كتب الصحافي ميخائيل عوض:
مقالات
كتب الصحافي ميخائيل عوض: "طريق الحرير الهندي؛ كذبةالعصر..، وزيارة الأسد للصين تقطع الشَّكَّ باليقين..."
ميخائيل عوض
25 أيلول 2023 , 19:18 م


في محاولةٍ لتعويضِ الهزائمِ والإخفاقات، ولإشغال الإعلامِ والعقولِ الفارغةِ، أو المحشوةِ بغباءِ عبادةِ الصَّنَمِ الأمريكيِّ المتهالِك، أطلقَ بايدن، في قمةِ العشرينَ في الهند، التي امتنعَ الرئيسُ الصِّينيُّ عن المشاركةِ فيها، تقزيماً لأمريكا وتحالُفاتِها وتشكيلاتِ نظامِها الأُحادي، أطلقَ الرئيسُ الأمريكيُّ، المُتَّهَمُ بأنَّهُ في حالةِ الخرفِ، مشروعاً إستراتيجياً حَلِمَ وأسماهُ طريقَ الحريرِ الهِنْدِيّ...

لم تكد تذرو الرياحُ كلماتِ بايدن، حتى تبارى الكُتّابُ والمُحَلِّلونَ في التنظيرِ والإشادةِ، وبناءٍ قصورِ الرمالِ وتوازُناتِ الهواءِ والخيال، وتبارَوا في كَيْلِ المديحِ للمشروعِ "الفكرةِ بَلْ الكِذْبة"، ويصح فيها "كذبةُ القرن" تماشياً مع ما سبقها من كذبةِ "صفقةِ القرن"، وكذبةِ إنشاءِ قناةٍ موازيةٍ لِقناةِ السويس، لتأمين ِ إسرائيلَ، وتحويلِها إلى عقدةِ المواصلاتِ والشحن...

◦ نَصِفُها بِكِذبةِ القرنِ، بِلا تَجَنٍّ أو اِستِخفاف، فهي كذبةٌ موصوفةٌ لا أساسٌ ماديٌّ لها، ولا فُرَصٌ أو احتِمالٌ لِتحقِيقِها،وليس من قوىً أو دُوَل ٍ، أو توازُناتٍ تجعلُ مِنها أو حتَّى من بعضِها واقعاً كسوابِقِها المذكورةِ أعلاه...

وللمناسبة، ذاتُ الكُِتّابِ والمحللين والأقلامِ التي اشتغلت بِالكِذْبَتَيْنِ، ومَلأَتْ دُنيا الإعلامِ والوسائل ضجيجاً وسيناريوهات، هم ذاتُهُم يُمارسونَ مِهنَتَهُم في ترويجِ الأكاذيبِ والأوهام، ويَعْجُقونَ الصفحاتِ والمجموعاتِ بِتُرَّهاتٍ يُسَمُّونَها تحليلاتٍ ورؤىً إستراتيجية .....

فبايدن وفريقُهُ اخترع الكذبةَ لِلتَّعويضِ عن صفعةِ عدمِ حضورِ الرئيسِ الصينيِّ قِمَّةَ العشرين، وأطلقَ الكِذبةَ، لِإشغالِ الإعلامِ، وإيهامِ الأمريكيينَ والهنودِ، بِأنَّ لِأمريكا دوراً عالمياً مقرراً في مساراتِ التطوراتِ الإستراتيجيةِ المستقبلية، وفي تقريرِ أوزانِ الدُّوَل ِ الإقليميةِ والعالمية، ولم يتجاهَلْها رئيسُ وزراءِ الهِند، لِأَنَّهُ كما بَايدن في حملة انتخابية ستقرر مستقبله، ومادام بايدِن هو مَنْ صَنَعَ الكِذبةَ وأطْلَقَها، فليسَ مِنْ خَسارة.

أمّا في واقع الحال، فالهند ليست في وارد، وربما هي لم  تفكر أصلا ً بطريق ِحريرٍ هنديٍّ ينافس أو يقطعُ استراتيجيةَ الطريقِ والحزامِ الصينيِّ الذي لحظ موقعاً ودوراً مِحْوَرِياً،للهندِ وباكستانَ وايران، كما أنَّ الهندَ لم تبذلْ جهداً تحضيرياً، ولا أمَّنَت قواعدَ انطلاقٍ وارتكازٍ لهكذا مشروع، بينما الصينُ بدأتهُ منذ العام٢٠٠٤، وأمَّنَتْ مِنَصّاتِهِ وممراتَهُ ونقاطَ ارتكازِه من آسياالى أفريقيا امتداداً الى روسيا، وأمَّنَتْ مُقدَّماتِ العملِ، لِيَكونَ المتوسطُ بحيرةَ عبورٍ محورية للطريق والحزام، واتمت كل استعداداتها وامنت الظروف، وجاء اعلان انتقال الصين، لأوَّلِ مرةٍ في تاريخِها من الدفاعيةِ إلى الهجومية، ومنَ الخمول الى المبادرة، عندما رعتِ المصالحةَ الاسلاميةَ الاسلامية، بين ايرانَ والسعودية، و سبق ان وفرت كل المقدمات والاسباب لتامين اهم منصات الطريق والحزام في الشرق العربي والاسلامي والمتوسط والاطلالة على اوروبا ووصل اسيا بأفريقيا عبر سورية المنصة التاريخية التي تتحكم برياح الارض الاربعة، والتي شكلت اول نقاط ارتكاز عودة روسيا لاعباً إقليمياً مِحوَرِياً متفاهما استراتيجيا مع الصين، لتسريعِ ولادةِ عالَمٍ ونظامٍ جديدَيْن.

وقد شكلت مبادرةُ روسيا في عاصفةِ السُّوخوي ايلول ٢٠١٥ لحظةَ إطلاقِ الصفارةِ، ومعها أصبحت روسيا لاعباً هُجومياً ومِحْوَرِياً في الإقليمِ والعالم.

وفي السياق ِ يُذْكَرُ أنَّهُ في٢٠١٢ مارستِ الصينُ وروسيا اعتراضاً مزدوجاً في مجلسِ الأمنِ، دفاعاً عن سورية، وكان ذلك بمثابةِ إعلانِ تحالُفِ روسيا الصين، لحمايةِ سوريةَ وتأمينِها، فهي عقدة الوصل والفصل في تأمين النفوذِ والعالمية، وفي تامين ِ الطريق ِ والحزام، واقفال ِطُرُق ِأمريكا والأطلسي،ولَوْ سُمِّيَ طريقَ الحريرِ الهندي.....

ولقطع الشك باليقين، ارسل الرئيس الصيني طائرته الرئاسية الخاصة لتنقل الرئيس الاسد والوفد المعززَ المرافقَ إلى الصين للاحتفاءِ بهِ كضيفٍ استثنائيٍّ في افتِتاحِ الألعابِ الآسيوية، ولعقدِ اللقاءاتِ المثمرةِ التي أعلنَ بعد لقاءِ الرئيسين ِ والوفدَيْن ِ عقدَ شراكةٍ استراتيجيةٍ، لم يسبق أنْ وقَّعتْهُ الصينُ،إلَّا مع الدولِ المِحْوَرِيَّةِفي بناءِالمستقبل وفي تأمين ِالحزام والطريق، كروسيا وبيلاروسيا ودول ٍ في وسَطِ آسيا، لا يربو عددُها عن الخمسة.

◦ فزيارةُ الأسدِ في التوقيتِ والمناسبةِوالشكلِ وحفاوةِ الاستقبال ِوالنتائج، وإعلانِ الشراكةِ الإستراتيجيةِ، وفي كلماتِ الرئيسَيْن، ِ قَطْعٌ نهائيٌّ للأوهامِ والأكاذيبِ والفبركاتِ، بما في ذلك ما سبق من حملةِ تهويل ٍ وتوهيمٍ، بأنَّ أمريكا ستشنُّ حرباً لقطعِ طريقِ دمشْق- بيروت - بغداد - طهران - كابول - موسكو، فجاء الرَّدُّ عملياً وسريعاً، وكذلك من سورية، وتأكيدٌ بأنَّ الصينَ تحوَّلت إلى الهجوميةِ، ولا عودةَ إلى الكُمونِ والدفاع.

وفي زيارة الاسد بطائرة الرئيس الصيني دلالاتٌ بالغةُ الأهمية، وإعلانُ قرارِ كسرِ الحصارِ عن سورية، واسقاطِ حروبِ العقوباتِ والحصارات، وإشهارُ التحولاتِ التاريخيةِ والفرطِ صوتية، التي جرت وتجري وتغير توازنات القوى والأوْزان، وتكشف عن الاراداتِ والتصميمِ على إنهاءِ العالمِ الأنكلو ساكسوني العدواني والاستعماري،ودَفنِهِ، وتسريع ِ مَخاضِ وِلادةِ العالمِ الجديد.

ولابد من ربطِ زيارةِ الأسدِ للصين بالاستقبال والحفاوةِ الروسيةِ برئيسِ كوريا الشمالية كيم ايل جونغ، وعلى ذات الأهميةِ اعلانُ تحالفِ دول ِالساحلِ الأفريقي؛ بوركينا فاسو، النيجر، ومالي، والأمورُ هذه تجري ليس صدفة او مجردَ تقاطعاتٍ زمنية، فبعدان تحوّلت السعوديةُ، واتخذت مسافةً عن الإملاءاتِ والأوامرِ الأمريكية، وتتأزمُ اسرائيلُ وتنهضُ مقاومةُ الشعبِ الفلسطينيِّ في الضفةِ وفلسطين ال٤٨، وبعد أن أصبحت إيرانُ كاملةَ العضويةِ في شنغهاي، وعقد القمةِ الأفريقيةِ الروسيةِ في موسكو، ومن ثَمَّ البريكس في جنوبِ أفريقيا، تتقدمُ العلاقاتُ المصريةُ الايرانية، لتشهدَ تحوُّلاًنوعياًوعاصفاًيتراصفُ مع السوابقِ، وكلهاتؤشرُ إلى مساراتٍ جديدةٍ للازمنةِ والأحداثِ وتوازناتِها، وترسمُ ملامحَ العالمِ الجديدِ الجاريةِ وِلادتُهُ، من الخاصرةِ الأوكرانية، بعد ان اشتدّ المَخاضُ وعصفَ الطّلْقُ في جغرافيا العربِ والمُسلمين، وتقدّمت روسيا والصينُ كعاملَيْ مساعدةٍفي تسريع ِالولادةِ المُتَعَثِّرة.

طريقُ الحريرِ الهندي،كِذْبَةُ العصر، وزيارةُ الأسدِ للصينِ قطعتِ الشَّكَّ باليقين.

بيروت: ٢٤/٩/٢٠٢٣

المصدر: موقع إضاءات الإخباري