كتب الدكتور علي حجازي:
ثقافة
كتب الدكتور علي حجازي: "إعلام آخر زمن" !.. قصّة قصيرة جدّاً.
10 أيلول 2023 , 22:37 م


قصّة قصيرة جدّاً.

أمامَ تلك المِنصّةِ الكبيرةِ احتشدَ العديدُ من عدسات المصوّرين الإعلاميّين ، مع آلات تسجّيل معدّة لنقل وقائع ذلك المؤتمر الصحافي الذي دعا إليه الوزيرُ السابق.

كرش الوزيرِ مندلقٌ أمامَهُ ، يهتزُّ اهتزازاتٍ مُخيفة. عيناه الذئبيّتان ترقُبان ِ باهتمام ٍكبيرٍ النشاطَ المنقطعَ النظير للإعلاميّين، وتدوران ِفي وَجْهٍ ثعلبيّ ، فتُخفِيان ِ خلفهما ما تخفيان.

تنحنحَ ثًمَّ استوى قليلاً ،مجّ من عبُوّةِ ماءٍ حملها مرافقُه معه خشيةَ أن يدبّرَ أحدُهم لهُ سوءاً، فالاحتياطُ واجب، وشرع يُعَدِّدُ أنواعَ السوسِ اللعينِ الذي نَخَرَ ، ولا يزالُ يعملُ نهشًا في جسدِ الخزينةِ التي أضحتْ خاويةً تشكو هُزالاً شديداً أصابَها ، ولم يَفُتْهُ ذِكْرُ الفاسدينَ الذين استباحوا حُرْمَتَها حراماً، ولمّا توقّفَ قليلاً لِيمسحَ العرَقَ الذي زخّهُ في عِزِّ البردِ، قال:

- هل مِنْ أسئلةٍ لدى الأحبّةِ أو اِستفسارات؟ أنا في خدمتِكُم،ومصمص شفَتَيْهِ بلسان ٍ طويل ٍ قد يتجاوزُ أرنبةَ أنفِه، أينَ مِنْهُ لسانُ الضِّفدع ِالذي يطولُ الناموسَ والهوامَّ والحشراتِ الأُخرى من بعدُ؟

أغمضَ ذلك الصَّحافيُّ الذي "شرِبَ من حليبِ أمّه،أغمض" عينَيْهِ، وطَفِقَ يستعيدُ شكلَ جسدِ هذا الشخصِ المُخيفِ، من هُزالٍ أصابَهُ قبْلَ تسلُّمِهِ المنصب،ثمّ أخذ يصبُّ نظراتِ العَتَبِ على وُجوهِ زملائِهِ الصامِتينَ صَمْتَ الجبال، وتوجّه إليه يسأله:

- معاليك، لِمَ لَمْ تُفِضْ علينا بهذِهِ الدُّرَرِ النفيسةِ قبلَ مُغادرَتِكَ ذلك الكرسيّّ المعلف. عفواً، الموقع الكبير؟

زمَّ الوزيرُ بُوزَهُ ، وقطّبَ جبينَهُ،وعقدمابين حاجِبَيْهِ ، وشرع يرْشُقُ مساعِدهِ بنظراتٍ حادّة مستفسراً . فنفض المساعد قميصه عمرّات ، وهذه الحركة تعني أنّ هذا الصحافي ابن حلال .

عندذاك فتنحنح الوزير وقال:

-علّمني أبي أن لا أفتح فمي عندما يكون محشوّاً طعاماً.

- أحلالاً ما كنت تخضمه تارةً ، وتجترّه أخرى على مهل أم حراماً، أخبرنا؟

أشاح المتكرّشُ المِذياعَ بيده، وغادرَ القاعةَ على عجلٍ تاركاً وراءه أسئلةً عديدةً تنسرِبُ إلى أذُنَيْهِ ، وترتدُّ حسيرةً من دونِ إجابات.

استدارَ الإعلاميُّ ومضى ، تاركاً في القاعةِ فراغاً كبيراً،

وَسَطَ صَمْتِ أولئكَ الإعلاميينَ الكُثُرِ الذين نالوا من حليبِ تلك البقرةِ التي احتلَبَها المُتَكرِّشُ طويلاً، ماسدَّ على أفواهِهِم الأسئلةَ العديدة وأخذَ يُرَدِّد:

- إعلامُ آخرِ زَمَنْ ! آخرِ زمن !

المصدر: موقع إضاءات الإخباري