كتب الأستاذ حليم خاتون:
سوف يمضي وقت طويل قبل معرفة كيف خدع محمد ضيف الإسرائيليين والأميركيين وغيرهم...
بالضربة القاضية تم القضاء على الموساد والشاباك ومعهم ال CIA وغيرها من أجهزة المخابرات الغربية والعربية المنتشرة في غزة والمنطقة لسماع دبيب النمل واصطياد المناضلين...
من المؤكد أن التحضير لهذه العملية جرى خارج السجن الغزاوي الكبير والا كيف يمكن تفسير تدريب المقاتلين على كيفية قيادة الطائرات الشراعية في وضعية قتال جار في كل مكان...
بدأ شباب القسام بالانتشار في مجموعات صغيرة جداً لعدم لفت الأنظار...
جواسيس اسرائيل والغرب وبعض الأنظمة العربية يتابعون كل شيء في غزة وفي المنطقة...
ثم إن كلمة واحدة عن العملية لم يجر تسريبها حتى إلى زوجات المقاتلين وأطفالهم...
الحرب خدعة...
هذا ما فعله الصهاينة في حزيران ١٩٦٧...
كان يجب الاحتفاظ بعنصر المفاجأة...
أعياد الغفران من جهة، ويوم السبت من جهة أخرى كانا غطاء جيداً للعملية...
مع الطلقات الصاروخية الأولى للهجوم، تم فتح بوابات عبور الى الغلاف بأكبر قدر من الحرص...
دوت صفارات الإنذار...
كما هي العادة، ركض الجميع إلى الملاجئ...
كما هي العادة ظن الجميع أن هناك قصف صاروخي سوف يستمر فترة من الوقت قبل أن يعود كل واحد منهم إلى موقعه...
لكن المفاجأة كانت عندما داهمهم المقاتلون في الملاجئ وفي المخادع...
يعيش الصهاينة على أسطورة التفوق النوعي لشعب الله المختار على بقية الشعوب...
في اسفل قائمة هذه الشعوب، كان الشعب الفلسطيني وغيره من العرب الذين يغرقون في بحور المال والنساء...
شعوب عربية ينخر فيها السوس من أعلى السلطة في رام الله والأنظمة إلى اصغر عميل حقير يبيع الوطن والذمة بأبخس الأثمان...
زد على هؤلاء جماعات ال NGOs المنتشرين في كل المنطقة... NGOs جندهم الاحتلال والأنظمة الغربية والعربية...
لم يصدق الاسرائيليون أن العربي يمكن أن يخطط بهذا الذكاء، فوقعوا في شر استعلائهم...
لكن الحقيقة هي أن الاسرائيليين لم يكونوا وحدهم من تفاجأ...
المقاومة الفلسطينية نفسها تفاجأت الى درجة أنها حققت كل اهداف العملية في الساعات الثلاث الأولى ولم يكن لدى قيادة المقاومة أي تصور حول كيفية استغلال هذا الذي حدث من اجل تطوير رأس الهجوم لزيادة بنك الأهداف...
بدل ذلك جرى اقتحام جماهيري عام ضمن فوضى تشبه الفوضى التي هرب بها المستوطنون إلى خارج الغلاف...
الكل يقول أن اسرائيل أوهن من خيوط العنكبوت؛ لكن يبدو أن الكثيرين لم يكونوا يؤمنون بهذا الأمر بالفعل...
ما جرى مع الاقتحام الجماهيري أثناء يوم التحرير سنة ٢٠٠٠ في لبنان تكرر في غزة...
ربما كان هذا جيداً في ناحية؛ على الأقل في لبنان؛ لكنه مؤذ جدا في ناحية أخرى لأن المقاومة عاشت لحظات من الضياع وعدم التركيز...
إذ كيف يعقل أن لا يتم إحراق كل المؤسسات والبيوت وتخريب كل المستوطنات حتى إذا ما انتهت العملية يكون أكثر من خمسين ألف مستوطن في العراء في الشتاء القادم...
كيف لم يتم مثلاً اصطحاب خبراء للسطو على السيارات، على البنوك، على محطات الوقود، على المخازن... ونقل كل شيء إلى القطاع...
حتى طائرات ال ف-١٦ التي تم تهريبها على كمايين، لم يكن هناك مسيرات تراقب المنطقة للتصدي لأي هجوم سوف يأتي حتماً...
ما تحقق عظيم بكل المقاييس؛ لكن ما فات تحقيقه يجب أن يكون درساً للعملية الكبرى القادمة...
هل كان محور المقاومة على علم بما حدث...
الأكيد أن التدريبات جرت في أماكن سرية لا يمكن أن تكون سوى في إيران...
إذا كان الأمر كذلك، وهذا هو المرجح، فإن التخطيط لم يكن شاملا يضع كل الإحتمالات في الحسبان...
من هنا، يمكن فهم موقف حزب الله الذي يبدو أنه تفاجأ هو أيضاً...
وإلا كيف يمكن فهم موقف الحزب الذي يريد التدخل من جهة، ولا يستطيع فبركة مبرر لهذا التدخل...
الحزب الذي قصف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا يعرف جيدا أن هذا لا يكفي...
لذلك أعطى هذه العملية بعدا اهم عبر استخدام اسم الحاج عماد...
هو لم يقل كتائب الرضوان، لأن اسم هذه الكتائب مرتبط باقتحام الجليل...
لذلك اختار الحزب اسما وسطا بين كتائب الرضوان واي شيء آخر، فاختار اسم عماد مغنية...
إذا كانت حماس لم تبلغ حزب الله بتفاصيل العملية، هذا خطأ فادح لأن أي تطوير للهجوم يجب أن يترافق مع دخول محور المقاومة كله في العملية...
وإذا كانت قد ابلغت الحزب وإيران، فإن رد حزب الله في المزارع والتلال يكون مجرد رفع عتب ولا يرقى إلى المستوى المطلوب...
حتى اليوم، تبدو كل السيناريوهات واردة، سواء ما حدث، أو ما سوف يحدث...
لكن الأكيد أن اسرائيل هزمت شر هزيمة وعلى ايد قليلة التسليح، قليلة الخبرة في التخطيط القتالي مع افتقاد مروع لغرفة عمليات مركزية كان يجب أن تطور الهجوم بعد النجاحات الباهرة الأولية لتنتقل إلى هجوم أوسع ومع اهداف اكبر من مجرد تبييض السجون...