كتب الأستاذ سامح عسكر: ‏الذين يُحرّمون الاحتفال بالمولد النبوي نوعان..
مقالات
كتب الأستاذ سامح عسكر: ‏الذين يُحرّمون الاحتفال بالمولد النبوي نوعان..
سامح عسكر
23 أيلول 2023 , 19:13 م

كتب الأستاذ سامح عسكر:

‏الذين يُحرّمون الاحتفال بالمولد النبوي نوعان..

الأول: التيار السلفي الوهابي لتعلق هذا الاحتفال بخصومهم التاريخيين من الصوفية والشيعة، فاللأمر بُعد سياسي وأيديولوجي موروث من عصر ابن تيمية الحراني وجدده الشيخ محمد بن عبدالوهاب..

الثاني: جماعات الإسلام السياسي لكون هذا الاحتفال يقرب الصلة بين المسلم ورسوله دون واسطة، فمعنى احتفال المسلم بمولد النبي يعني لا واسطة أو زعامة دينية وسياسية تشرح هذه المناسبة وتحتكر طريقة ذلك الاحتفال، فيعيش المسلم مع المولد بجوارحه وشعوره تلقائيا دون الحاجة لرجل دين....

اعلم ان المصلحة الشخصية والحزبية هي التي دفعت السلفيين والإخوان والجماعات لتحريم الاحتفال بالمولد النبوي..

فالأمر بعيد تماما عن كونه بدعة لم تحدث في زمن الرسول، لأنهم يفعلون بدعا كثيرة تضمن لهم السيطرة على الناس واحتكار الدين لزعمائهم..

عاوز نموذج ؟

مسابقات تحفيظ القرآن والأحاديث..

هذه لم يفعلها الرسول وصحابته وآل بيته، حتى التابعين وتابعيهم لم يفعلوها، لكن مركزية تلك المسابقات عند السلفية والإخوان في كونها تعزز من وساطة أئمتهم وشيوخهم بين المسلم وربه،

فلا يعرف المسلم حفظ القرآن إلا عن طريقهم ولا يعرف الله سوى في مناسباتهم ومجالسهم، والنتيجة هي علوّ سهم تلك الجماعات والتيارات سياسيا واجتماعيا..

أما المولد فيقضي على ذلك النفوذ ويجعل المسلم مقتنعا بأن معرفة دينه ورسوله سهلة وميسورة يكفيها الحب ونشر المودة والرحمة في هذا اليوم الجميل..

الاحتفال بالمولد النبوي وإشاعته وتعلق المسلمين به يعني أن الدين ليس شفرات وألغاز ومتاهات يحرص على نشرها رجل الدين أملا بتعلق الجماهير برأيه، وإجبارهم على العودة إليه في كل سؤال ومشكلة..

وقد يسأل سائل‏؛ كيف أن الاحتفال بالمولد النبوي ينشر المحبة والاعتدال، لذلك يكرهه المتطرفون ويُحرّم المولد النبوي المتشددون؟

قلت: أحد الأشياء المفقودة عند المسلمين هو (حب جوهر النبي) لأن السلفية مؤخرا نشرت أمرا آخر وهو (حب شكل النبي وغزواته) فانتشر نوعا من التدين يتسم بالعنف والظاهرية الحرفية والتنطع الشكلي والنفاق بالمظاهر..وهذا التدين هو الذي صنع الجماعات ونشر الإرهاب والذبح والقتل والتكفير على أتفه المسائل والأسباب..

حب جوهر النبي هو الذي تأتي به الموالد

كيف؟

الاحتفال بالمولد ليس مجرد مناسبة سنوية يستشعر بها المسلم حضرة الرسول، بل هو فرصة للقاء روحي بين المسلم والنبي (دون وسيط) لأن حضرة الرسول قد تكون شكلية ظاهرية مادية، فيهتم المسلم بالفروق الصغيرة بينه وبين الآخرين ويبالغ فيها، هذا وضوءه باطلا، وهذا صلاته باطلة، وهذا زكاته باطلة، وهذا كافر وهذا مؤمن وهذا مبتدع، رغم أن كل هذه الأحكام مجرد خلافات فقهية وسياسية..لكن مبالغة المسلم في تصور النبي (شكليا) هي التي دفعته لتصنيف الناس بهذا الشكل، والمسارعة في تكفيرهم وقهرهم لمجرد الاعتراض..

فالناس مختلفة جدا في المظاهر ومتنوعة للغاية في الشكل، وكلما اختلف الناس في هذه الأمور كلما سنحت الفرصة للمسلم بتكفير الآخر والمصادرة على رأيه ومذهبه..

المولد النبوي يُخفي هذه الفوارق لصالح أمر واحد وهو (جوهر النبي وأخلاقه)

يصبح المسلم مهتما بكل الفقه والمذاهب ولا يتشدد في الخلافات لأن الكل لديه مشمول في الرحمة النبوية والحضرة الرسولية، والإنسان لا يحتفل بإنسان شرير متشدد بل لديه صورة أقرب للملائكية والصوابية عن هذه الشخصية التي يُحبها، والرسول بالطبع ليس ملاكا لكن أخلاقه وصوابيته مشهودة والقرآن يشهد له بُحسن سيرته وسُمعته في عشرات الآيات،

عندما يُنشد المطربون والمُنشدون في حب النبي يصبح المسلم أقل صرامة وتشددا، فالحب عندما يسبق الكراهية، والعشق عندما يسبق الحقد، والمدح عندما يسبق الذم.. يتطور الإنسان ذهنيا ومعرفيا وسلوكيا، وتصبح تصرفاته أكثر حكمة ونُضجا..

بينما السلفيون والإخوان والجماعات ليسوا هكذا، لأن كراهيتهم للآخر سبقت حُبهم، وحقدهم على المخالفين سبق عشقهم، وذمهم لمن يعارضهم سبق مدحهم، ومراقبتهم الدائمة للناس أدت لصناعة شخصية مترصدة لئيمة تترقب هفوات وأخطاء الناس لمعاقبتهم وتفريغ شحنات الغضب والكُره بداخلهم..فمن الطبيعي أن لا يتعلقوا بالمولد النبوي لأن أساس عقد هذا الاحتفال السنوي هو (الحب والمدح)

سيقول قائل ولكن سيرة النبي التي يحكيها السلفيون والإخوان في التراث هي نفسها التي يؤمن بها المحتفلون بالموالد، وبالتالي صورة النبي واحدة عند الاثنين:

قلت: هناك من يحب الرسول بشكل نظري وهناك من يُحبه بشكل عملي..

التيار السلفي والجماعات يحب الرسول نظريا لكنه عمليا متعلق بأئمته ورموزه في المذاهب ، فعندما يجتمع شيوخ السلفية والجماعات فعلى حب ابن تيمية وابن عبدالوهاب وسيد قطب وحسن البنا بشكل عملي أولي باعتبار أن هؤلاء هم رموز الدين الذين عرّفوه بالرسول والإسلام، وبالتالي فحب الرسول لديهم يكمن في مكان مجهول في النفس بعيد لا يتعلقون به عمليا.

حتى لو جاءت لديهم الأخبار أن الرسول والإسلام ينهون عن قتل المرتد والمعارضين لن يصدقوها لأن تقليدهم وحبهم الأوّلي لأئمتهم ورموزهم، بينما الرسول يحبوه نظريا وأكاديميا، ويتكلمون كثيرا عن ذلك ويعقدون المناظرات..لكن إذا واجهتهم بأعمالهم مقارنة بأعمال الرسول المثبتة في القرآن والسنة المتواترة عنه تجد فرقا كبيرا، والمثقفون كثيرا ما يشرحون هذه الفروق الجوهرية العملية للناس بين سلوك النبي وسلوك الجماعات..

أما الذي يحب الرسول بشكل عملي فهو من يعلم أخبار تشدد النبي وعنفه في التراث، وقد يؤمن بصحتها لكنها ليست ذات أولوية ويقدم عليها نصوص الخير والبر والإحسان وفضائل المعاملات الثابتة والراسخة والأكثر قابلية وتفاعلا مع قلبه وعقله، يرى النبي بصورة مختلفة تماما ويتجه لا إراديا لتأويل أو إنكار تلك النصوص العنيفة في الباطن دون القدرة على التصريح بها في الظاهر..وهذا سبب رئيسي لعدم جنوح الطرق الصوفية للعُنف الديني رغم إيمانهم بصدق كتب الصحاح، فهم قوم يشعرون بنشوة عميقة وفرحة عارمة وعاطفة جيّاشة إذا ذُكِرَ الرسول وآل بيته، بينما لا يشعرون بنفس النشوة والفرحة إذا ذكر لهم أحد الناس أن الرسول كان يقتل ويذبح ويلجأون فورا لاتهامه بتشويه النبي،

في المقابل إذا ذكرت أحاديث قتل وذبح النبي مخالفيه للسلفيين والجماعات يشعرون بنشوة على عكس المتصوفة، ويُبررون هذه الأحاديث والروايات بأنها صحيح الدين ومن رغب عن ذلك فليس منا،

في حال أن المؤمن صادق الإيمان، حسن التصرف، مستقيم السلوك، كريم السريرة، نزيه الضمير، صحيح العقل، يرى أن مجرد عرض سيرة النبي بشكل مشوّه أخلاقيا هو ظُلم له وجهل بالدين لأن عمليته وتصرفه وفهمه للإسلام كان أسبق على الجدال في النظريات، وعلى رأي المثال الشعبي المصري (الكلام زي حبال الصوف مالوش آخر) ومعناه أن الحكيم يُعرف بعمله وسلوكه لا بكلامه وجداله.. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري