كتب الأستاذ حليم خاتون: مستقبل الكيان اللبناني على كف عفريت
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: مستقبل الكيان اللبناني على كف عفريت
حليم خاتون
10 أيلول 2023 , 05:46 ص


كتب الأستاذ حليم خاتون: 

لن يبتلع البحر ارض لبنان، سواء كانت ١٠٤٥٢ كلم٢، كما يفترض الحال، أو أقل من هذا كما هو الوضع اليوم...

لن تختفي تلك البقعة من ارض هذا الكوكب فجأة إلا في حال كارثة طبيعية سوف تطيح بكامل هذا الكوكب...

قد يحمل أهل هذه الأرض، أو من يبقى منهم على قيد الحياة بعد المصائب التي سوف تتوالى...

قد يحمل هؤلاء هويات أخرى كما جرى يوم تم ضم الأقضية الأربعة وبيروت الى لبنان بعد سلخ هذه المناطق عن الدولة السورية...

رغم الاعتراض الكبير يومها عاد الناس وتخلوا عن الهوية السورية وحملوا بدلاً عنها هوية "لبنان الكبير" الذي يستطيع الاحتفال بخجل كبير على مرور ١٠٣ أعوام على تأسيسه بأمر من جنرال الاحتلال الفرنسي لكامل سوريا الطبيعية، غورو...

هل لبنان مهدد؟

وحده الأعمى هو من لا يرى المدى المزري الذي وصلت إليه الأمور في هذا البلد المنكوب...

لبنان بلد مريض جداً...

في حالة المرض المميت الذي يصيب هذا "الوطن" المنكوب يتوجب على أولياء الأمر إدخال المريض الى غرفة العناية الفائقة فوراً...

لكن أهل المريض لا يزالون يجادلون في أصل البيضة والدجاجة...

من أتى إلى الحياة اولا، البيضة ام الدجاجة؟

هذا هو حال الأحزاب الطائفية التي تسود على المشهد اللبناني...

كيفما أدار المرء رأسه، لا يرى إلا مجموعات من الأحزاب الطائفية المذهبية التي تلعن الإنسان باسم الدين... والأديان منها براء...

لا شأن للأديان السماوية بالمرض الذي حل على هذه الأرض والذي يتمدد في كل المنطقة بفضل جنرالات فرنسا العلمانيين في القرن الماضي، وبفضل جنرالات أميركا الذين أحرقوا كل حقول القمح وأشجار الثمر في شمال سوريا، بعد أن استطاع رجب أردوغان حبس مياه دجلة والفرات عن سوريا والعراق معا باسم الهولوكوست البيئي العثماني الجديد...

بعد مجازر الأرمن، انتقل العثمانيون الجدد إلى المرحلة الثانية القائمة على العنصرين الكردي والعربي مع فارق بسيط؛

الأكراد محميون هذه الأيام من قبل أميركا وإسرائيل، بينما العنصر العربي يتخبط بين التخلف الوهابي الداعشي وبين طموحات محمد بن سلمان التي لا تتجاوز كرسي الحكم على شبه الجزيرة العربية...

مرض لبنان، يختزل بكلمة واحدة... "بعيد من هون وكش"...

لبنان مصاب بورم سرطاني مميت اسمه الطائفية...

هو ليس ورما جديداً...

تمت معالجته كيميائياً أكثر من مرة في السابق...

من ١٨٤٠ إلى ١٨٦٠ إلى ١٩٤٣ إلى ١٩٥٨ إلى ١٩٧٥ إلى ١٩٨٩، إلى اليوم... مرورا بخضات أقل علنية ولكن أكثر فتكا بالإنسان في لبنان...

كل هذا العلاج لم ينجح في منع الموت من الاقتراب أكثر من هذا المريض...

زيادة على السم الطائفي المذهبي، يضاف العلاج الكيماوي الذي لا يُبقي شعرة على رأس المريض...

لقد اهترأت أعضاء جسد هذا الوطن ولم يختف ورم السرطان الطائفي...

كل ما يحتاجه لبنان، هو اقتناع الجميع، وموافقة الجميع على اجتثاث هذا الورم السرطاني قبل أن يتمادى في الانتشار...

حتى المقاومة التي حررت الأرض، لم تفلت من هذا المرض...

أوغلت المقاومة الفلسطينية العرفاتية في التسنن حتى وصلت إلى أوسلو على يد أبو عمار مدفوعاً من الخلف من قبل "قرطة" حسب الله وعلى رأسها ابو مازن ما غيره...

محمود عباس، صاحب نظرية المقاومة المدنية الذي لم يعرف كيف يذهب إلى الأمم المتحدة ويعلن اعتصاما أو إضرابا عن الطعام حتى ارسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني من الهولوكوست الصهيوني المعاصر... لا يزال رابضا على صدر الشعب الفلسطيني يمنع عنه الأنفاس...

أما أفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، فحسبنا الله ونعم الوكيل...

بعد معارك خلدة في التصدي البطولي لاجتياح ١٩٨٢، وبعد سقوط الشهداء العظام من أمثال محمد سعد ورفاقه، تقوقعت حركة أمل التي كانت تشمل كل المحرومين أيام السيد موسى الصدر لتصبح مجموعة طائفيين مذهبيين لا يعرفون من الدين إلا ما قل وضر...

قد يكون الرئيس بري مدنيا في العقيدة، لكن الأكيد أن أغلبية جماعة حركة أمل ينتمون إلى العصر الجاهلي في العصبية المذهبية...

لكن بعض المجاهدين في حركة أمل لم يصلهم اليأس...

خرجوا أفرادا وجماعات وحملوا أسماء مختلفة من مثل أمل الإسلامية إلى أن توحد الجميع مع من أتى من المقاومة الفلسطينية أيضاً وتم الإعلان عن المقاومة الإسلامية التي سرعان ما انتظمت في حزب هو "حزب الله" الذي حقق انتصارات عظيمة في تحرير معظم ارض لبنان دون قيد أو شرط قبل أن...

قبل أن... واعوذ بالله من كل شر طائفي ومذهبي...

قبل أن يقع هذا الحزب على وجهه طب في الطائفية والمذهبية واللعينة...

الكل يعرف أن جماعة الحزب يعشقون أهل بين النبي...

عشق هؤلاء ينتشر حتى بين المسيحيين في لبنان وقد قيل في الامام علي عند المسيحيين ما لم يقله حتى غلاة التشيع...

تكفي هنا مؤلفات جورج جرداق التي أنصفت عليا بعد ظلم ذوي القربى من أهل السُنة في لبنان وفلسطين وسوريا والخليج طبعا؛ ناهيك عن شمال افريقيا الذي يقدس الأسرة العلوية في المغرب ثم يرسل إلى سوريا جحافل هولاكو لحز رقاب العلويين ومعهم المسيحيين أيضاً...

كل هذا باسم الدين الذي أوصى نبيه الإتباع أن يلجأوا إلى أرض المسيحيين في الحبشة حيث هناك ملك لا يُظلم عنده عابد لله...

المهم...

انتصر حزب الله ولا يزال ينتصر...

لكن حزب الله صار مثل رفيقي ايام الحرب الأهلية ظافر...

ظافر كان الاسم الحركي للرفيق نادر الذي أتى إلى بيروت من الجبل وخسر إحدى عينيه أثناء النضال مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين...

كان ظافر يمازحنا، حيث لم يستطع إخفاء أصله الدرزي بفضل "القاف" قائلاً:

"باب الدعوة عندنا أُقفل، سوف تنتظرون كثيرا قبل السماح لكم بالانضمام الينا نحن النخبة..."

يبدو أن حزب الله على عكس الرفيق ظافر لم يقفل باب الدعوة ، ولكنه اختصر حب آل بيت النبي على الصالح والطالح من اتباع هذا البيت...

لقد كفر الشمر لعنه الله يوم تخلى عن اتباع خط الامام علي وذهب إلى صفوف يزيد لعنة الله عليه...

لكن إذا كان الشمر ملعونا في الدنيا والآخرة، فماذا عن أبي موسى الأشعري؟

الم يتخل هذا الصحابي عن الإمام وإن عن سذاجة تصل إلى حد الهبل؟

تديُن حزب الله بات يقترب كل يوم أكثر إلى الانغلاق المذهبي...

يقول بعض الإخوة في حزب الله إن الذنب ليس ذنبهم إن المقاومة الفعلية ضد العدو الصهيوني ظلت إسلامية الطابع، شيعية العقيدة...

يقولون إن حزب الله لم يمنع، ولا يمنع الآخرين من الانصمام إلى عمل المقاومة...

ربما يكون هذا صحيحاً...

فمن منع أهل منطقة العرقوب السُنة في أغلبهم من التميز في المقاومة، ومنطقة العرقوب هي من أكثر المناطق تضررا من الاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان؟

بل من منع القرى المسيحية في الشريط الحدودي من المقاومة وجعل معظمها خاتما بيد سعد حداد اولا، قبل أن ينتقل الولاء إلى انطوان لحد وعملائه...

يزيد الإخوة في حزب الله قائلين إن سبب عفوهم عن العملاء في حالات كثيرة كانت تنتج حصرا لأن معظم هؤلاء العملاء كانوا من المسيحيين ولو أراد حزب الله قتل الحصروني لكان فعل ذلك بعيد التحرير مباشرة، مع الحصروني وغير الحصروني...

هناك بعض المنطق في منطق حزب الله...

لكن الحزب مُطالب باكثر من ذلك...

حزب الله يحمل واجب صهر الوطن في بوتقة واحدة...

كما وحد بيسمارك المانيا الحديثة بفضل قوة الدولة البروسية، على حزب الله توحيد كل اللبنانيين في المقاومة...

كيف يمكن لحزب الله مواجهة عملاء المذاهب الأخرى وهو ينطلق من موقع مذهبي...؟

كيف يمكن للمقاومة أن تفقأ عين العميل رامي نعيم أو تقطع لسان العميل إيلي خوري بالمعنى المجازي للكلمة إذا هي لم تنطلق من أسس وطنية مدنية بعيدة كل البعد عن الطائفة والمذهب؟

لبنان يحتضر لأن كل القوى فيه تنطلق من حدود التقوقع المذهبي...

صحيح أن مقارنة شهيد الكحالة احمد قصاص، برامي نعيم أو إيلي خوري أو حتى إيلي محفوض فيه كثير من الظلم بحق هذا الشهيد...

صحيح أن الأغلبية العظمى من شباب حزب الله يتميزون عن معظم الأحزاب الأخرى بخلق عظيم...

لكن وجود الحزب إلى جانب حركة أمل في خندق شيعي فيه من الضرر على مفهوم المقاومة وحتى على مفهوم المذهب الشيعي المنفتح أكثر بكثير مما يتصور الكثيرون في حزب الله...

أين الحزب من تعاليم السيد محمد حسين فضل الله المنفتحة على الإنسان لمجرد كونه انسانا؟

من المؤسف أن كل الأحزاب العلمانية في لبنان إما عاجزة كما الحزب القومي السوري الاجتماعي، وإما ضائعة، مصابة بالزهايمر، كما الحزب الشيوعي اللبناني، وإما علمانية غير وطنية كما بعض التغييريين والاحزاب الهامشية اليمينية وبقايا منظمة العمل الشيوعي...

باختصار إذا لم تصل كل تلك الأحزاب...

إذا لم يصل كل اللبنانيين الى خلع الطائفية وإحراق كل آثارها، لن يخرج لبنان معافى لا غداً، ولا بعد غد...

تم تشخيص المرض ولكن أهل المريض غارقون في جدل بيزنطي...

الكل لا يرى أن المسافة إلى القبر تقترب كل يوم أكثر...

حليم خاتون

المصدر: موفع إضاءات الإخباري