كَتَبَ د.إسماعيل النجار:
إنَّ من أهَمِّ أسباب التشتت العربي، والإسلامي، كان وما زال، تواطُؤُ بني سعود مع أمريكا وإسرائيل، وتسبب هذا التّواطُؤِ بهزيمةِ العام ١٩٦٧، التي أدَّت إلى خسارةِ خمسِ دوَلٍ عربيةٍ لأراضيها وكسرِ هيبَةِ العرب.
فلسطينُ بأكملِها أصبحت تحت سيطرةِ الصهاينة؛
أيضاً شبهُ جزيرةِ سيناءَ في مصر، والجولانُ السوريُّ، ووادي عربةَ الأردنيّ، والقرى السبعِ اللبنانيةً وتلال كفرشوبا،كُلُّها صارت في قبضةالجيش الصهيونيّ ووُجِّهَت أصابعُ الِاتّهامِ بالهزيمةِ، للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وبدأَ قادةُ مِصرَ يتقاذفون التُّهَمَ فيمابينهم،حتى وصَل الأمرُ إلى شتمِ ناصر والناصريةِ علناً، وضياعِ كتلةِ القوىَ الحزبيةِ القوميةِ العربية المناضلةِ فكرياً وسياسياً،
بعد شتْمِ جمال عبد الناصرِ واتِّهامِهِ بالتَّسّبُّب بالهزيمة، تشتَّتَتِ العقولُ الثوريةُ العربية.
وبعد وفاتهِ تبدلتِ الأمورُ كثيراً وتفرقوا، فمنهم مَنِ اعتنقَ الفكرَ الدينيَّ المناهضَ للفكرِ القومي الوحدوي، ومنهم مَن نام وغفا بأحضانِ الماركسية اللينينية، ومنهم من قفزَ الى حضنِ أمريكا وإسرائيل كأنور السادات، ومنهم مَن أصابه الإحباطُ فاستقالَ منَ العملِ الثوري التحرُّرِيِّ وترَكَ الأمورَ للزمان.
الذي حصلَ عام ٦٧، داخلَ مصر تحديداً، كانَ زلزالاً أعطىَ للإخوانِ المسلمينَ فُرصةً ذهبيّةً للعودةِ إلى البلاد،وإعادة بناءِ أنفسِهِم، بعدما اِطمَأنُّوا من إبعادِ الناصريينَ عن مواقعِ القرارِ ومفاصل الحكم، على يدِ أنورِ الساداتِ الذي أوعزتْ لهُ أمريكا، بضرورةِ ترْكِهم وعدمِ التَّعَرُّضِ لهم.
مصرُ أمُّ الدُّنيا باتَتْ مُكبلةً بِاتِّفاقيةِ كامب ديڨيد، والأردنُّ مُكَبَّلٌ بِاتفاقيةِ وادي عربَة، ودوَلُ الخليج ِ اختارتِ العيشَ تحتَ الحمايةِ الأمريكية، وكانتِ السعوديَّةُ المُمَوِّلَ الأوّّلَ للحربِ على مصر والدُوَلِ العربيةِ الأُخرىَ، نتيجةَ تصفيةِ حساباتٍ في اليمن،
ولم يَبْقَ إلا سوريةُ وحيدةً في المنطقةِ تقفُ إلى جانبِ القضيةِ الفلسطينية، وتُؤَيِّدُ الإتحادَ السوڨياتيّ، وتقفُ في مواجهةِ الزَّحْفِ الأمريكي نحو مناطق ِ نفوذِ السُّوفيات، في الوقت ذاتِهِ كان أحمد حسن البكر، وخلفَهُ صدام حسين يناوران بالظاهرِ، ويرتمونَ بأحضان الإتحاد السوڨياتي"شكلياً"، بينما في كانا في الواقع ينامانِ على الزّنْدِ الأمريكي"عملياً" وينسقان مع الأمريكيِّ، سرّاً وعلانية.
أمّا الثوارُ العربُ الذينَ عشقوا سايمون بوليڨار، وتشي غيفارا، وفيديل كاسترو، وجمال عبدالناصر، واعتبروهم أيقوناتٍ لِمقاومةِ الإمبريالية وحركاتِ التحرُّرِ العالمية، بعد هزيمةِ أل ٦٧، هؤلاءِ الثُّوّّارُ كفروا بالعربِ والعروبةِ،واعتبروا
العربَ أعداءَ البروليتاريا، فأصبحوا هائمينَ يبحثونَ عن حاضنٍ ثوريٍّ يحضنُهم ويُعيدُلهم ثِقَتَهُم بأنفسهم ولا يُفَرِّط بعنفوانهم.
هُنا، اِرتاحَتْ كُلٌّ من أمريكا وإسرائيل،لأنَّ الصوتَ الحُرَّ العربيَّ المتصدّي الوحيد لهما، تكسَرعلى وَقْعِ هزيمة العام١٩٦٧والِاتهامات، وصار له أصداءٌ مختلفة، منها الماركسيةُ و الإخونجية، ومنها القومية، وآخرُها الثورةُ الإسلاميةُ الإيرانية، فاختلفتِ الأيديولوجيات، وتناقضتِ التَّوَجُّهات، وأصبحَ طريقُ فلسطينَ محلَّ خِلاف، رغم بقاءِ فلسطينَ قضيةً مركزية.
هذا الحال، مَكَّنَ أمريكا من التحكُّمِ بمجاديفِ السفينةِ التي أبحرَتْ بها نحو التطبيع لِلِتَصْييع ِالقضيةِ الفلسطينية
أمّا فصائلُ المقاومةِ التي لمعَ نَجمُها، فمنها مَن غيَّرَ مسارَ بوصلته عن فلسطين ومنها مَن تدجَّنَ َوأُدْخِلَ حظيرةَ أوسلو، ومنها مَن يسعَى خلفَ السُّلْطةِ، ولا يزالُ يتأرجحُ بين ساحات المقاومةِ والطُّموح إلى الِامتيازاتِ الأميركية.
وأمّا إيرانُ والعراقُ واليمنُ وسوريةُ وحزبُ اللهِ وحركةُ الجهادِالإسلاميّ،فَهُمُ القِلَّةُ القليلةُ من الأُمَّةِ الإسلاميةِ التي لا تزالُ تُنادي بتحريرِ فلسطينَ، مِنَ البحرِ إلى النهر، وتتصدَّى لمؤامراتِ الولاياتِ المتحدةِالأمريكية
لتضييعِ القضيّة.
لذلك، ما علينا إلَّا أنْ نقولَ: الموتُ لِلْعُمَلاء.
بيروت في...
11/9/2023