشدة.
2- الفصل بين جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بما يعني أن لا يكون للمرشد العام ومكتبه أي علاقة أو سلطة على الحزب، وأن تكون مصادر تمويل حزب الحرية والعدالة بعيدة كل البعد عن مصادر تمويل الإخوان...وفي هذا المطلب اختلفنا بين مؤيد ومعارض..
السر في قبول البعض مطلبي الثاني أن كافة الحاضرين هم من المنشقين حديثا عن الإخوان وانضموا لحزب العمل، وكان المطلوب مني آنذاك الانضمام لهذا الحزب باعتباري متمرد وخارج جديد عن التنظيم، لكن ما اكتشفته أن معظم الحاضرين – عدا دكتور يحيى جاد – خرجوا عن الإخوان (تنظيميا) فقط لكن لم يخرجوا فكريا ولا زالوا متأثرين بالقيم والمعتقدات التي شكلت الجماعة ودفعتها لرفع مطالب حكم دولة الخلافة والشريعة..