مسقط
علي بن مسعود المعشني
الاجتناب وكما يقول علماء الشريعة أشد من التحريم على اعتبار ان التحريم هو توصيف وخطاب مباشر للعباد بينما الاجتناب هو كل مايؤدي الى المُحرم من سلوك أو تفكير أو مجالسة ....إلخ ، وصولًا الى التحريم ، ويُراد من الاجتناب تعظيم المٌحرم وتبيان كبره عند الله وعلى عباده .
عندما نصف التطبيع مع كيان العدو بالرجس فليس ذلك من باب الشطط الفكري ولا الغلو ولا الفجور في الخصومة ، بل هو توصيف طبيعي لكيان لقيط مغتصب لحق يُراد لنا القبول به واضفاء الشرعية على غيه وفجوره وفساده وافساده ، وبالتالي نُقر بأن جميع القيم والأخلاق والأعراف والقوانين وقواعد العلاقات الدولية والسياسية التي عهدها البشر لا تنطبق على هذا الكيان وكيفية التعامل معه .
من سخرية القدر اليوم إن بعض العرب يسعون جاهدين وبكل ما آتتهم أمريكا من قوة لدحر الحق والانتصار للباطل وفي رابعة النهار ، وفي التفريط بحق عربي واسلامي جلي كالشمس ، وفي المقابل هناك من يسعى من شرفاء العالم وأسوياء البشر الى مناصرة الحق العربي والتمسك بشرعية القضية الفلسطينية عبر اقرارهم الصريح بأن الوجود الصهيوني ليس وجود احتلالي فحسب بل اغتصاب ونهب وتزييف للتاريخ والجغرافيا والعقل والمنطق .
وبالتالي فمن يُقر بالتطبيع أو السلام مع كيان غاصب فعليه أن يُدرك بأن هذا التطبيع يتعدا السلام ومفاهيمه الى انكار الحق واقرار الباطل بالعقل والمنطق والقياس ، وان خطورة هذا التطبيع ان مُرر لن تتوقف عند قضية بعينها ولا في حدود جغرافية بعينها بل ستدخل التاريخ والموروث القيمي للبشرية جمعاء كسابقة وكسلوك مشين ومُدان وخطيئة لا يمكن تبريرها .
النُظم الرسمية العربية المهرولة اليوم خلف التطبيع في قمار سياسي غير مسبوق ترهيبًا وترغيبًا وتحت مظلة غباء تاريخي عنوانه :" القضاء والقدر الأمريكي" ، لاشك عندي بأنهم يعلمون بمخاطر هذا التطبيع غير الطبيعي في أي شيء على عروشهم ونظمهم السياسية وأوطانهم ، ولكنهم لا يدركون بعظم هذا التطبيع وتداعياته على العروش والأوطان لأن الكيان الصهيوني - ومن يقف خلفه - يمتلك مشروع متكامل للوطن العربي مدخله التطبيع فقط ، بينما لا تمتلك الأقطار المُطبعة أي مشروع مضاد للتطبيع لحصر ضرره في نطاق لا يُخل بالأوطان والتاريخ والجغرافيا .
فالإدراك يتطلب من النُخب السياسية العربية المهرولة خلف التطبيع اليوم قراءة التاريخ لتقرأ المستقبل وقراءة القرآن والتوراة والإنجيل لتعلم من هم اليهود ومن هم الصهاينة ومن هم الذين هادوا !؟ القرآن يقول لنا بأن أرض فلسطين هي الأرض التي بارك الله حولها ، وكلمة حولها لاتزال تحير المفسرين لغاية اليوم عن حدود وجغرافية الكلمة وما تعنيه في مفهومها البعيد والشامل على اعتبار ان لغة القرآن لغة عميقة ومتعددة الأبعاد وفوق هذا لغة متحولة في الفهم بحسب الزمان والمكان كذلك .
والتاريخ يقول لنا أن فلسطين عقوبة للفاسدين ومنجاة للصالحين ، فقد أنكسرت فيها جحافل التتار في معركة عين جالوت الشهيرة بعد ان كان مجرد ذكرهم يثير الذعر في قلوب خصومهم ، ولم تكتفي فلسطين المباركة بذلك بل اعادت انتاج هؤلاء القوم الذين وصفهم زعيمهم جنكيز خان بأنهم قوم خلقهم الله من سخطه وسلطهم على من حل بهم غضبه فهم لا يرحمون من بكى ولا يرقون لمن شكى ، وفوق هذا طوعتهم فلسطين وصهرتهم في بوتقة الاسلام وهدايته ورقة قلوب أهله !!
وكانت فلسطين سببًا في انهيار أمبراطورية نابليون الحالم بحكم العالم وترسيخ سيادة وسطوة بلاده فرنسا والذي اندحرت جيوشه وتبخرت احلامه وتشتت امبراطوريته على أسوار عكا بفلسطين العصية ، واليوم يأتي دور الصهاينة ليعلو في الأرض بمباركة أمريكا ، والتي ستذوق من كأس فلسطين وشعب الجبارين بلا شك ماذاقه من كانوا أدهى وأعظم منهم وما ذلك على الله بعسير ولا عزيز .
أمريكا تتلبس بدور الشيطان وحين تنتهي مصلحتها مع نظام أو شخص وظيفي تردد ماقاله الشيطان بأفعالها لا بأقوالها : اني برئ منكم اني اخاف الله رب العالمين!! فهل من متعظ!!؟ وفي الختام نقول للتذكير فقط ولمن شاء التدبر في دول الايام ومشيئة الله في خلقه ، فلسطين في عين الله وعنايته لأنها سلاح الله وجند من جنوده ومشيئة الله وأداته لضرب كل جبار مختال فخور وهذه حقيقة فلسطين ووظيفتها الربانية لا وظيفتها من الناتو ، والقدس من القدوس والروح القدس ، فأمريكا تريد والله فعال لما يريد سبحانه .
قبل اللقاء : نقول وبكل يقين ، إن التطبيع مع الكيان الصهيوني كبيرة من الكبائر ورجس من عمل الشيطان يوجب الاجتناب والتحريم الشرعي والعقلي والاخلاقي وفي المقابل فان التطبيع وبسط التسامح وقيم الاخلاق والسلام مع كل ممن لم يخرجونا من ديارنا هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة وأقطار مسلمة كذلك .
وبالشكر تدوم النعم
علي بن مسعود المعشني
[email protected]
مسقط
2020-9-27م