تمديد الهدنة: هل تنجح تكتيكات الهدن في إنهاء الحرب؟
مقالات
تمديد الهدنة: هل تنجح تكتيكات الهدن في إنهاء الحرب؟
أشرف العجرمي
29 تشرين الثاني 2023 , 10:10 ص

اضطرت حكومة إسرائيل إلى الموافقة على هدنة إنسانية رغم الموقف المبدئي الذي اتخذته، والقاضي بعدم القبول بأي هدنة قبل الإفراج عن كافة «الرهائن» الإسرائيليين في قطاع غزة لأسباب عديدة، أهمها: الضغط الأميركي الشديد النابع أساساً من حجم الضغط الممارس على الإدارة في أوساط الرأي العام الأميركي، الذي بدأ ينقلب ضد الرئيس جو بايدن الذي فقد دعم الأغلبية من الجمهور بسبب الجرائم الإسرائيلية، والصور التي نشرت عن الدمار الهائل، والخسائر الكبيرة بين المدنيين الفلسطينيين، لدرجة أن الحرب الهمجية الإسرائيلية تسببت في رفض غالبية الجمهور الأميركي لسياسة بايدن الداعمة لإسرائيل دون أي قيد أو شرط. وأظهرت استطلاعات الرأي أن أكثر من 50% يرفضون هذه السياسة، وبالتالي أصبحت الإدارة في حرج شديد وخوف من فقد فرصة فوز بايدن في الانتخابات القادمة، وحتى إمكانية خسارته داخل حزبه.

واشنطن أبلغت إسرائيل أنها تريد هدنة إنسانية بأسرع وقت ممكن حتى دون شروط أو أي ثمن. وقد سمحت بمرور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بهدن إنسانية ممتدة وحماية المدنيين الفلسطينيين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم. وقد فهمت الحكومة الإسرائيلية أنه لم يعد لها مجال لرفض الهدنة، وأنها ستكون في صدام مع الإدارة الأميركية، رغم أن الجيش والمستوى الأمني وبعض القادة السياسيين كانوا يرفضون توقف الحرب ولو ليوم واحد قبل القضاء على بنية «حماس» على الأقل في شمال قطاع غزة وفي مدينة غزة، لأن وقف العملية الحربية في أوجها سيحسب كفشل، وسيجعل استئنافها بكامل قوتها وزخمها بعد الهدنة أمراً ليس سهلاً.

السبب الثاني، هو موضوع المحتجزين الإسرائيليين في غزة، خاصة المدنيين منهم. فهذا يشكل مسألة رأي عام وإجماع إسرائيلي. وصار صعباً على الحكومة الإسرائيلية أن ترفض أيّ فرصة للإفراج عن محتجزين حتى بثمن وقف الحرب لمدة محدودة، رغم أن هذه المسألة خضعت لخلافات في الرأي داخل الجمهور الإسرائيلي وبشكل خاص مع أهالي الأسرى والمحتجزين. ففي حين يرغب الجمهور في تحرير من يمكن منهم لأن هناك خطراً كبيراً على حياتهم بقطاع غزة في ظل هذه الحرب المدمرة، هناك بالمقابل من يريد الإفراج عن الكل دفعة واحدة، وعدم السماح لحركة «حماس» بالتلاعب بإسرائيل وكسب الوقت والمماطلة في هذه العملية. وفي النهاية تغلب الرأي الأول الذي يريد استثمار الفرصة لتحرير من يمكن منهم بأيّ ثمن.

موافقة إسرائيل على الهدنة مرتبط فقط بمسألة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة، وهذه الموافقة ارتبطت بتأكيدات متكررة على أن الحرب ستستأنف فوراً بعد انتهاء الهدنة بكامل القوة. ومن المتوقع أن يحدث هذا إذا انتهت الهدنة في وقت قريب ولم يتم تمديدها لفترة طويلة. والإدارة الأميركية تشارك إسرائيل هذا الموقف حتى الآن، وتركز فقط على موضوع المحتجزين بمن فيهم ذوو الجنسية الأميركية، وعلى ضرورة تدفق المساعدات الإنسانية للمواطنين في القطاع. وتعرب واشنطن عن دعمها للهدنة للإفراج عن «الرهائن».

«حماس»، من جانبها، تلعب بورقة المحتجزين بذكاء في محاولة لكسب الوقت أولاً من أجل التقاط الأنفاس والتزود بالأمور الضرورية وإعادة ترتيب صفوفها، وللتخفيف من ضائقة المواطنين، خاصة في شمال قطاع غزة لعدم اضطرارهم لإخلاء المنطقة، وبالتالي التسهيل على قوات الاحتلال في موضوع استمرار الحرب والقضاء على القوة العسكرية للحركة باعتماد سياسة الأرض المحروقة. ولكنْ هناك سبب جوهري آخر في تكتيك «حماس»، وهو محاولة خلق مفاعيل ضغط على إسرائيل لعدم استئناف الحرب. فالجيش الإسرائيلي بعد فترة توقف طويلة سيفقد الرغبة في القتال، كما أن الضغط الدولي على إسرائيل سيتعاظم لعدم الإقدام على الحرب من جديد، على الأقل استهداف المدنيين بالشكل الهمجي الذي حصل قبل وقف إطلاق النار. وحتى الآن الأمور تسير بصورة سلسة طالما يوجد أسرى ورهائن تود «حماس» الإفراج عنهم وفق الآلية الحالية: مدنيون، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، مقابل الأسيرات والأطفال الفلسطينيين.

في الواقع لا تستطيع إسرائيل أن تسلّم بخروج «حماس» منتصرة في هذه الحرب حتى لو كان الانتصار جزئياً ومعنوياً، فهذا يعني هزيمة إسرائيل وتعريض وجودها للخطر. فدون حسم الوضع في قطاع غزة لن يعود السكان الإسرائيليون إلى منطقة غلاف غزة وكذلك سكان مناطق الشمال الذين تم إخلاؤهم. ولن تصبح إسرائيل منطقة آمنة لليهود في العالم وستزداد وتيرة الهجرة المعاكسة، سيتدهور وضع إسرائيل الاقتصادي وسمعة ومكانة إسرائيل الدولية.. والأخطر أن الجيش سيظل يشعر بالهزيمة والمعنويات المتردية، وسيفقد مكانته باعتباره الجسم الأهم وموضع الإجماع القومي الإسرائيلي. لهذا من المتوقع أن تستأنف إسرائيل الحرب في أيّ فرصة على الأقل؛ للوصول إلى حل مُرضٍ تستطيع من خلاله الادعاء أنها حققت جزءاً مهماً من أهدافها في هذه الحرب. وهذا سيبقى يشكل خطراً جسيماً على المدنيين الفلسطينيين في غزة.