كتب الأستاذ حليم الشيخ: من هنا وحتى الحرب الكبرى
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ: من هنا وحتى الحرب الكبرى
حليم الشيخ
4 كانون الأول 2023 , 07:12 ص

كتب الأستاذ حليم الشيخ: 

في المنطقة اليوم محوران:

محور الشر الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية...

ومحور المستضعفين الذي حطم كل تماثيل هُبل بتوفيق من الله رغم هول الدمار وقوافل الشهادة...

ثمن الحرية والعودة إلى التاريخ لا يمكن قياسه بمعايير الربح والخسارة...

اللاجئ الفلسطيني هو أكثر من يعرف أن الهوية الوطنية لا تقدر بثمن...

كيف يفكر محور الشر؟

من المؤكد أن قساوة ضربة السابع من أكتوبر جاءت على الرأس تماماً عند هذا المحور...

إذا صدقت المعلومات، وهذا هو المرجح، فإن ما قامت به المقاومة كان أكثر من مجرد ضربة...

فَقَد الوحش الأميركي رشده...

كالثور الهائج، تسابقت الإدارة الأميركية مع اسرائيل في ارتكاب المجازر من قِبل الأولى، وإجازتها وتغطيتها دوليا من قِبل الثانية وأتباعه الغربيين والعرب...

إذا كان العمى الألماني الكامل تجاه النازية الصهيونية يعود إلى عقدة الهولوكوست التي تتحكم بجزء كبير من الشعب الألماني الخائف دوما من التهمة الجاهزة بمعاداة السامية، فإن الانتهازية السياسية تتحكم بكل ذي طموح لتقلد مناصب في السلطة الحاكمة...

يتحكم لوبي صهيوني على كل كبيرة وصغيرة في هذا البلد...

يبدو أن خوف الألمان من التهمة الجاهزة دوما تجعلهم خاضعين بالمطلق...

منذ بضعة سنين، طلبت إسرائيل تعويضات من شركتي فولكس فاغن ومرسيدس بأكثر من مليار ومائتي مليون يورو بحجة عمالة السخرة التي جرت أثناء الحرب العالمية الثانية على أيدي النازية تجاه اليهود؛ وعندما رفضت الشركتان دفع هذه المبالغ، فرضت اميركا حظرا على هاتين الشركتين في السوق الأميركية...

انتهى الأمر بخضوع مرسيدس وفولكس فاغن، ودفع كل ما طلبته إسرائيل من أجل رفع العقوبات الأميركية عنها...

لم يكن ما حدث في السابع من أكتوبر مجرد فشل استخباري أو أمني، رغم ازدحام غزة بالكثير من أجهزة المخابرات الإسرائيلية والغربية وحتى العربية...

فجأة، ومن حيث لم يحتسب الغرب، خرجت قبضة فلسطينية من خلف ضباب النسيان، وحولت كل المشروع الغربي الذي ابتدأ مع نابليون سنة 1799، مرورا بمؤتمر بازل سنة 1897، ووصولا إلى طريق الهند/ الخليج/ فلسطين المحتلة؛

كل هذا حول المشروع إلى سراب...

يمكن القول إن طريق الهند/ الخليج/ حيفا تلقى ضربة شبه قاضية...

بينما كان كل الغرب ينام على حرير التطبيع ونهاية الحلم العربي بعد النجاح في فصل المشرق العربي عن مغربه؛ وبعد تكريس قُطرية كيانات سايكس بيكو والذهاب حتى إلى تقسيم المُقسم...

خرج مارد من غزة فجأة يقلب الطاولة على الجميع بما في ذلك عجائز العرب وأشباه الرجال من الحكام، ويعيد عقارب الساعة إلى التوقيت الفلسطيني...

كل مشاريع أصحاب الجلالة والفخامة صارت اوراق خريف لربيع مزيف...

لم يعد الربيع الموعود ربيعاً داعشيا وهميا، ولا ثورات وهمية ملونة...

أنه ربيع فلسطين...

ربيع انتصار الدم على السيف...

ربيع الياسين الذي جعل الجيل الرابع الفلسطيني في غزة والضفة وجبل عامل يهزم الجيل الرابع للمركافا...

بعد عقود من الموت الرخيص والهوان العربي، صار للموت طعم الحرية...

عدنا إلى زمن الشهادة في سبيل الأرض والعرض حتى لو تباطأ الآخرون...

لو وقعت الاخت في الأسر أو العوز...

هل يحق لأي شقيق بعدم القيام بالواجب قبل أن يأتي الآخرون...

هذه نكتة سمجة، كما هو اشتراط كل حدود عربية بعدم التحرك لنصرة فلسطين طالما الحدود الأخرى مغلقة...

أميركا تعرف أن هذا هو المسمار الأول في نعش الإمبريالية والاستعمار؛ لذلك عادت تقاتل بشراسة وفي يقينها أن القتل قد يردع الأحرار كما فعل مع الأجيال التي مضت...

الى أي مدى يمكن لأميركا الذهاب...

الكل يعرف أن قائد الهجوم... وأصل الهجوم، هو الإمبريالية الأمريكية...

تاريخ أسود يبدأ من اغتصاب القارة الأميركية من السكان الأصليين واول هولوكوست فعلي في التاريخ، إلى استغلال العبيد في حقول القطن، إلى هيروشيما وناكازاكي، إلى فيتنام، إلى العراق، إلى أفغانستان، وصولا إلى فلسطين...

ما هو المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الإمبريالية الأمريكية؟

وفقاً لتجارب التاريخ؛ اميركا تذهب الى الاخير في ارتكاب المجازر إذا كان الطرف المقابل لها لينا طائعا لا يرد الصاع صاعين...

هكذا كان الأمر مع العراق أيام صدام حسين...

أما إذا واجهت خصما من طينة الفيتكونغ، أو الأفغان أو حتى المقاومة العراقية ما بعد اجتياح بغداد ونهب القصور والمصارف والمتاحف؛ فإنها كاملة البراغماتية في هذه الحالة... تخرج من الباب لتعود من الشباك...

هذا ما حصل في العراق...

وهذا ما حصل في فيتنام...

إذا، على محور المقاومة أن يكون صلبا كالفولاذ في التصدي للأميركيين من جهة، وان لا يسمح لأي نافذة أن تفتح لهم للعودة إلى المنطقة...

لعل أكثر من يفهم الأميركي في محور المقاومة، هم اليمنيون...

لم يهادن اليمن، حتى عندما أعلنت الهدنة في غزة...

لا يخاف اليمن التهديدات الأميركية؛

هو يعرف ان الحرب التي شنت على شعب اليمن لم تكن فقط سعودية إماراتية...

هو يعرف انها لم تكن عبثية على الإطلاق...

لقد كانت حرباً صهيونية بامتياز، وقد فشل الوكلاء؛ تماماً كما فشل الاصيل وجروه البريطاني...

أي مغامرة أميركية في البحر الأحمر سوف تنتهي بإقفال هذا البحر...

الأميركي يعرف هذا...

كذلك الاسرائيلي الموجود في المنطقة بغطاء عربي أميركي...

لا يستطيع الأميركي فعل أكثر من كل ما فعله سابقاً، وقد فشل فشلا ذريعاً...

اسرائيل تعرف؛ كما اميركا أن غزة المحاصرة لا تستطيع الحرب إلى ما لا نهاية وحدها...

لذلك من المرجح أن تستمر هذه الحرب ولو مع هدنة هنا او هدنة هناك...

البحر محكم الإغلاق...

كذلك الأمر مع الحدود المصرية...

محور المقاومة أمام قرار حاسم لا بد من أخذه...

الاستمرار بالمناوشات، وإطلاق الألعاب النارية في العراق لن يؤدي إلى ما فيه الخير في هذه الأمة...

الاستمرار في استيعاب الغارات الاسرائيلية الى ما لا نهاية في سوريا يجب أن ينتهي...

في مكان ما، لا بد من رد صارم من سوريا على استمرار قصف مطاري دمشق وحلب...

لا يمكن لجبهة الجنوب إلا الارتقاء إلى مستوى التاريخ...

السؤال الوحيد المجهول هو متى...

كيف، وحتى أي سؤال آخر، لا يمكن الوقوف عليهما...

الضغط يزيد على المقاومة في فلسطين...

سقوط غزة يعني تلقائيا، سقوط كل محور المقاومة بما في ذلك إيران...

لذلك، يقف كل محور المقاومة أمام خيارين لا ثالث لهما:

وقف إطلاق النار، أو الحرب الشاملة...

حتى متى يمكن الانتظار؟

اسرائيل وأميركا تراهنان على سقوط غزة مع مرور الوقت...

محور المقاومة يراهن على استنزاف اميركا وإسرائيل والغرب دون أفق منظور لهذا الاستنزاف...

في النهاية لا يهم إلى أي حد سوف تسقط قيمة الشيكل، ولا خسائر مليارات الدولارات في الاقتصاد...

الذي سوف يدفع في النهاية هم أميركا والنظام المالي العالمي المسخر لخدمة الإمبريالية الأمريكية...

كلفت حرب تدمير اليمن حوالي خمسمائة مليار دولار...

كلفت حرب تدمير سوريا أكثر من مائتي مليار دولار...

كذلك حروب العراق وافغانستان...

كل هذا لا يهم كثيراً...

المال والاقتصاد مقدور عليهما...

الفاعل الوحيد الاكيد هو الخسائر البشرية...

تهديد الأميركيين ينفع فقط يوم تبدأ جثث جنوده تعود إلى اميركا في أكياس...

تهديد الأميركيين ينفع يوم تُضرب المصالح الأميركية، ومصالح الدول المساندة لاسرائيل في المنطقة...

كل ما يعرفه الناس أن محور المقاومة لم يعد يمتلك ترف قصف نفس المواقع تكراراً وتكراراً...

صحيح أن عنوان المواجهة يجب أن يظل فلسطينياً...

لكن لا بد من الانتقال الى المراحل المتقدمة إذا أردنا لهذه المواجهة أن تبقى جذوتها ملتهبة...

ما يجري في الضفة... في غزة... حتى في ال ٤٨ يفرض إيجاد صيغة الدخول في الحرب تحت العلم الفلسطيني بأي ثمن...

هذه ليست أمنية...

أنها حقيقة لا بد منها قبل أن نضطر للعودة إلى نقطة الصفر بانتظار مقاومة جديدة ترث الخيبة كما ورثناها نحن عن منظمة التحرير التي ورثت هي بدورها أنظمة الانقلابات والثورات التي فشلت في دحر الكيان...

جيل الأجداد كان أميا لا يقرأ...

تأخر قبل الثورة على الانتداب ضد هجرة اليهود إلى فلسطين...

جيل ابائنا خسر فلسطين على دفعتين في ال ٤٨ وال ٦٧، رغم أنه كان تعلم الكتابة والقراءة...

جيلنا ربما نجح في نقل البندقية من ايدي كسولة يسارية وإخوانية إلى مقاومة إسلامية منفتحة لا تزال تنتقل من نصر الى نصر آخر...

أما النصر الأخير...

فإن ثمنه كبير جدا...

كبير أكثر من أي شيء آخر...

لكنه ثمن مُستحَق عن جدارة...

إنه ثمن بدء رحلة الالف ميل وقد صار في النصف الأخير منها...

إذا أردت السلم...

تهيأ للحرب...

أنها الحرب... فلتكن بالوتيرة المناسبة... لكن بلا أوهام ، ولا خوف...

نحن جميعاً في هذه الحرب...

فلنخضها بلا هواده ولا تردد...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري