عدنان علامه / عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
يبدو أن الخلاف بين نتنياهو ووزير دفاعه مع الإدارة الأمريكية قد وصلت إلى أوجها؛ فقد تجاهل نتنياهو الرسائل الأمريكية على لسان مستشار الأمن القومي منذ متتصف الشهر الماضي بضرورة الإلتزام بالقانون الإنساني الدولي؛ ويبدو أن نتنياهو ووزير دفاعه لم يلتزما بالتوصيات الأمريكية بعدم القيام الإجتياح البري. فتكبدا حسب إعترافهما 16 قتيلَا في اليوم الأول للإجتياح.
وأول من أشار إلى الخلافات الأمريكية الإسرائيلية كانت القناة 12 العبرية فقالت بلغة دبلوماسية: "الضغط الأميركي تزايد كثيراً والعد العكسي بدأ بخصوص الحرب على غزة.. ومن الصعب على "إسرائيل" مواجهة الأميركيين حالياً" .
وأما وزير دفاع العدو غالانت؛ فكان تصريحه عدائيََا وبمثابة التحدي الحاد والقاسي جدًا للإرادة الأمريكية فقال: "علينا الإنتصاز بالحرب مهما كان الثمن ومهما استغرقت من وقت؛ وسواد أعجب ذلك بعض دول العالم ام لم يعجبها".
وأما نتنياهو فقال بلهجة تحدي ناعمة: "تكبدنا خسائر مؤلمة، لكننا سنواصل هذه الحرب الصعبة حتى إنجاز مهمتنا."
وأما الإدارة الأمريكية ردت بطريقة مبطنة بأننا سنرفع الغطاء عن نتنياهو ليصبح عرضة للمحاسبة وتحريك دعوات الفساد والرشوة ضده وحرمانه نهائيََا من كرسي رئاسة الوزراء. فتم توزيع خلاصة جلسة مغلقة بين بايدن وكبار مستشاريه إلى الإعلام وخصوا به صحيفة بوليتيكو: "ناقش بايدن وكبار مستشاريه إمكانية أن تكون الأيام السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معدودة".
وتذكر بايدن فجأة القانون الإنساني الدولي بعد تدمير إسرائيل أكثر من 200 ألف وحدة سكنية على رؤوس أصحابها بالأسلخة الأمريكية ؛ مما أدى إلي إرتقاء 8805 شهيدا، بينهم 3650 طفلًا و 2252 سيدة. وقد شكك منذ يومين بايدن بأرقام الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية .
فاستغل نتنياهو تصريح بايدن واعتبره تأييدا مفتوحًا؛ فارتكب المزيد من جرائم الحرب وتحديدًا في جباليا.
وقال بايدن أمس : "على إسرائيل الدفاع عن نفسها بطريقة تتفق مع القانون الإنساني الدولي وتعطي الأولوية لحماية المدنيين".
ويبدو ان التلحين على وتر "القانون الإنساني الدولي" هو التمهيد لمحاكمة نتنياهو أو إجباره علي تقديم إستقالته؛ ولكن بايدن تناسى بأنه هو من زوٌد نتنياهو بالصواريخ المدمرة، القاتلة والمعدلة بأجهزة JDAM والتي يمكن التحكم بها عبر الأقمار أيضََا.
وكان أول المعترضين بعد مرور 23 يومًا على مجازر الإبادة الجماعية رئيس وزراء النرويج الذي صرح بتاريخ الأحد، 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2023: "إسرائيل تجاوزت حدود القانون الدولي خلال الحرب في غزة".
وصحا أمس ضمير فرنسا الميت على وقع ضحايا مخيم جباليا وقال ماكرون الذي دعم وأيد نتنياهو بإستباحة الدم الفلسطيني فقال : "فرنسا تعرب عن "قلقها البالغ" إزاء القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا في غزة."
فلنستعرض سويًا التحرك السياسي الامريكي بخطوات متسارعة جدًا على أكثر من محور؛ ويبدو أن نرجسية نتنياهو وجنون عظمته قد منعاه من فهم الرسائل الأمريكية التي بدأت في منتصف الشهر الماضي، ودعت نتنياهو لتجاهلها.
فقد نشر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بتاريخ 15 تشرين الأول 2023 التالي: "نتحدث مع المسؤولين الإسرائيليين بشأن مستقبل العملية وأن يتمتع الفلسطينيون الأبرياء في غزة حياة كريمة".
وبدأ التحرك الأمريكي المتسارع في كل إتجاه بتاريخ 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فجدد سوليفان دعوته إلى إسرائيل للإلتزام بقوانين الحرب فدعا "إسرائيل إلى استخدام الأسلحة المنقولة إليها وفقا لقوانين الحرب."
وفي نفس التاريخ إستضاف مستشار الأمن القومي جايك سوليفان وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود والوفد المرافق في البيت الأبيض. وأكد المجتمعان أيضا على "أهمية ردع أي دولة أو جهة غير حكومية تسعى إلى توسيع رقعة الصراع."
وأخطر تحرك وتصريح كان لوزير خارجية بلينكن الذي ذهب إلى إسرائيل بتاريخ الثامن من الشهر الماضي كيهودي للدفاع عنها. وطرح طروحات تآمرية لإستعمار غزة ووضعها تحت الحماية الدولية، ومصادرة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في غزة، والتي لا تزال تنزف وتواجه أبشع جرائم الحرب ومجازر الإبادة الجماعية بأيادٍ إسرائيلية وتفويض عربي وغربي وٱسلحة أمريكية.
فإن طرح بايدن لأفكار لا تمت للقانون الإنساني الدولي بأية صلة ؛ولبلينكن يريد تحقيق الأهداف الإسرائيلية بالسياسة، وما لم تستطيع إسرائيل تحقيقه من خلال الإبادة الجماعية. فقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة ودولاً أخرى تدرس "مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة" لمستقبل قطاع غزة إذا عُزِلَت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن حكمه.
وأضاف بلينكن، خلال جلسة استماع للجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، أن "الوضع الراهن الذي تتولى فيه حماس المسؤولية في القطاع المكتظ بالسكان لا يمكن أن يستمر، لكن إسرائيل لا تريد إدارة غزة أيضاً".
وقال بلينكن إنّ بين هذين الوضعين توجد "مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة التي ندرسها بعناية الآن، كما تفعل دول أخرى".
وأردف قائلاً إن الأمر الذي سيكون الأكثر منطقية في مرحلة ما هو وجود "سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة" تتولى حكم غزة، لكن السؤال المطروح هو ما إذا كان تحقيق ذلك ممكناً.
وقال بلينكن: "إذا لم نتمكن من ذلك، فهناك ترتيبات مؤقتة غير ذلك قد تشمل عدداً من الدول الأخرى في المنطقة. وقد تشمل وكالات دولية تساعد على توفير الأمن والحكم".
وتتحدث واشنطن مع إسرائيل، وكذلك مع دول أخرى في المنطقة عن كيفية حكم القطاع الفلسطيني إذا انتصرت إسرائيل في ساحة المعركة، لكن لم تظهر بعد خطة واضحة.
وذكرت "بلومبيرغ"، أمس الثلاثاء، أن من بين الخيارات التي تدرسها الولايات المتحدة وإسرائيل نشر قوة متعددة الجنسيات قد تضمّ قوات أميركية، أو وضع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة مؤقتاً.
ويشعر بعض مساعدي الرئيس الأميركي جو بايدن بالقلق من أنه على الرغم من أن إسرائيل قد تضع خطة فعالة لإلحاق ضرر دائم بحماس، فإنها لم تضع بعد استراتيجية للخروج.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، في مؤتمر صحافي: "أجرينا محادثات أولية جداً بخصوص الشكل الذي قد يكون عليه مستقبل غزة". وأضاف: "أتوقع أن يكون هذا موضعاً للكثير من العمل الدبلوماسي من الآن فصاعداً".
فتصريحات بلينكن خطيرة جدًا جدًا وهي إستكمال لعملية الإبادة الجماعية. ولا بد من التصدي لها.
فأمريكا تسابق الزمن لتحقيق أي شيء ملموس في غزة قبل الساعة الثالثة من يوم الجمعة وهو موعد إلقاء سماحة السيد نصر لله خطابه.
ويبدو أن بايدن والإدارة الأمريكية والصهيونية العالمية قد لمسوا فعليًا فحوى الجولات المكوكية التي كان يقوم بها وزير الخارجية الإيرانية بين دول المنطقة الشهر الماضي لإيصال رسالة واضحة لا لبس فيها وهي دخول محور المقاومة إلى خط المواجهة ما لم يتم إيقاف الإبادة الجماعية لأهل غزة، وتم ترجمة ذلك بالمواجهة مع حزب الله على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية، ودخول أنصار الله المعركة بإطلاق العديد من الصواريخ الباليستية والمجنحة والمسيرات.
فنحن نترقب نتائج الخلاف الامريكي الإسرائيلي؛ وتآمر الدول الغربية والعربية على الشعب الفلسطيني، والمؤامرة السياسية التي تعدها امريكا بقيادة بلينكن على شعب غزة وقبل أن تجف دمائهم المستباحة نتيجة الدعم الامريكي غير المحدود لإسرائيل؛ وستبقى المنطقة كلها على صفيح ساخن جدًا؛ وقد نسمع مفاجآت كبيرة قبل يوم الجمعة.
فنحن بإنتظار الكلمة الفصل في الساعة الثالثة من يوم غدٍ الجمعة.
وإن غدًا لناظره قريب
02 تشرين الثاني/نوفمبر 2023