كتب الأستاذ حليم خاتون:
"لكم فسادكم، ولي سلاحي"، هو عنوان المعادلة التي وصف بها اللواء جميل السيد معادلة الحكم في لبنان ما بعد الطائف...
قسّم اللواء السيد السلطة القائمة في لبنان الى قسمين:
مقاومة حزب الله من جهة،
وكل أطراف السلطة الباقين في جهة أخرى...
رغم صحة هذا العنوان بالإجمال، إلا أن الوضع في لبنان أكثر تعقيدا من هذا بكثير...
في لبنان لا يمكن اختزال كل الدولة بفريقين اثنين فقط...
لبنان عبارة عن عدة حلقات متداخلة بعضها مع البعض الآخر...
حتى صفة المقاومة لا يمكن صبغها على كل عناصر حزب الله لسبب بسيط هو عدم وضوح هذا التحديد الدقيق لما هو قائم داخل هذا الحزب...
لكن الأكيد هو أن دويلة المقاومة قائمة فعلاً على اكتاف جزء ليس صغير من مجاهدي حزب الله، يقف إلى جانبهم بعض بقايا اليمين أو اليسار الوطني والقومي، فيما تنتشر دويلات لا تعد ولا تحصى على كامل الدولة اللبنانية مع قسم غير صغير أيضاً من المحسوبين على المقاومة سواء من الحلفاء أو حتى من الملتزمين داخل حزب الله...
هؤلاء جميعاً ليسوا بعيدين في المصالح عن طبقة التجار...
إضافة إلى ذلك الخليط العجيب من الدويلات المتداخلة في بعضها البعض، والذي يعمل كله وفق معادلة، " لي مواقع في السلطة، ولكم مواقع في السلطة"، تبين مدى سذاجة دويلة المقاومة الفعلية حين يتعلق الأمر بالقرارات الاستراتيجية للسلطة اللبنانية...
تبين لدويلة المقاومة أن السلطة الفعلية ليست في يد تحالف راسخ قوامه الجيش والشعب والمقاومة كما هم يتوهمون، وإن كان تم قبول هذا العنوان اللفظي على مضض في السنين الماضية...
تبين أن السلطة الفعلية في لبنان هي في يد مجموع دويلات التجار التي تستند بدورها على قوى خارجية تستطيع ليس فرض توازن قوة في داخل لبنان فحسب، بل تستطيع الذهاب أيضاً أبعد من ذلك بكثير حين يتعلق الأمر بأمور استراتيجية كما هو الموقف من إيران أو السعودية أو الصين أو روسيا... (المضحك ان بعض اللبنانيين، مثل الكاتب غسان سعود يريد من الصين والروس دولارات لإراحة نظام تابع بالكامل تقريباً للأميركيين)...
استفاقت تلك المقاومة ذات صباح لتجد أنها لا تمون على مقلى بيضة في هذا البلد...
الامن والمال في يد الأميركيين عبر السيطرة على الجيش والمصرف المركزي ومجموع المصارف، والأمن الداخلي... الاقتصاد في يد السعودية عبر السيطرة على رئاسة الحكومة مع كل ما يتبعها من مؤسسات أمنية من شرطة ودرك وغيرها، إضافة إلى مؤسسات خدمية كهيئة الإغاثة أو مجلس الإنماء والإعمار أو الصناديق والمجالس المختلفة التي تتبع كلها في النهاية إلى سياسة الاعتماد الكلي على ما تريده السعودية بما في ذلك الصناديق التي يظن البعض أنها مع الثنائي لكنها في واقع الأمر مع فرع التجار داخل هذا الثنائي...
هذا الفرع له مصالح ثابتة لا يمكن أن تكون إلا ضد المقاومة الحقيقية والفعلية، وضد كل من يسعى إلى سيادة فعلية بعيدا عن واشنطن والرياض...
في دول العالم الثالث القائمة على الريع، لا يمكن أن توجد طبقة تجار وطنية... هؤلاء ترتبط مصالحهم حكما مع مصالح المراكز المالية والاقتصادية الدولية الموجودة في الدول الإمبريالية الكبرى...
صحت المقاومة يوما على هذه الحقيقة المرة فأرسلت تهديدا مباشرا إلى الأميركيين على لسان السيد نصرالله حين تحدث عن استعداد المقاومة للرد في حال لم يطبق الأميركي ما يتوجب عليهم وفق اتفاق الترسيم البحري...
تجاهلت اميركا تهديد السيد وامعنت في تعميق الأزمة في لبنان تحت شعار " كل السلطة لي، وإلا"...
تبين للمقاومة أن الشغور ليس فقط سلاح المقاومة، بل هو أيضاً سلاح الأميركيين والغرب والخليجيين...
كل ما يريدونه من لبنان هو الهدوء والنفط والغاز وأمن الكيان الصهيوني، وقد حصلوا على ذلك...
أما أن يموت اللبنانيون جوعا فهذا لن يحصل لأن اميركا تسمح أو تغض الطرف عن أكثر من خرق لحصارها إن عبر أموال المغتربين، أو الجمعيات غير الحكومية أو حتى مباشرة عبر اموال قطرية أميركية تأتي إلى الجيش، أو حقوق سحب خاصة يتم صرفها لدعم منصة صيرفة التي تطعم لبنان ليس الى درجة الشبع، بل فقط إلى الحد الذي يبعد الموت جوعاً، في الوقت الحالي على الأقل...
في معركة عض الاصابع بين دويلة المقاومة الحقيقية من جهة، ودولة التجار ومعها الأمريكيون والغرب والخليج، يبدو أن دويلة المقاومة هي من صرخ أولا...
في البدء كان تهديد السيد، ثم جاء تلميح الشيخ النابلسي حول إنفجار الاوضاع على الحدود في حال الاستعصاء، ثم في الأمس دورية حزب الله على سياج الخط الأزرق...
الرسالة هنا موجهة إلى الأميركيين واتباع الأميركيين في دولة التجار ومفادها إننا قادرون على قلب الطاولة...
هل يخيف هذا الأمر الأميركيين؟
حتى الآن، لا يجد الاميركيون ولا السعوديون أنهم مضطرين للتنازل...
هم لا يزالون يسيطرون على الجيش والقوى الأمنية والمصرف المركزي...
إذا طار سلامة، وسيم منصوري سوف يتقيد بأصول اللعبة...
قد تختلف دويلات دولة التجار...
افتراق حزب الله عن أمل ورفض تعيين بديل لسلامة، هو محاولة من المقاومة للضغط، وليس ارضاء لباسيل...
لكن الاميركيون ليسوا مستعجلين...
عندهم أكثر من أرنب...
ردوا على حزب الله بإعلان النائب الثاني لحاكم المصرف المركزي عودته عن التهديد بالاستقالة...
في اسوأ الاحوال، الذي يدفع الأثمان هم اللبنانيون...
مصالح أميركا والغرب واتباعها ليست في خطر...
لأن الطرف الآخر لم يصل بعد إلى الموقف الجذري الذي يفرض ضرب هذه المصالح، رغم شعارات اخراج اميركا من غرب آسيا...
لبنان الى أين؟
نحن لا نزال داخل الفيلم الأميركي الطويل حتى لو اعتقدنا أن دويلة المقاومة قد تقلب الطاولة... لأنها ببساطة، لم تصل بعد إلى فهم أن مصلحة أهل المنطقة هو في قلب الطاولة...
لا تزال المقاومة تراهن على تسوية مع الأميركيين...
أنه عقل التجار...
أنه العقل اللبناني المسيطر حتى اليوم...
شعب تاجر وتابع، لا يمكن أن ينتج إلا تجار تابعون يسوقون القطيع في طريق التبعية...
حليم خاتون