الآلة الإعلامية الغربية والتلاعب بالعقل الجمعي العالمي !!
مقالات
الآلة الإعلامية الغربية والتلاعب بالعقل الجمعي العالمي !!
د. محمد سيد أحمد
21 تشرين الثاني 2023 , 15:58 م


ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن الآلة الإعلامية الغربية وقدرتها الفائقة على التلاعب بالعقل الجمعي العالمي، وبالطبع لن تكون الأخيرة خاصة في زمن الحروب فخلال الحرب الروسية – الافغانية في نهاية السبعينيات من القرن العشرين تمكنت الآلة الإعلامية الغربية من التلاعب بالعقل الجمعي العالمي لصالح ما أطلقوا عليه زوراً وبهتاناً ( المجاهدين الأفغان) الذين كانوا يخوضون حرب بالوكالة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استمرت عشر سنوات انتصرت في نهايتها حركة طالبان وصعدت لسدة الحكم ومهدت الحرب لانهيار الاتحاد السوفيتي.

ثم لعبت نفس الآلة الإعلامية الغربية نفس الدور أثناء الحرب الأمريكية في أفغانستان بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ والتي استمرت لعقدين كاملين حتى عام ٢٠٢١ عندما تمكنت حركة طالبان للعودة من جديد لسدة الحكم حيث صورت الآلة الإعلامية الغربية أن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية هي حرب ضد الإرهاب، على الرغم من أن حركة طالبان هي صناعة أمريكية بالأساس حيث ساعدتها الولايات المتحدة الأمريكية للوصول للحكم بعد عشر سنوات من الحرب مع الاتحاد السوفيتي، والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية التي أطاحت بطالبان وأعلنت انتصارها على الإرهاب سقطت سقوطاً مدوياً أمام الحركة التي صورت أنها إرهابية في مشهد دراماتيكي غريب، لم يستوعبه العقل الجمعي العالمي حتى اللحظة.

وتمكنت الآلة الإعلامية الغربية التلاعب بالعقل الجمعي العالمي للمرة الثالثة على التوالي أثناء الغزو الأمريكي للعراق، حيث قادت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً دولياً بهدف وهمي لم يثبت بأي دليل قاطع بل ثبت كذبه بعد تدمير العراق وسرقة ونهب ثرواته، وهو ( نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق ووقف دعم صدام حسين للإرهاب وتحرير الشعب العراقي)، واحتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق وبقيت قواتها بها حتى عام ٢٠١١.

واستمرت الآلة الإعلامية الغربية تتلاعب بالعقل الجمعي العالمي أثناء تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، حيث أطلقت على عمليات الفوضى التي انتشرت في بعض الدول العربية في نهاية العام ٢٠١٠ وبداية العام 2011 مصطلح الربيع العربي، حيث أكدت أن الثورات العربية المزعومة والمدعومة أمريكياً وصهيونياً جاءت من أجل تغيير الأنظمة الدكتاتورية المكرسة للتخلف، وتمكين انظمة ديمقراطية قادرة على تحقيق التنمية والتقدم، وكانت النتيجة تدمير غالبية هذه المجتمعات العربية، وإدخالها في أزمات لم تتمكن من الخروج منها حتى الآن، بل استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الأزمة في سورية وشكلت تحالفاً دولياً لمحاربة تنظيم داعش، ولازالت تحتل بعض الأراضي السورية تحت نفس المزاعم وتقوم بسرقة ونهب النفط السوري، وتحاول الحفاظ على التنظيم الإرهابي الذي هو صناعة أمريكية خالصة.

وجاءت الحرب الروسية – الأوكرانية وقامت الآلة الإعلامية الغربية بممارسة هوايتها في التلاعب بالعقل الجمعي العالمي، حيث صورت ما يحدث على أنه احتلال روسي، رغم أن الحقيقة تقول أن أوكرانيا تهدد الأمن القومي الروسي، وتخوض حرب بالوكالة ضد روسيا لصالح أمريكا التي ترفض رسم خريطة جديدة للعالم متعددة الأقطاب لتظل هي المسيطر الوحيد على كوكب الأرض.

ومن هنا يتضح أن القوى الاستعمارية الجديدة في العالم والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية أدركت أهمية هذه الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة، فبدأت بالسيطرة عليها لكي تتحكم في مصير العالم، فإذا كانت وسائل الإعلام هي المتحكم الرئيس في عملية تشكيل وعي العقل الجمعي العالمي، فعندما يتم السيطرة على هذه الوسائل يمكنها بسهولة تزييف وعيه عبر التحكم في المعارف والمعلومات التي يستمدها عبر هذه الوسائل.

وخلال السنوات الأخيرة قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتطوير وسائل الإعلام لتتحول إلى جنرال في حروبها حول العالم، فظهرت الشبكة العنكبوتية للمعلومات ( الانترنت ) ومن خلالها ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي مع تطوير في تكنولوجيا الهاتف المحمول، وبذلك أصبح كل إنسان حول العالم يمتلك وسيلته الإعلامية الخاصة التي يستطيع من خلالها الحصول على ما يشاء من معارف ومعلومات تشكل المكون الأول لعملية الوعي، وإذا كانت المعارف والمعلومات زائفة فإن الناتج عنها سيكون تزييفاً للوعي وليس تشكيلاً له.

ويمكننا ملاحظة حجم التلاعب بالعقل الجمعي العالمي الذي مارسه الإعلام الغربي خلال العدوان الصهيوني على غزة، حيث استخدم كل آلياته القديمة والجديدة في تزييف وعي العقل الجمعي العالمي، فعبر الفضائيات الخاضعة لسيطرته تم تزييف وعي المواطنين حول العالم فيما يتعلق بالأحداث التي تدور على الأرض العربية الفلسطينية المحتلة، فعندما تسأل أي مواطن حول العالم من أين تستمد معلوماتك عن ما يحدث في غزة اليوم ؟ فسوف يسارع فوراً ليؤكد لك أنها عبر وسائل الإعلام، وإذا كان السؤال أكثر تحديداً من أي وسيلة إعلامية تستمد معلوماتك ؟ فسوف يؤكد أنها من خلال الإعلام الجديد المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث عبر شبكة الانترنت.

لذلك لا عجب أن تجد الآن تزييفاً لوعي العقل الجمعي العالمي، بل وجهل بحقيقة ما يجري من حرب إبادة لشعبنا العربي الفلسطيني بواسطة الآلة العسكرية الصهيونية المجرمة، ( رغم كل الجهود التي تقوم بها الآلة الإعلامية المقاومة)، فقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من كسب العديد من المعارك في إطار الجيل الرابع والخامس للحروب عبر استخدام الآلة الإعلامية الغربية الجهنمية الجبارة التي تمتلكها وتقوم من خلالها بعملية غسيل لأدمغة سكان العالم، لذلك أصبح العقل الجمعي العالمي تسيطر عليه الرواية الصهيونية مهما كانت مزيفة ومفبركة، فحتى الآن يعتقد جزء كبير من سكان كوكب الأرض أن ما يحدث في غزة هي حرب يخوضها جيش الاحتلال الإسرائيلي دفاعاً عن المستوطنين الصهاينة، الذين يتعرضون لإرهاب من جماعة حماس المسلحة وفقأً للرواية الصهيونية، في حين أن الحقيقة تقول أن هذه الأرض ملك هذا الشعب الفلسطيني وتم احتلالها واغتصابها من هؤلاء الصهاينة منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، وما تقوم به حماس وباقي الفصائل الفلسطينية هي مقاومة وطنية مشروعة لتحرير ترابهم الوطني المحتل، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

بقلم/ د. محمد سيد أحمد


المصدر: موقع إضاءات الإخباري