كتب الأستاذ حليم خاتون:
بيروت الصغرى تتلألأ في اضواء منصة صيرفة الممنوعة من الصرف إلى أن يحصل كل ابن كلب على حصته من كعكة الكهرباء او الفيول، لا يهم...
أحزاب لبنان، كما الإخوة الأعداء، لا يهمهم من هذه الدولة غير "النتشة" التي يطلعون بها من جبنة السلطة...
يتساوى في ذلك، كل مصاصي دماء هذه البقرة التي رغم كل شيء، يبدو أنها لا تزال حلوبا...
الضواحي المتهمة من قبل السيدة ريتا نصور على ال OTV، بسرقة تيار كهربائي لا يصلها اصلا إلا فيما ندر، مضطرة إلى دفع ثلاثة أضعاف كلفة الإضاءة لأن كهرباء الأحزاب المختلفة الآتية من مولدات أمل والاشتراكي والمستقبل والقوات وغيرهم من الشركاء، مثل المنشار، لا تتوقف عن الصعود سواء ارتفع الدولار ام هبط ام استقر، في لعبة لا تزال هي أيضاً عصية على الفهم...
يدخل "السائح المغترب" إلى مقاهي الأملاك البحرية التي تدفع الملاليم لخزينة الدولة، هذا إذا دفعت، ثم تضع أسعارا تفوق افخم مقاهي الشانزليزيه أو فيينا أو برلين أو روما...
يدخل، كما تدخل معظم فئات الشعب اللبناني العنيد...
يدفع الجميع الفاتورة، ومنهم من يلعن الأحزاب والذي جاء بهذه الأحزاب، ومنهم من يرى في هذه الفاتورة ملاليم لا تستحق عناء الاحتجاج...
من يرى لبنان هذه الأيام، يظن أنه عاد إلى زمن هبوط رفيق الحريري بالمظلة الأميركية السعودية السورية أيام التسعينيات والسوليدير القادم على حصان ابيض...
يبدو البلد مفلسا... لكن الشوارع ملئ بالسيارات التي تسير على بنزين السوق الحرة السوداء، تماما كما يسير كل البلد...
حتى الناس، الكل يرمي الفلوس وكأن مطابع المال لا تتوقف عن الإنتاج...
الكل يسرق الكل...
أسعار تتطلع إلى رقم السيارة أو نوعها أو اللكنة أو اللهجة أو اللغة أو حتى شكل الزائر... هكذا يتحدد سعر السلعة أو الخدمة المطلوبة...
لا يعبأ أحد، لا برقابة ولا ضمير، المهم الشطارة اللبنانية في السطو على اي دولار ممكن الاستيلاء عليه...
يسأل المرء نفسه، أين هم المعدمون في هذا البلد؟
من الأكيد أن المعدمين أقل من أقلية من مجمل السكان...
يبدو أن الأغلبية العظمى "دبرت أمورها"...
هناك من انتفع من هندسات رياض سلامة المالية فجلس على ثروات لا تقدر ولا تحصى...
لكن هناك من اختط لنفسه هندسات شيطانية لا يقوى عليها إلا الشطارة اللبنانية...
هناك من استطاع بيع جزء من قوة عمله بالدولار الفريش...
لكن الجميع استطاع تدبير أموره بالحد الأدنى عبر "شطارة" اللبناني هذه التي غالبا ما تكون غير شرعية وغير قانونية، وغير شريفة لا بالشكل ولا بالمضمون...
قد يكون المعدمون في لبنان أقلية قليلة جدا، دون أن يبرأهم هذا من الشطارة العامة في النهب... كل ما في المسألة هي أن أيدي الأغلبية العظمى منهم لا تطال لكي يسيروا على نهج رب البيت الذي لا يترك فرصة تمر دون أن يغرف مما لا يحق له فيه...
قد يسأل المرء نفسه، إذا كان الجميع على دين الشطارة اللبنانية، لماذا تخصيص حزب الله بالنقد؟
ببساطة، لأنه كان الأمل...
ببساطة لانه القوة التي يحلم بسطاء الناس أن تكون مستبدا عادلا، بدل أن يكون ابو ملحم بين أربعين علي بابا...
ببساطة لأنه لم يخرج علينا حتى ببرنامج يرسم خريطة طريق، ليس لبناء دولة وهذا واجب، ولكن للخروج إلى أبسط مقومات وجود دولة في لبنان...
مرة أخرى، يمشي المرء أو يقود سيارة على شاطئ، من اروع الشواطئ، ولا يفهم، كيف يعجز الوزير علي حمية عن إجبار هؤلاء الجبابرة على تأمين مدخول مستحق إلى صندوق الدولة بدل القروش التي يمن بها علينا حيتان الأملاك البحرية...
لا يفهم المرء كيف يصعب على بلدية أي منطقة أن تفرض الحد الأدنى من النظام أو التنظيم بدل الفوضى العامة التي تحكم سير الحياة في هذا البلد...
على المنارة، تصطف السيارات والدراجات النارية عشوائياً، ويحتل بضعة مئات من الطفيليين حقوق بقية البشر في التنزه المحترم...
"الصيت (عنصريا) للسوريين، والفعل لاصحاب الكلاب من اللبنانيين التي تترك كلابهم اوساخها في كل بقعة من هذا الرصيف، أو ترعب الاطفال، وحتى الكبار وهي تمشي وفق قانون الغاب هنا وهناك...
يتسابق بعض الصبية على دراجاتهم النارية وكأن رصيف المنارة أو الرملة البيضا أو الزيتونة قد طوب لهم ولفوضى غرائزهم...
حتى السيارات أو الدراجات النارية المركونة عشوائيا لتمنع الآخرين من الركون المنظم، تبقى ساعات وساعات على طريقة "من سبق، شم الخلق"...
ألا يفترض وضع تعرفة وقوف لكي لا يحتكر بضع مئات حقوق بقية الناس طيلة ٢٤ ساعة في ال ٢٤...؟
ثم، هل من الصعب فرز بضعة رجال من طاقم البلدية ليسير في دوريات تمنع هذه الفوضى العارمة وتفرض النظام في أبسط الأمور... من النظافة العامة حتى احترام الحق العام في تمضية وقت مع البحر دون الخوف من "سلبطة" متنمر لا ينتمي إلى جنس البشر الا بالمشي على اثنين من الأرجل...
عودة إلى حزب الله، ماذا يفعل وزراء الحزب والنواب داخل السلطة؟
بماذا يتميزون عن باقي الوزراء والنواب ممن لا نعرف ماذا يفعلون غير الخروج بين الحين والآخر في لقطة إعلانية لا هدف لها سوى الإعلان عن معجون اسنان يظهر أسنانهم البيضاء أو مسحوق تجميل الوجه والسيرة...
يا أخي تملكون شاشات، على الأقل استعملوها كي نرى أن هناك من يحاول أن يعمل وينتج ولا يخرج علينا بين الحين والآخر يصفصف كلاما لا يشبع ولا يغني من جوع...
في لحظة، يكاد المرء يتمنى أن لا يخرج من البلوك رقم تسعة أي شيء احتجاجا على ترسيم لم نتمناه لانه أضفى على سارق الكرم الفلسطيني شرعية رفضها أجدادنا واباؤنا وهم مهزومون وقبلناها نحن، ونحن منتصرين...
كل هذا لأن حفنة من رجالات واحزاب هذا البلد قاموا بنهب الثروات وإفقار العباد...
يقول ويهدد الاخ شاكر البرجاوي بأن عدم خروج نفط أو غاز يعني وقوع الحرب لأننا لن نقبل بوصول الحصار إلى هذا المستوى...
لقد وصل الصلف الأميركي الغربي إلى أكثر من هذا، وكل ما فعلناه هو محاربة طواحين الهواء...
لم نقدر على منع الزبدة الدنماركية ولا منتجات السويد من الاستمرار في التدفق على أسواقنا رغم ازدرائهم بقيمنا واحتقارهم لنا والتطاول على كرامتنا...
يدوس الاميركيون كل يوم على هذه الكرامة ونحن صامتون لا نفعل شيئا...
قد يبدو الكلام على الجميع...لكن لماذا تخصيص حزب الله...؟
ببساطة، لأن المطلوب من حزب الله أن لا يستمر شيطانا اخرسا في بلد مكنه الله يوما من تحرير جزء عزيز من أرضه وانقاذه من ايدي التكفيريين، فإذا به يقف عاجزا أمام حفنة من اللصوص والضباع ومصاصي الدماء...
ببساطة لأن المطلوب من حزب الله أن يعمل من داخل السلطة كما يفترض برجال الدولة وليس أن ينافس المحسنين في تقديم دواء او "كارتونة مونة" للعائلات المستورة...
قد يوزع بعض المغتربين بعض المساعدات وقد فعلوا...
فهل هذا هو المطلوب من حزب الله...؟
هل وصلت الامور الى هذا الوضع المزري حتى تتحول المقاومة بكل ما تملك من قوة إلى مجرد محسن كريم...؟
الم يحن الأمر لكي يعقد حزب الله حوارا مفتوحا على كل اللبنانيين لطرح مسألة بناء الدولة في مؤتمر عام يدعو فيه الحزب كل رجال الاقتصاد والقانون والثقافة حتى لو اضطر إلى استئجار المدينة الرياضية لهكذا مؤتمر...؟
هل يجب أن يوافق على هذا البطاركة والمفتون وبطاركة الأحزاب...؟
يا اخي إذا رفض سامي الجميل وسمير جعجع المؤتمر التأسيسي، الم يحن الوقت إلى عقد مؤتمر تأسيسي جماهيري شعبي على الأقل من النخب من كل الأطراف بما في ذلك من ينتقد الحزب على قلة كفاءته في التصدي لمشروع بناء الدولة بعد معارك التحرير من العدوين الصهيوني والتكفيري...؟
ليس المطلوب من حزب الله استجداء الخليج كما يفعل الآخرون...
نحن لسنا بحاجة إلى أكثر من أن نكون دولة...
عندما نكون دولة، نفرض على الآخرين احترامنا...
كرامتنا تمنع علينا سياسة التسول التي دأبت عليها كل أحزاب السلطة والمعارضة على حد سواء...
هل صعب على حزب الله أن يخرج على هذه السياسة ويجعل من حياتنا حياة كرامة وطنية لا تقتصر فقط على مسألة مقاومة الحتلال، لأن الكرامة يجب أن تكون عامة شاملة في كل شيء...
حزب الله، إما أن تكون كما يجب أن تكون وإلا رجاء... اترك الناس ولا تفرض سياسة الخنوع تحت بند منع الفتنة...
بناء الدولة قد يحتاج في بعض الأحيان إلى قليل من القسوة وربما حتى إلى دم كي يتم فرض القانون والنظام ومنع ترك الأمور في أيدي من يجب قطع أيديهم...
حليم خاتون