أحدُ الموضوعاتِ الهامةِ في نِقاشي مع بعض المفكرينَ الغربيين، والتي كتبتُها على صفحتي في الفيسبوك، كانت: مسألةُ الوَحْيِ، ووجوبِ البِعْثَةِ النَّبَوِيَّة.
◦ لم أَكُنْ أُعِيرُ اهتماماً لِلمُناقشاتِ التي بِمُستوىً لا يستحقُّ المناقشة، والصادرةِ عن بعض واهمي المعرفة، غير القادرينَ عنِ التمييزِ بينَ الذاتِ والموضوع، أو عن مُدَّعي اللّاأدريةِ دون فهمها إلخ... اليومَ، وفي الذِّكرى العَطِرَةِ لِنَبِيِّ الرحمة، أُريدُ أنْ أُلقِيَ الضوءَ على مناقشةِ كبارِ مُفَكِّري تيارِ "الربوبية"، حيث منظورُهم يرى أنَّ العالمَ مخلوقٌ،أي مُحْدَثٌ، وقدخلقهُ إلٰهٌ واحد، ويُمكِنُ إدراكُ ذلكَ من خلالِ العقلِ وحدَه، والتأمُّل ِ في الطبيعةِ التي تُعّبِّرُ عن إرادةِاللهِ الخالقِ وقُدرتِه وبالتالي، ليس هناك أيةُ مُبَرِّراتٍ لِلوَحْيِ، أو أيِّ تدخُّل ٍ طالما أنَّ قوانينَ الطبيعةِ موازيةٌ لِلّٰه، أي إنَّ ذلكَ نزوعٌ لِلقَوْلِ بِوَحدانِيَّةِ الكون، والعقلُ الإنسانيُّ كافٍ لِإدراكِ قوانينِ الطبيعة من دون الحاجةِ إلى الوحي؟؟!.
◦ وأبرزُ مُفكِّري هذا التيارِ: ديكارت،سبينوزا وليبتنز.
◦
في منظورِنا الإسلامي، أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى قد أوجدَ نظاماً كونياً إلٰهياً شاملاً، يمتدُّ في تَمَرْحُلِهِ إلى العالمِ الأعلى، وفقَ المرحلةِ العُليا الفاصلةِ،عَبْرَ الموتِ وانتقال ِالنفسِ مِنَ العالمِ السُّفلِيّ، و بالتالي إذا كانت نتائجُ التمرحُلِ الأولى في العالم السفلي محدِّدَةً لموقع ِ النفسِ في العالمِ الأعلى، فإنَّ وجودَ البعثةِ الإلٰهيةِ يُصبِحُ واجبَ الوجود، على الأقلِّ، كحُجَّةٍ للإعلامِ بتحديدِ موقعِ الانسان ِ في العالمِ الأعلى، وشَرْعَنَةِ العِقابِ والثواب.
وإلى جانبِ هذا الوجوبِ الذي يفرضُهُ النظامُ الكونيُّ الإلهيّ ، وفي عالمِ الوجود، فإنَّ تَنْويراً إلٰهِياً لابُدَّ مِنهُ، كطريق ً مُحَدَّدٍ لسلوكِ الانسان ِ الدُّنْيَوِيّ، إذ هو يَعْضُدُ العقلَ فيما يدلُّ عليهِ منَ الأحكام.
ويستفيدُ الحكمُ أيضاً،فيما لا يدلُّ عليهِ العقل، ومنها الشرائعُ، وكذلك تصنيفُ الأفعالِ بينَ القُبْحِ والحُسنِ التي منها ما يستقل العقل بمعرفته، ومنها مالا يعرفه مستقلاً، ومع التنويرِ الإلٰهي تَحصلُ معرفةُ الحُسنِ والقُبحِ الذي لا يستقلُّ العقلُ بمعرفتها ...الخ، بما يجعلُ منهجَ حياةِ الإنسان ِ إلى الكمال ِ، من خلال ِ التنويرِ الإلٰهيِّ، أكثرَ يُسْراً ومعرفةً، وأكثر َ بُعْدا عنِ الشروطِ الناجمةِ في علاقةِ البشرِ، و في علاقتِهِم بالطبيعة.
والعقلُ الذي أُفْرِدَتْ لهُ مِساحةٌ واسعةٌ في الفكرِ الإسلاميّ، كمجال ٍ لِلتَّزَوُّدِ بالمعرفة، لا ينبغي مُطلقاً أن يتناقضَ، أو يتعارضّ مع ما ذهبَ إليهِ الشرع؛
فعلاقةُ العقل ِبالنَّقْل، هي علاقةٌ تكامُلِيَّةٍ نافيةٍ لأيِّ تناقض، غايَتُها اِتِّساعُ المعرفةِ بالنظامِ الكونيِّ الإلهيّ، ووضعُ قواعدِ السلوكِ للعقل ِ البّشَرِيِّ العمليّ .
وفي هذا المجال، أُورِدُ هنا نصاً للفيلسوفِ العربيِّ المسلمِ ابن ِرُشد،من كتابِهِ "فصلُ المقال، فيما بينَ الحكمةِ والشريعةِ منَ الِاتِّصال، يقول : "واذاكانت هذهِ الشريعةُ حقاً، وداعيةً إلى النظرِ المُؤَدِّي إلى معرفة الحق ، فإنَّنا معشرَ المسلمينَ نَعلمُ، على القطع، أنّهُ لا يُؤَدِّي النظرُ البُرْهانِيُّ إلى مُخالفةِ ما وَرَدَ بهِ الشّرع ، فإنّ الحقَّ لا يُضادُّ الحقَّ، بل يُوافِقُهُ ويَشهدُ لهُ................
وإذا كانتِ الشريعةُ نَطَقَتْ بمعرفةِ موجودٍ ما،ولايخلو ظاهرُ النُّطقِ أن يكونَ موافقاًلِما أدَّى إلَيْهِ البُرهانُ فيه أو مخالفاً، فإن كان موافِقا فلا قولَ هناك. وإن كان مخالفاً طُلِبَ هُناكَ تأوِيلُه.
_ ضمانُ سِياقاتِ النِّقاشِ حولَ مسائِلِ الوجودِ والمعرفة، ووجوبِ البعثةِ الإلٰهِيَّةِبِشَكْل ٍمُسْتَفاضٍ به. يُمكِنُ العودةُ إلى كتابي: ( الاقتصاد السياسي المعاصر للفكر الإسلامي ) الصادر عن دار البلاغة بيروت 2023 .