كتب الأستاذ حليم خاتون: السلاح مقابل إدارة الدولة
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: السلاح مقابل إدارة الدولة
حليم خاتون
24 آب 2023 , 05:50 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

"إن أقصى ما يمكن أن يطمح له حزب الله هو الاحتفاظ بسلاحه مقابل التخلي عن إدارة الدولة".

هذه هي الكلمات التي خرج بها وزير إعلام القوات اللبنانية، شارل جبور في مقالة في جريدة الجمهورية أول من أمس...

من قرأ المقالة، ورغم نسبة السُمية العالية تجاه حزب الله التي يتمتع بها فكر القوات اللبنانية عموما، وأمثال شارل جبور داخل القوات وخارجها خصوصاً، لا يستطيع المرء سوى رؤية بعض التصدع في جبهة خصوم وأعداء حزب الله المحليين...

بعض كلام شارل جبور في انتقاد موقف حزب الله من انتفاضة ١٧ تشرين، ووقوف الحزب الملتبس داخل النظام، هو كلام حق يراد به باطل...

أن يأتي نقد يساري الطابع من أقصى جهات اليمين العنصري الطائفي المذهبي في لبنان يجب أن يصفع بعض الأطراف اليمينية من البرجوازية الصغيرة داخل حزب الله، وداخل حركات المقاومة عموماً...

ببساطة، لأن هذا النقد يكشف مدى الخطأ الذي جرّت هذه الأطراف المقاومة اللبنانية الاسلامية الشريفة إليه فيما يتعلق بكيفية التعامل مع من يدير الدولة في هذا البلد...

لا يهم لصق التهم جزافاً الذي يمارسه شارل جبور تجاه حزب الله، وتحميله إياه وزر السياسات العقيمة التي حكمت البلد منذ نشأة هذا الكيان...

حزب الله، لم يكن موجودا ايام جمهورية ال ٤٣، ولا يتحمل وزر المصائب التي حملت بها هذه الجمهورية قبل أن تلد حرباً أهلية، لها بالتأكيد أياد خارجية، ولكن لها بالأخص عناصر محلية داخلية ناشئة عن أيديولوجية التفوق النوعي العنصرية التي حكمت فكر المارونية السياسية، ولا تزال...

كما أن حزب الله، ظل بعيدا عن كل شرور جمهورية الطائف حتى اغتيال رفيق الحريري الذي جرى أيضاً وفق مخطط أميركي صهيوني لإعادة إشعال الحرب الأهلية من جديد مع وقود من نوع آخر خدمة لمصالح دولة الكيان الصهيوني التي تلقت الصفعات تلو الصفعات بفعل مقاومة حزب الله...

ورغم اضطرار حزب الله الدخول في جهاز السلطة التنفيذية لحماية ظهر المقاومة بعد انكشاف هذا الظهر بفعل الانسحاب السوري من لبنان؛ إلا أن الحزب كان دائما تقريباً في موقع الزوج المخدوع من قبل كل الأطراف الباقية في هذه السلطة، والتي مارست البغاء السياسي بكل صلف وعنجهية وغباء...

رغم كل النداءات التي وجهت إلى المقاومة أن تنأى بنفسها، ولا تربط مصيرها مع مصير الطبقة الفاسدة الحاكمة، وأن تسمح للتحرك الجماهيري بإسقاط هذا النظام؛ إلا أن قيادة الحزب لعبت دور الدرع الواقي الذي سمح لأركان هذا النظام من التقاط الأنفاس والقيام بهجوم مضاد أنتج هذا الوضع الشاذ الذي يسمح لشارل جبور وأمثال شارل جبور من التطاول على هذه المقاومة...

يستطيع حزب الله الصراخ عاليا من أنه لا يمون على بيضة في هذا النظام، وهو محق إلى حد بعيد؛ لكنه لا يستطيع إنكار أنه كان الرافعة التي سمحت لكل اركان الفساد من أحزاب السلطة والمعارضة المزيفة من العودة للإمساك بالساحة...

لقد عاش لبنان وضعا ثوريا بامتياز... لكن افتقاد قائد لهذا الوضع سمح فعلا لنشوء وضع المراوحة في أزمة عميقة تنتظر ربح ورقة يانصيب في البلوك رقم ٩، حتى لو تمت، فهي لن تستطيع أكثر من إطالة عمر هذا النظام الذي تعود على الفساد والسرقة، ولن يحيد عن هذه العادة...

مع كل نقاء حزب الله في العداء لمشروع الإمبريالية في المنطقة عبر الرفض المطلق لوجود الكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، ظل حزب الله ساذجا في التعاطي مع أدوات هذا المشروع في الداخل...

قد يكون الحزب محقاً في الحذر البالغ عند مقاربة موضوع البنية الاجتماعية المذهبية المعقدة في لبنان، لكن الحزب تعامل مع هذا الوضع المذهبي بنفس منطق العلة المذهبية...

من المؤكد أن الروحانية الدينية متأصلة في هذا الشرق، وهي تشكل أحد أهم صفاته...

لكن الروحانية شيء، والدخول في لعبة امتيازات المذاهب وتقسيم السلطة بين زعماء الفساد السياسي شيء آخر تماماً...

ربما يتمكن الحزب من إيصال سليمان فرنجية إلى الرئاسة.

لكن هذه لن تكون سوى مرحلة مؤقتة تكفي كي يكتشف هذا الحزب أنه يقف على مفترق طرق:

إما قيادة حركة تغيير حقيقية في المجتمع لقلب هذا النظام، وإما التماهي مع هذا النظام والموت البطيء معه، وإن طالت مرحلة الموت السريري هذا بفعل انتشار وباء الفساد في كل شرائح المجتمع اللبناني...

أما اكتشاف الغاز أو النفط، فهذا لن يكون سوى إبرة مسكن تسمح لنظام الريع بالاستمرار حتى نضوب هذه الثروة، خدمة لسلطة التجار؛ تماماً كما حصل سابقاً مع الودائع، قبل الازمة، وبعدها...

الاقتصاد اللبناني كله مكرس لخدمة طبقة التجار التي تمتد أذرعها لتشمل كل السلطات الأربعة المعروفة...

"لو بدها تشتي، كانت غيمت"...

كل التخبط الذي يجري منذ سنوات، وعدم اتخاذ ولو إجراء حقيقي واحد لمعالجة مفاعيل الازمة الاقتصادية المالية الخانقة وبناء دولة قوية عادلة؛ كل هذا له معنى واضح وهو أن حزب الله، رغم تميزه عن كل فرقاء السلطة والمعارضة المزعومة في لبنان، لم يصل بعد إلى النضج الثوري الكافي لقيادة حركة التغيير المطلوبة؛ بل، أن استمراره على هذا النهج، يساهم من حيث يدري الحزب أو لا يدري في منع نشوء قوة ثورية مطلوبة هي وحدها من يستطيع بناء هذا البلد وبناء كامل هذا الشرق الغارق في العتمة الفكرية الثقافية الاقتصادية...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري