كتب الأستاذ حليم خاتون: التطبيع شكل من أشكال الخيانة
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: التطبيع شكل من أشكال الخيانة
حليم خاتون
9 أيلول 2023 , 22:10 م

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

عندما يدور الحديث عن التطبيع يلتفت المرء اول ما يلتفت إلى بلدان الخليج أو المملكة المغربية أو مصر أو الاردن أو حديثاً جداً السودان...

كل هذا صحيح...

لكن التطبيع كان يحصل منذ عقود من السنين؛ كل ما في المر أن هذا التطبيع كان يجري بالسر سابقاً؛ أما الآن، فهو لم يعد يدعو إلى الخجل بعد ترويض الشعوب على سماع هذه الكلمة...

التطبيع مع العدو يجري بعد أن تم تطبيع الآذان على سماع كلمة اسرائيل، كأن وجود هذا الكيان أمر طبيعي...

هل يصدق اي كان أن ملك البحرين يجرؤ على أي خطوة دون موافقة أولياء أمره من حكام المملكة السعودية؟

ام هل يتصور البعض أن كل هم الإمارات العربية كان الحصول على طائرات ف ٣٥، وهم لم يحصلوا عليها حتى رغم أنهم أعطوا كل ما عندهم...

أنها العمالة الرخيصة...

فقط هكذا يمكن للمرء أن يفهم موقف مندوبة الامارات في مجلس الأمن التي تنكرت لأصلها الفلسطيني حتى وصفها البعض بمندوبة اسرائيل في مجلس الأمن...

الشرف والكرامة يتم اكتسابها في دورة الحياة وليس في أصل الخائن أو العميل...

هناك بشر يولدون فوق، وهناك آخرون يلبسون الياقات رغم أن مكانهم في الوحول بين حوافر الخنازير...

هل تريد مملكة بني سعود اقناع الناس أن مفاعلا نوويا، وبضعة أنظمة صواريخ تستحق الانحدار إلى التطبيع شبه المجاني الجاري هذه الأيام...

لقد رأينا الرخاء المزعوم يعم مصر والأردن...

ألا يكفي هذا كي يرتدع بعض اقزام هذا الوطن العربي الكبير...

طبعا هناك بعض الفروقات بين صفة الخيانة وصفة التطبيع...

غالباً ما تحمل الخيانة صفة فردية، بينما التطبيع يجري على أيدي أنظمة بأمها وأبيها...

الخيانة تجري مقابل حفنة من النقود، بينما يجري التطبيع من أجل إرساء سلطة، أو كرسي ملك...

في النهاية البدل مادي وينزع عن المرتكب كل صفات الشرف والعزة والكرامة حتى لو حمل ذلك المرتكب صفة بطل الحرب والسلام... في النهاية دخل السادات قفص الذل عبر جائزة نوبل التي يتحكم بتوزيعها المجمع الماسوني الصهيوني العالمي...

الهدف من الخيانة أو التطبيع هو واحد دائما: خرق المجتمع المقابل من الداخل والتأثير على الجبهة الداخلية...

هذا ما حصل مع التطبيع الزراعي بين مصر والكيان الصهيوني الذي لم يقض فقط على الاقتصاد المصري عبر تحويل مصر من بلد مصدر للقطن إلى بلد مستورد له، ومن بلد تلبي زراعة القمح أكثر من ٨٠٪ من حاجته إلى هذه المادة إلى بلد يستورد أكثر من ٨٥٪ من حاجته الى هذا القمح...

بل أكثر من ذلك، باسم التعاون الزراعي قام وزير الزراعة يوسف الوالي بتحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق حضرية للبناء لأن عقل المطبعين قصير النظر ولا يرى أبعد من أنفه...

لكن رغم احتكار الخليج والمغرب ومصر والأردن والسودان للاعلام التطبيعي، إلا أن البلاد العربية الأخرى ليست بعيدة على الإطلاق عن هذه الآفة...

من لا يذكر أحد قادة ما سمي بالمعارضة السورية، كمال اللبواني الذي ذهب بمعية أكثر من شخصية من ائتلاف هذه المعارضة لمحادثات مع الكيان في سبيل إسقاط الدولة السورية...

نعرف مثلاً أن المملكة الأردنية كانت دائما على إتصال مع الصهاينة... منذ الملك حسين وحتى منذ جده الملك عبدالله...

نعرف أن انور السادات كان على علاقة مع الأميركيين ومن خلفهم الصهاينة حتى أثناء حياة جمال عبد الناصر والدليل على ذلك أن السادات اتصل مع الأميركيين فور وفاة عبد الناصر وحتى قبل دفنه طالبا فريقاً طبياً أميركياً لمعرفة سبب وفاة ناصر!!!

السادات طلب ممن حاول أكثر من مرة اغتيال عبد الناصر أن يبين سبب وفاة هذا الأخير!!؟

إذا علمنا أن المعهد البيولوجي للسموم في فلسطين المحتلة كان على علاقة وثيقة بمعهد السموم الأميركي، وإذا قبلنا ما قاله شيمون بيريز قبل وفاته من أن الموساد اغتال ناصر...

يمكن ربط الأمور للوصول إلى أن نظام السادات كان على علاقة ليس فقط مع الأميركيين، بل حتى مع الصهاينة والا ما السبب الذي دعاه إلى طلب فريق طبي أميركي أخذ عينات من جثمان عبد الناصر مع خزعة من الكبد وفق ما أظهرته الوثائق المفرج عنها في أميركا...

بل كيف استطاع الوزير يوسف والي التنسيق الكامل مع الاسرائيليين في ما أطلق عليه اسم برنامج التطوير الزراعي في مصر والذي تبين أن الصهاينة استعملوا بفضله انواع من المبيدات التي ترفع نسب الإصابة بالسرطان، بغطاء من انور السادات وحسني مبارك وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد...

لكن أكثر أنواع التطبيع إيلاماً هو ذلك الذي يحدث على أيدي السلطة في فلسطين المحتلة، حيث تقوم شركات العمالة الفلسطينية بتأمين اليد العاملة لبناء المستوطنات!!...

نفس الأمر يحصل عندنا في لبنان...

من يسمع إيلي خوري أو رامي نعيم أو مارسيل غانم يتحدثون عن وجوب العيش بسلام مع الذئب دون أن يتحرك أي قضاء لالقاء القبض عليهم ومحاكمتهم، يعرف المرء أن التطبيع قد وصل في لبنان الى حدود العهر الفاضح...

إذا كانت الخيانة في لبنان والعالم العربي وجهة نظر، فإن التطبيع تجاوز هذه المرحلة حتى أصبح يدعى اليه بفخر على الشاشات وكأن دعاة التطبيع هم ابطال يتحدون "التخلف الوطني"...

عندما ينطق رئيس جمهورية أتى إلى الحكم بفضل صفقة في الدوحة ويصف شعارات المقاومة باللغة الخشبية، تكون هذه المقاومة استحقت هذا لأنها دخلت في مساومات هناك بدل أن تضرب على الطاولة وتفرض بناء دولة بكل ما في الكلمة من معنى...

لقد عرف التاريخ أشكالا كثيرة من اختراق حدود الطرف المقابل...

هناك حصان طروادة...

هناك الطابور الخامس...

هناك سياسة فرق تسد...

لكن احدث ما توصل إليه العقل الإمبريالي، هو اختراق الجبهة الداخلية عبر خيانات مباشرة وعبر تطبيع يبدو أنه أخذ يفعل فعله...

حتى متى يمكن أن تسمح المقاومة لهذا النوع من الخيانة بالتسلل إلى داخل مجتمعاتنا، لا احد يعلم... لكن الأثمان تستحق أن تضرب هذه المقاومة منذ الغد على الطاولة وتفرض قيام دولة وطنية قوية وعادلة...

العلم عند الله، لكنه موصول بالإرادة...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري