عدنان علامه / عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
مشهدية التحكم بالعقول شهدها لبنان ...
كتبت هيام وهبي
حشود مهيبة بلباسها الأبيض المفروض عليها تتسابق في رحلتها نحو لقاء مغنٍ تهفو إليه العقول قبل القلوب ...ليطوفوا بالحبيب ...جماهير من الشعب اللبناني العظيم ( الذي يُحِّب الحياة) يتسابقون للوصول ألى غايتهم النبيلة (يُنَتِّفون ) شعور بعضهم ويتدافشون ويلهثون من التعب ...هم جمهور (البيال الحرام ) ليتباركوا وليشنفوا آذانهم بصوت نرجسي وقصائد من عيون الشعر ... وليمتِّعوا نظرهم بمن أراد ان يشبه حفل عمرو أو عبدو (لا فرق ) دياب بالحجيج في مكة المكرمة وأين الثرى من الثريا.
فهل "أجمل" من قصيدة : "انا ميال... طب أنا ميال" ... أو "معلّقة حبيبي يا نور العين" ... أو "الأغنية الرائعة (هتدلّع )". تهافت بعض أهل لبنان على شراء البطاقات التي جاوز ثمن الواحدة منها الألف وخمسمئة دولار ... دفعوها بكل طيبة خاطر وفرح ...ففرحتهم "بموسيقار الأجيال" صاحب السيمفونيات الخالدة ( موزارت ) الألفية الثالثة ... أو ما سمّته وسائل الأعلام المروِّجة لهذا الحفل الخارق ، "بالهضبة". تصوروا هذا الزمن، هذا ال "دياب" الذي لا صوت له ولا إحساس ولا أي مقومّة من مقوّمات الإبداع يلّقب ب "الهضبة" ... أستغفر الله العظيم من هذا الزمن المعيب ... يا رب ما هذا البلد العجيب السوريالي ...؟
بلد يعجز "سلفادور دالي" نفسه عن إبداع لوحة سوريالية تشبهه. شعب جائع ... حافي يشكي ويندب طول النهار ِ...مدعوس من دولته، ومن أشقّائه العرب ومن كل دول العالم ...شعب يعاني من كل النواحي الأقتصادية والأجتماعية والسياسية ...يبيع فرش منزله ليشتري بطاقة لحفل دياب !!! يدفع كل ما يملك ليتمتع "بسحر البيان وسمو الموسيقى والصوت المخملي" (الذي لولا الميكروفون والتقنيات الحديثة التي تغني لوحدها دون حاجة لصوت المطرب لما كان هناك هضبة...) .
هذا الشعب الذي يتشكّى من الفقر والجوع وصاحب الثورة المباركة ، ثورة (سنتات) الواتس اب ، هو أفسد من حكامه؛ ويستحقهم بأمتياز. فكما تكونوا يولّى عليكم.
هذا الحضور من الشعب الذي نفّذ فرمان الباب العالي عمرو دياب بحذافيرها؛ فارتدى البياض الذي فرضه الحاكم بأمره والتزم الصمت خوفاً من غضب الفنان الكبير (أصل زعَلُه صعب شوية ) وممكن يحرد وما يغني!!! ياخد المليون دولار دون أن يصدح باغانيه.
لك شو هالوطن ... أستغفر الله العظيم... بلد عنده كل هالمآسي وكل هذه الأزمات ، بكل بساطة يأتي دياب (ويلهط ) مليون دولار ... ويتنطط قليلاً ويتراقص ويتمايل وقلوب اللبنانيين الحزينة والتي تحب الحياة تتمايل معه ويتحول الجمهور إلى أمواج من البياض الشديد النقاء وكلما صرخ عمرو إعترت الجمهور ( النارفانا) حالة من الصوفية والهياج الحيواني ... ليت هذا البلد يختفي عن وجه الأرض !!!بالفعل نحن نعيش أزمات بالجملة سياسية وإقتصادية وإجتماعية ولكن الأزمة الأصعب هي الأزمة الأخلاقية.
لم أتخيل في يوم من الأيام أن نعيش هذا الزمن المنحط ، وأن يكون شعب لبنان مصاب بالفصام (شيزوفرينيا).
لأول مرة أحسد الأحبّاء الذين رحلوا على موتهم، وأتذكر كلمة الأمام الحسن عليه السلام حين قال : "سيأتي يوم على المرء يمر بقبر أخيه فيقول له هنيئاً لك" ...وأظننا وصلنا الى هذا اليوم ...
ومبروك المليون للهضبة ... وابحثوا عما قاله الرئيس الراحل حسني مبارك عن دياب وعن الشعب اللبناني في حفلة سابقة له.