الكاتبة:مها علي
كما الطبيعة البشرية تحتاج إلتقاء جنسين متوافقين كيميائياً وفكرياً لأجل ولادة طفل سليم قوي البنية, كذلك حصل على الساحات الدولية , التقت روسيا والصين وجمعتهما المبادئ السياسية المعادية لسياسة الهيمنة الأمريكية ووحدتهما القيم الأخلاقية في تطبيق القوانين الدولية ومنع إزدواجية المعايير التي تمارسها الولايات المتحدة لنهب ثروات الشعوب وفرض ثقافتها اللاأخلاقية والتي تتبنى وتُشرعن زواج المثليين وهدم الأسرة والمجتمعات, تحت قناع الحرية والديمقراطية المزيفين, واختصرها الرئيس فلاديمير بوتين عبر قوله: (بريكس) لا تتنافس مع أحد وتؤيد نظاماً عالمياً يأخذ بالاعتبار مصالح جميع البلدان.
مع بزوغ نجم البريكس تبدأ حقبة جديدة في التمويل العالمي والجغرافية السياسية تسعى جاهدة لإعادة التوازن العالمي بعد أن أصابه الخلل من الغطرسة العمياء للولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت تظهر للعيان عبر العقوبات الاقتصادية الخالية من الإنسانية والموجهة إلى غالبية الدول التي تقف في وجه سياستها اللامتوازنة.
قمة دول البريكس والتي عُقدت لمدة ثلاثة أيام متوالية من تاريخ 22-8-2023 تُعد تحالفاً رسمياً بين جنوب افريقيا والهند والصين والبرازيل وروسيا وأضيف إليه ست دول هم مصر والسعودية والإمارات وأثيوبيا والإرجنتين وإيران, ابتداء من بداية العام القادم, ومع هذه القمة ضُرِب المسمار الأخير في نعش النظام العالمي القديم الذي قادته أمريكا لعقود.
إن اتحاد هذه الدول يعمل على إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي ويتحدى التفوق الأمريكي وهذه القمة ليست كسابقاتها فالمعايير التي وضعتها لأجل قبول عضوية الدول تهدف إلى التحرر من سيطرة الدولار, حيث اشترطت القوة الإقتصادية والثقل السياسي والمساحة الجغرافية والسوق الإستهلاكية الواسعة, ومع هذا التحالف ستكون مجموعة البريكس ثاني أكبر تجمع في العالم بعد منطقة اليورو وسوف تملك الثقل الأوزن في عالم الطاقة,
فالجزائر كانت قد وضعت مليار ونصف كمساهمة في بنك التنمية الجديد التابع للبريكس والبديل عن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي, وهي بلد له أهمية جيواستراتيجية لغناه بالثروات الباطنية والغاز وهو بوابة نحو افريقيا والأكبر مساحة جغرافية, وكذلك مصر لها أهمية جغرافية من خلال قناة السويس الواصلة بين البحر الأبيض والأحمر وتملك سوقاً استهلاكياً واسعاً يضم أكثر من مئة مليون مستهلك, أما السعودية فهي أكبر مُصدر للنفط وأكبر اقتصاد عربي, وهي تحظى بأهمية لدى العالم الإسلامي بسبب احتضانها الأماكن المقدسة في مكة والمدينة, ومن ناحية الأمارات تُعد من أوائل المساهمين من خارج المجموعة في بنك التنمية الجديد, وهي السابعة عالمياً في انتاج النفط, كما أصبح لها وزنا دبلوماسياً في الشرق الأوسط وشمال افريقيا, إضافة إلى تنظيمها إكسبو دبي 2022 العالمي, وإثيوبيا هي المقر الرئيسي للإتحاد الإفريقي, أما إيران فهي تفرض نفسها كدولة عظمى متقدمة تكنولوجياً وعسكرياً وشارفت أن تكون دولة نووية,وذات أهمية استراتيجية.
ومما سبق نستطيع القول أن مجموعة بريكس أصبحت منظومة اقتصادية عالمية تضم ثلاث قارات, وهي لم تقف عند الناحية الاقتصادية بل تنمو بشكل مستمر لتتحول إلى حلف سياسي ضد الهيمنة الأمريكية المتفردة بالقرارات, فكل المحاولات التي قامت بها أمريكا ودول الغرب لأجل منع جنوب افريقيا وباقي الدول من التقرب إلى روسيا و مجموعة دول البريكس باءت بالفشل,كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا, وإن الست دول الأعضاء الجدد ابتداء من أول العام القادم سوف يساهمون بشكل كبير في انهيار الدولار من خلال الاعتماد على العملات الوطنية, في التجارة الدولية,
والخلاصة: إن أمريكا فقدت هيبتها منذ أن خسرت حربها في العراق وأفغانستان وتضاعفت صورتها المُشوّهة مع فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي ارتكز في سياسته على تقليب الشعوب ضد حُكامها وذلك بفضل صمود سوريا ومساندة حلفائها بالتصدي للمجموعات الإرهابية التي قدمت من 180دولة.
والجدير ذكره أنه مع انتهاء هذه القمة اقتنعت الولايات المتحدة والغرب بأنها خسرت الكثير من رصيدها الاستراتيجي, وأن شمسها قد غربت, ولكن على الصعيد العسكري لازال الوضع يتأرجح, فربما هذه القمة لدول البريكس حركت المخاض لولادة النظام العالمي المتعدد الأقطاب ولكن الولادة ربما تتطلب مواجهة عسكرية لحدٍ ما, كي تستسلم أمريكا وترضخ للواقع بأنها لم تعد صاحبة القرار المتفرد في العالم, ويبقى الأمل في القمّة المرتقبة لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ والذي يضمّ الصين, هل يتم اللقاء بين جوبايدن وشي جينغبن في سان فرانسيسكو ويتفقوا على السلام دون وقوع الحرب,سيّما وأن تكتل إكواس عزز نفسه في محيط الصين كي لا يسمح لها بالتفرد في المنطقة؟؟؟