كتب الأستاذ حليم خاتون:
هو سؤال افتراضي طرحه الاستاذ اسماعيل النجار على موقع إضاءات وانتشر على مواقع التواصل الإجتماعي بين أنصار الحزب على اعتبار أن كل ما قيل فيه مديح صاف لحزب الله دون تحليل يقترب من وضع الحسنات والسيئات والنظر إلى الميزان بعد ذلك...
بعيدا عن البروباغاندا؛
لا شك أن حزب الله لعب دورا عظيما انتشل فيه المقاومة التي عرفناها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؛ انتشلها من الحضيض الذي وصلت إليه في وسخ فنادق عمان ومن ثم بيروت حتى قبل أن تنحط نهائيا في أوسلو وما بعد أوسلو على أيدي محمود عباس ومحمد دحلان وغيره من القيادات التي تجاوزت كثيرا مساومات أبو عمار لتقضي بشكل شبه كامل على حقوق الشعب الفلسطيني وتحول ما تبقى من هذا الشعب على أرض فلسطين حيث تحكم السلطة، إلى مجرد غيتو يشبه كثيرا غيتوات الهنود الحمر في اميركا...
اعاد حزب الله الاعتبار إلى المبادئ الأساسية في حق الشعوب في القتال ضد الاحتلال لتحرير الأرض، وقد نجح نجاحا باهرا حين تمكن سنة ٢٠٠٠ من إنجاز تحرير معظم الأرض اللبنانية المحتلة دون أي قيد أو شرط كما ذلك الذي حصل على جبهات الاردن ومصر وسوريا حيث وقعت أنظمة تلك البلاد في فخ الإمبريالية وصارت إما أسيرة سياسات التبعية الكاملة لهذه الإمبريالية كما في حالة الاردن ومصر، وإما في حالة اللاقرار في الحالة السورية حتى وقع المحظور واستطاعت الإمبريالية التسلل عبر ذبذبة النظام وقامت بخرقه من الداخل، إن كان ذلك عبر العلاقات غير السوية مع إخوان تركيا التابعين للإمبريالية أو عبر الخليج عموما وقطر والسعودية خصوصاً...
ذلك الخليج الذي مهما فعل، يجب الشك دوما بأفعاله لمدى تبعية حكامه للمحور الأنكلو ساكسوني البارع جدا في الخبث، والمسؤول حتى عن التضحية باتباعه من أجل فرض اسرائيل مركزاً أساسياً في كل الأمور في الشرقين الأدنى والأوسط...
يحق للمقاومات البدء بشكل عفوي كما حصل مع الكثيرين من اتباع حزب الله، ولكن لا يحق لهذه المقاومات عدم وضع برنامج نضالي استراتيجي واضح ليس فقط للتحرير، ولكن للبناء أيضاً...
لقد خرج معظم الكوادر الأساسية لحزب الله من حركة أمل مع ما لهذه الحركة من تاريخ في الصالح، ولكن مع ما فيه أيضاً من شيء من الطالح...
سواء قبلنا، أم لم نقبل، لم تعد حركة أمل هي حركة المحرومين تلك التي أسسها السيد موسى الصدر وكان إلى جانبه رجال في التفاني الإنساني من أمثال المطران غريغوار حداد أو من المفكرين من أمثال غسان تويني...
حمل مؤسسو حزب الله الآتين من رحم حركة أمل الكثير من شعارات هذه الحركة المبدئية، ولكنهم حملوا أيضا على ما يبدو الكثير من نمط فكر البرجوازية الصغيرة التي قد تكون راديكالية في مرحلة ما، لكنها تفقد هذه الراديكالية في منعطفات ومنزلقات دون أن تشعر بفضل حسابات الربح والخسارة الآنية دون النظر إلى المدى الاستراتيجي...
أجل، لو حكم حزب الله بما أتى على ذكره الاستاذ اسماعيل النجار لكان الأمر عظيماً...
لكن الكتاب يقرأ من العنوان...
حزب الله لا يستطيع أن يحكم وفقا لهذه المعايير، ليس فقط لأن الشركاء في الوطن لا يسمحون له بذلك، ولكن لأن تكوين حزب الله الطبقي لا يمكن أن يذهب الى هذا البعد...
حزب الله الذي يضم فيما يضم الكثيرين من طبقة التجار، كبارهم الذين يرتبطون مصلحيا بالنظام المالي المحلي التابع للنظام المالي العالمي، أو صغارهم الذين يطمحون أن يرتقوا في السلم الاجتماعي إلى مرتبة كبار التجار...
هكذا طبقة، وهكذا حزب لا يمكن أن ينتج الا أبا سفيان جديد ومعاوية جديد قد يكون شيعياً، لكنه من نفس مدرسة تجار بني أمية الفكرية...
لهذا نجد حزب الله يهرب من اتخاذ قرارات رجال الدولة ويتحول إلى محسن كبير ينافس إحسان المغتربين في تقديم الدواء أو الغذاء إلى المحتاجين والمساكين...
ليس هكذا تورد الإبل، تعبير يحبه كثيرا الرئيس نبيه بري، ويبدو أن الكثير من قيادات المقاومة يحبونه أيضاً...
لكن أحدا لا يمعن النظر في أن بناء الدولة يحتاج إلى قرار، وليس إلى باخرة مازوت أو قوافل إغاثة...
باخرة المازوت أو كراتين الإغاثة عمل جيد... لكنه عمل غير كاف لبناء دولة...
حزب الله موجود في داخل السلطة... إذا هو جزء من جهاز الحكم...
لذلك، ومعذرة من الاستاذ النجار، حزب الله يحكم، حتى حين لا يجرؤ أن يحكم...
عدم إقامة نظام حكم كما يسرد الكاتب اسماعيل النجار، هو إدانة لكل نظام الحكم القائم في لبنان، ومن ضمن هذا النظام، حزب الله...
القول بغير ذلك هو السير بمقولة الرئيس ميشال عون الذي يردد دائما كلمتي "ما خلونا"، وهذا عذر اقبح من ذنب...
ما ينطبق على التيار العوني، ينطبق أيضاً على حزب الله...
السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح ليس ماذا لو حكم حزب الله؟
بل لماذا لا يريد حزب الله أن يحكم فعلاً؟
الجواب هو ببساطة التركيبة الطبقية ذات الأفكار البرجوازية الصغيرة التي تسيطر حتى اليوم على فكر حزب الله وتجعله حتى اليوم على الأقل، يقف على "الزيح" محتارا بين فكرين وبين نهجين:
بين فكر الجهادية الثورية التي تقاتل وتستشهد...
وبين فكر المساومة التي تبدأ كما هو الوضع اليوم وقد تنتهي إلى الحضيض في مزبلة التاريخ أذا لم يسد فكر الجهاد ليس فقط في التحرير، ولكن في بناء الدولة أيضاً...
حليم خاتون