خمسون مولوداً جديداً كل يوم في المستشفى الاندونيسي في غزة...
كم من هؤلاء سوف يولد يتيماً، وكم سوف يكون شهيداً...؟
يقول المحلل السياسي خليل نصرالله أن توسيع حزب الله للحرب الدائرة لن يمنع الإبادة الجارية في غزة...
هذا صحيح...
سوف تستمر محرقة غزة ويضاف إليها محرقة أخرى في لبنان بفضل الدخول الأميركي شبه الحتمي في الحرب...
كل يوم يزداد عدد الشهداء والجرحى والمهجرين والمنكوبين داخل غزة...
لن يستطيع حزب الله منع ذلك...
لو حصل ذلك اثر هزة أرضية، لحمد الناس الله على رحمته على قاعدة "ربي لا اسألك رد القدر، بل اسألك اللطف فيه"...
لو حصلت كارثة طبيعية ومات عشرات الآلاف أو حتى ملايين، ودمرت مدن وقرى، لقبل الناس بما حصل لأن غضب الطبيعة جزء من حياة البشر...
أما أن تأتي جيوش جرارة تقف خلف وحش كاسر يبتلع الأطفال والنساء وتهدد اميركا ايا كان أن يتجرأ على منع هذه الإبادة...
هنا نصل إلى قمة الحرام الذي يستدعي أن تخرس كل ألسنة الدعوة إلى التعقل...
يقول الأستاذ ناصر قنديل، إن الدخول الواسع النطاق في الحرب قد يؤدي إلى أحد أمرين أو كلاهما معاً،
إما حرمان الفلسطينيين من وهج انتصارات تتحقق كل يوم وقد عادت اميركا تدعو لحل الدولتين المستحيل...
وإما أن يتنفس النظام الرسمي العربي الصعداء ويعمل على إخفاء مذابح غزة والضفة تحت لافتة أن الحرب تدور بين اسرائيل ومحور الهلال الشيعي وان العرب (السُنّة) لا دخل لهم في ما يدور...
هكذا تخسر غزة، وهكذا نخسر نحن...
الإثنان على حق...
الأستاذ خليل نصرالله والاستاذ ناصر قنديل...
لكن ما الحل...؟
هل يمكن أن يأتي يوم نستطيع فيه إزالة دولة المجازر والإبادة وكلب الإستعمار في المنطقة دون حرب تدمير شاملة اثبت فيها الأميركي وخلفه الغرب أنهم لا ولن يسمحوا ابدا بتحقيق العدالة حتى لو تم انتهاك كل القوانين الإنسانية وكل شرائع حقوق الإنسان...
هذا الغرب الفاشي النازي يملك تاريخاً من الإبادات الجماعية التي تبدأ مع استعمار العالم الجديد ومحو شعوب وقبائل وحضارات بأكملها فيما يسمى اليوم أميركا واستراليا ونيوزيلندا وغيرها...
هذا الغرب الملعون قد عزم على قتلنا أو استعبادنا...
ماذا نحن فاعلون؟
قد يقول قائل إن هذا الغرب تخلى عن النظام العنصري في روديسيا (زيمبابوي)، وفي جمهورية جنوب افريقيا...
وأنه يجب انتظار اللحظة المناسبة لانتصار بلا دماء...
حصل هذا...
لكن ليس بلا دماء...
لكن هذا حصل أيضاً لأن الأكثرية العظمى من أصحاب البشرة السوداء وقفوا بحزم من أجل انتهاء نظام الفصل العنصري والوصول إلى انتقال السلطة إلى الأغلبية السوداء...
أما عندنا، نحن معشر العرب...
تغني نانسي عجرم في الرياض ومعها حفنة من "أهل الفن" من أكثر من قطر عربي في نفس الوقت الذي يذبح فيه آلاف الأطفال في غزة...
يخرج بعض اولاد الزنى على الفضائيات يتحدثون عن ارتباط حماس بأجندة إيرانية...
كأن اغتصاب فلسطين حصل بعد سقوط الشاه وليس قبل هذا...
تهاجم مجموعات داعشية الجيش السوري والقوى الرديفة له في البادية في عمالة واضحة مع الأميركي والصهيوني... ثم يصل العهر بما يسمى معارضة سورية إلى مهاجمة وقتل جنود سوريين "نصرة لغزة"، كما يدعون...
"أولاد القحبة، لن تسكت مغتصبة"...
باختصار، ما يقوله الاستاذ ناصر قنديل موجود، وسوف يكون دوما موجودا...
في أمة المليار سني سوف يخرج دائما أشرف ريفي أو فؤاد مخزومي أو أبو محمد الجولاني وسوف يسكت المفتي ولا يرعد ويزبد كما كان يفعل في الحديث عن حقوق السُنّة في لبنان...
لن يخرج محمد سلام يهدد اسرائيل بالمارد السُنّي، كما كان يفعل يوم نفخ الريش؛
كما لن يخرج صالح المشنوق محتدا ضد أميركا والغرب وإسرائيل كما كان يفعل ايام تطهير بيروت من جواسيس مملكة بني سعود وملك الاردن وضباط المخابرات المركزية الأمريكية في السابع من أيار...
أما بطريرك أنطاكية وسائر المشرق صاحب نظريات الحياد الإيجابي؛
تلك قصة أخرى...
لم يتذكر نيافة البطرك أن لديه رعية في القدس والناصرة ونابلس وبيت لحم وداخل غزة...
لم يخرج نيافة البطريرك يقول كلمة واحدة أو حتى موقف صامت بعد قصف المستشفى المعمداني أو الكنائس الثلاث في غزة...
لم نر نيافة البطريرك يقول ولو كلمة في من يسقطون بالالاف وهم على طريق الجلجلة المعاصرة في نفس البلد الذي صلب فيه السيد المسيح...
رئيس إحدى كنائس المخلص في هذا الشرق لم يجد أن ما يحدث من إبادة جماعية تستدعي منه ولو موقف...
صلب المسيح وعانى أشد العذاب ليحمل عذابات المستضعفين في الارض بينما يرقد سمير جعجع في معراب ينتظر الفرصة التي تسمح له الانقضاض على المقاومة وطعنها في لحظة التصدي أو التحرير أو نصرة المظلوم...
هنا أيضاً يجب الاعتراف أمام كل المحللين بالصعوبات التي تواجه حزب الله ومحور المقاومة من الأعداء التكفيريين عند السُنّة، والأعداء الكفرة في النظام الرسمي العربي و"الشركاء الانذال" في الوطن...
مرة أخرى،
كل ما قاله الأستاذ خليل نصرالله والاستاذ ناصر قنديل والأساتذة المحللين على الراس والعين...
لكن... هل سوف تختفي هذه الصعوبات؟
ألم يكن الوضع دائما هكذا؟
اميركا والغرب والنظام الرسمي العربي وكلاب الداخل والخارج...
كل هذا كان دائما موجوداً، وسوف يظل موجوداً دوماً...
بدل عبد العزيز بن سعود هناك محمد بن سلمان ومحمد بن زايد ومن لف لفهما...
بدل نوري السعيد هناك السيسي...
بدل عبدالله الأول عندنا عبدالله الثاني الذي يحمل هما واحداً، (المُلك ومن "بعدي الطوفان...)
بدل الحسن الثاني في الرباط، يقبع محمد السادس في قصرِِ كل جدرانه تلعن الابن والاب على حد سواء...
هنا نأتي الى بيت القصيد،
الزمان والمكان المناسبين...
أما الزمان المناسب فهو محدد في ثلاثة شروط:
المبادرة إلى الهجوم لأن الضربة الأولى تعطي نتائج اكبر بكثير من الانتظار... وهي قطعاً افضل من تلقي الضربة كما حصل مع عبد الناصر في حزيران ٦٧...
لو كان صدام حسين استمع لنصائح اللواء الشاذلي في البدء بالهجوم على الحشود الأميركية وهي تتجمع وتتهيأ في السعودية وغيرها لكان على الأقل مات بشرف وليس كما اصطياد الجرذان من الحفر...
ثانيا، عنصر المفاجأة...
وهذا متوافر بالكامل؛ حيث هم يعتقدون أن محور المقاومة مردوع...
ثالثاً، واهم الشروط هو الاستعداد لحرب صعبة طويلة الأمد، لها بداية من دون أية نهاية يمكن أن يراها الأميركي أو الغربي...
أما المكان المناسب...
فهذا موجود والحمدلله على كامل الجغرافيا الفلسطينية من جهة، وفي كل القواعد الأميركية في المنطقة وفي بحارنا...
لكن على أن لا تستعمل فيها اسلحة الصيد كما يحصل الآن...
عشرات عمليات القصف التي لا تنتهي بكيس اسود واحد يحمل جثة جندي أميركي واحد...
المكان المناسب يبدأ في قصف المحور ليس فقط في "ايلات"، بل في البحر الأحمر وفي الخليج عبر زرع الألغام واستهداف كل السفن التابعة أو الذاهبة إلى العدو أو إلى البلدان التي تدعم هذا العدو...
بدل الهاء الناس بالطلب من أنظمة الذل في الخليج ان تتجرأ وتوقف النفط والغاز...
الأجدر إشعال الحرب في الخليج والبحر الأحمر...
هذا وحده كفيل بتوجيه ضربة قاصمة إلى دول العدوان...
سوف يخرج من يحذر من أن أميركا سوف تشن حرباً لا هوادة فيها...
كأن اميركا لا تشن علينا اليوم كل انواع حروب القتل والتجويع والحصار وإحراق الاقتصاد وسرقة الموارد...
يا إخوان...
نحن موجودون في الحرب فعلاً؛
نحن محاصرون؛
نحن نُقتل مباشرة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن ولبنان؛
نُقتل في كل هذه البلاد إضافة إلى لبنان عبر حروب التجويع والحصار وتفجير المرفأ...
كل الكلام عن مجيء هوكشتاين ليقول لنا أن قتل المدنيين في عيناتا كان بالخطأ هو مجرد كلام فاضي، بلا معنى...
هم يقتلون المدنيين كل الوقت، وفي كل البلدان...
هم قصفوا سيارات إسعاف واليوم، ضربوا مستشفى ميس الجبل...
يحذر أصحاب العقل الرصين أن العدو يريد جرنا إلى الحرب...
هذا صحيح...
لكن ألم نكن ننتظر هذا اليوم؟
ألم تكن هذه أمانينا؟
أم أن ما يقوله نوفل ضو أو يعرب صخر أو أمثالهم من المخنثين سوف يثنينا...
العدو يسعى لتوسيع الحرب مستعينا بوجود قوى محور الشر في المنطقة الى جانبه...
علينا نحن أن نسعى لتوسيع هذه الحرب أكثر مما يتصور هو ومعه الاميركيون...
انتظار الروس والصينيين لا يجدي نفعا... هم ينتظرون...
هم لا يريدون دفع اثمان لا بد منها...
أما نحن، نحن نقتل، وسوف نقتل سواء انتظرنا ام انتفضنا...
ابسط ما يجب إذا هو أن ننتفض وننفض عنا لعنة النظام الرسمي العربي في قلة الحيلة...
يقول الشيخ ماهر حمود إن السيد يتهيب من حرب طاحنة سوف تزهق فيها أرواح كثيرة...
لو كان هناك من بديل، ما دعونا...
لكن الأرواح تزهق مجانا اليوم، وكل يوم...
أليس الأجدر أن نموت واقفين نقاتل بدل انتظار هذا الموت المذل...
لن تتبدل الأمور...
نحن نقاتل ضد اساطير دينية كاذبة تسيطر على العقل الأميركي...
لن تزول هذه الأساطير...
الحرب حتمية ضد محور الشر...
في النهاية لن ينتصر إلا الحق...
نحن لسنا أقل من فيتنام...
خسر الفيتناميون أربعة ملايين في حرب التحرير...
سقط من أجل استقلال الجزائر مليون ونصف مليون شهيد...
طلب الحرب لا شأن له بالمغامرة...
هي حسابات بسيطة تنتج عن تفكير منطقي...
كما يقول محمود عباس،
رضينا بالهم، وما رضي الهم بنا...
اخذوا ٨٠٪ من أرض فلسطين التاريخية ويقومون بقتل من تبقى لأخذ ما تبقى قبل الإنتقال إلى باقي أرض اسرائيل التوراتية الكبرى...
ماذا يحصل في غزة المحاصرة؟
هناك بطولات بلا شك...
ربما هناك من ينتظر أن تكون القرابين التي تسقط سبباً لوقف الحرب...
ربما يظن البعض أن بايدن اليوم أو ترامب غدا سوف يغيرون من هذا النهج...
هذا لن يحصل إلا في حالة واحدة،
العمل كما تم الإشارة أعلاه إلى خلق الزمن المناسب وكل الأمكنة المذكورة أكثر من مناسبة...
الواقع الموضوعي يقول بوجوب الحرب...
يبقى فقط العامل الذاتي...
لقد ألهمنا الله في تموز ٢٠٠٦...
عاد وألهمنا في السابع من أكتوبر الحالي...
الثالثة، ثابته...
"ما رميت إذ رميت، إنما الله رمى"
هل نحن في الثالثة الثابتة؟
وحده محور المقاومة يعرف ما عنده وما عليه...
وحده المحور يقرر الدخول الى التاريخ، أو يكون كل الكلام الذي جرى مجرد كلام...
النصر النهائي ضد اسرائيل لا يمكن أن يكون إلا بالضربة القاضية... أو على الأقل، بضربات متتالية لا تهدأ ولا تدع اسرائيل تنعم بيوم هدوء واحد...
حليم الشيخ