منذُ أنْ شَعَرَ كميل شمعون وبيار الجمَيِّل بأنَّ التغييرَ الديمغرافيَّ اللبنانيَّ لايسيرُ لصالح ِ المسيحيينَ، في خمسينياتِ القرن ِالماضي، جاءَتْ أحداثُ عام ١٩٥٨ لتؤكد ظنونهما، بأنَّ البلادَ ذاهبةٌ نحو ما لا تشتهيه نفساهُما،ومن هنا كانت بدايات تفكيرهما في التأسيسِ لِكِيان ٍمسيحيٍّ مُنفَصِل، وكانتِ الخطواتُ الأولى فيهِ قد بدأت، بالتمهيدِ لهُ، من خلالِ تسهيلِ الدُّخولِ الفلسطينيِّ المُسلَّحِ إلى لبنان، وتشريع ِ العمل ِ الفدائيِّ المُنَظَّمِ فيهِ ضِدَّ إسرائيل، بموجبِ اتِّفاق ِ القاهرةِ، الذي تمَّ التوقيعُ عليهِ، في 3 نوفمبر 1969.
كانَ ذلك جزءاً من الخطَّةِ الجَهَنَّمِيَّةِ التي سَتُبَرِّرُ لهما إنقسامهما، وتأسيسَ لبنانِهما الذي يُخَطِّطان ِله، حينَها قامَ الرئيسُ اللُّبنانِيُّ شارل حلو، بإرسالِ وفدٍ عسكريٍّ ومدنيّ، برئاسةِ قائدِ الجيشِ إميل البستاني إلى القاهرةِ، لِلتَّحادُثِ والتفاوضِ مع ياسر عرفات، تحت إشرافِ وزيرِ الدفاعِ المصريِّ محمد فوزي، ووزيرِ الخارجيةِ محمود رياض.
الإتفاقُ الأسوَدُ ذاك، هوَ الذي جلبَ الكارثةَ إلى لبنانَ، والَّتي حَلَّتْ عليهِ كاللَّعْنَة، في 13 نيسان 1975، موعد اِنطِلاق ِشرارةِ الحربِ الأهليةِ اللبنانية،
ومنذُ ذٰلك الحين والمشروع الِانعزاليُّ قائمٌ على قَدَمٍ وساق؛ وعندما شكَّلَ الضغطُ العسكريُّ الفلسطينيُّ خطراً كبيراً، ليسَ على المشروع ِ التقسيميِّ فقط، إنَّما على الوجودِ المسيحي برُمَّته في لبنان، استنجَدَ قادةُ الجبهةِ اللبنانيةِ آنذاك، وعبر الجامعةِ العربيةِ بسورية، حيث أرسلَ الرئيسُ حافظُ الأسدِ 50 ألفَ جُندِيٍّ إلى لبنانَ واصطدمَ مع الفلسطينيينَ والحركةِ الوطنيةًِِ اللبنانية، من أجل منع تهجير المسيحيين والحفاظ على التركيبة الفسيفسائيّة اللُّبنانية، بعد نجاح الجيش العربي السوري في منع ياسر عرفات من تحقيق ِ مشروعه، حيثُ قال: إنّ طريقَ القُدسِ يمرُّ من جونية، و وبعدما اطمأنّ الِنعِزاليون بأنَّ خطرَ التّرحيلِ قد زالَ انقلبوا على سورية، وشنُّوا حرباً على قُوّاتِها في المناطق الشّرقيّة لِبيروت،وأخرجوها من مناطق نُفُوذهم، بعدَ حربٍ طاحنةٍ استمرّت لأكثرَ من عام.
ثمّ عاد مشروع التّقسيم ليأخُذَ مكانَهُ، في مقدّمة المشاريعِ الِانعِزالية، فاستعانوا بإسرائيلَ التي احتلّت أكثر من ثلث لبنان، وتحت مِظلّتِها كان المشروعُ التّقسيميُّ يسير ُ على قَدَمٍ وساق، من خلال دخول ميليشيا القوّات إلى منطقة الجبلّ تحتّ الجناح الصِّهيونيّ، بتاريخ 12تموز 1982، والتّخطيطِ لِتهجيرِ الدّروز إلى جبلِ العربِ في السُّوَيداء، حينها فكّر الِانعِزاليونَ، بأن يطلبوا من شارون تجريد الدروز من سِلاحِهم، فاجتمع بشير الجمَيِّل بِاللواء أمير دروري، وطلب منهُ تنفيذَ الأمر، وكُلِّفَ فادي افرام وأنطوان بْرَيْدِي بدرس تفاصيلِ العملية، والتّنسيق مع الجنرال "كلهاني"والجنرال "داغان"من أجلِ التّنفيذ.
(عن كتاب آلان ميناغ: أسرار حرب ،،، وكتاب هزيمة المنتصرين للمناضل غالب بو مصلح،،،،).
فشِلَ مشروعُ بشير بتجريدِ الدروزِ مِنْ سِلاحِهِم، كما فشلَ في تهجيرهم، وانهزمَ المشروعُ التقسيميُّ الِانعزاليُّ في الجبل، حيثُ كان المخطَّطُ يَقْضِي بأنْ يكونَ لبنانُهمْ من جبل نيحا الشوف جنوباً، إلى منطقةِ القلمون شمالاً،ومن الساحلِ بلوغاً إلى القُرنَةِ السوداء.
اليومَ، في العام 2023، مُجدداً تنبري أصواتٌ شاذَة تقوم بِعَزْفِ السيمفونية القديمة نفسِها في ظِلِّ فراغٍ رئاسيٍّ وصراعِ نفوذٍ وابتزاز.
◦ الدور المسيحي آخذ بِسَوْقِ لبنانَ إلى 13 نيسان 1975، ويشعرُ اللبنانيون بتناغُمٍ بينَ الأفرِقاءِ المسيحيينَ وبِتقاسُمِ أدوارٍ، يُلاحظُ من خِلالِ التصريحاتِ التي يُطْلِقُونَها حول: لكم لبنانكم ولنا لبناننا!! حتى وصلَ الأمرُ بِالبعضِ إلى أن يقولَ: إنَّنا لن نتمكن مِنَ الِاستمرارِ في العيشِ معكم؛ وبوقاحة، وكأنَّنا مستوردون منَ الخارج.
جبران باسيل تولَّى، من جانِبِهِ دَوْرَ المُفاوِضِ المُقايِضِ معَ حِزْبِ الله، ويُسَمِّى ما يُتَفَقُ عليهِ: سَلَّةً متكاملةً للبنان!
هل يستطيعُ جبران باسيل إقناعَنا بِأنَّهُ يستطيعُ، بِمُفرَدِهِ، التحدُّثَ نيابةً عنِ المسيحيين؟
أَم إنَّهُ يُريدُ ابتزازَ الثُّنائيِّ الشيعيِّ بلامركزيةٍ إداريةٍ وماليةٍ مُوَسَّعَة، مقابلَ ٦ سنواتٍ لِسُلَيْمان فرنجية، الذي سيكونُ خلالَ فترةِ حُكمِهِ أمريكياً سعودياً بالكامل، وسورياً بشكلٍ جُزئيٍّ، وصفراً إيرانياً، لكنَّهُ لن يطعنَ بالمقاومةَ.
مطلقُ رئيسٍ يُمكُنُ أنْ يصلَ إلى قصرِ بعبدا، حتَّى ولو كان على شاكِلَةِ ميشال سليمان، لن يستطيعَ إزالةَ الغُبارِ عن حِذاءِ مقاوم، فما النفعُ مِنْ دَفْع ِ ثَمَن ٍلباسيل
يُحَقِّقُ لِلِانعزاليينَ هدفاً مستقبلياً هو التقسيم؟!
لا تُعطوا الِانعزاليين ميزاتٍ تُمَكِّنُهُم مِنْ جَعْل ِ لُبنانَ كردستانَ ثانيةً، وليأتِ مَن يأتي إلى بعبدا، وفرنجية ليسَ المُخَلِّصُ ولاالخلاص
بيروت في...
14/9/2023