عدنان علامه / عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
كرر بايدن في عيد الأنوار السبت الماضي إعتناقه الصهيونية كمذهب سياسي. فقال بايدن في خطاب ألقاه في البيت الأبيض أثناء احتفاله بـ«عيد الأنوار» (الحانوكا) اليهودي، : «ليس من الضروري أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً، وأنا صهيوني»، مشيراً إلى أنه لطالما تعرض لانتقادات في السابق بسبب إطلاقه هذا التصريح أكثر من مرة، وفقاً لما نقلته صحيفة «بوليتيكو» الأميركية.
فلنتعرف سويًا بإختصار عن هذا المذهب السياسي الذي اوجدته الحركة الصهيونية حتى قبل إنشاء الكيان الغاصب كما سياتي لاحقًا.
"الصهيونية المسيحية هو الاسم الذي يطلق عادة على معتقد جماعة من المسيحيين المنحدرين غالباً من الكنائس البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر. يعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشكلون جزءاً من اللوبي المؤيد لإسرائيل.
وفي تعريف أعمق فالصهيونية المسيحية كفكر ديني رؤيوي سياسي حديث؛ يرجع ظهوره للقرن التاسع عشر ولكن هذا الفكر يجد جذوره في تيار ديني يرجع للقرون الأولى للمسيحية يدعى بتيار الألفية. والألفية هي معتقد إيماني ظهر بين مسيحيين من أصول عبرية حافظوا من ديانتهم القديمة على ما يسمى بالماشيحية الزمنية وعلى التأويل الحرفي لنصوص الكتاب المقدس خاصة ما ورد في سفر رؤيا يوحنا (20: 3 – 6). فهم يعتقدون بأن المسيح سيعود إلى عالمنا هذا مع ملائكته والقديسين ليحكم الأرض كملك مدة ألف عام ومن هنا جاءت تسمية الألفية. فمبكراً جداً في عام 172 م ادعى مونتانوس الفريجي بأن الحياة الإخلاقية والروحية لأعضاء الكنيسة قد انحدرت وابتعدت عن الله بسبب تأثير العالم السلبي عليهم، لذلك وجب على الكنيسة العودة على ما كانت عليه أيام الرسل فأعلن نفسه نبيا ً جديداً من السماء أوكلت إليه مهمة التبشير بقرب نزول أورشليم السماوية ومجيء الرب إلى منطقة فريجية العليا - التي كانت واقعة آنذاك في آسيا الصغرى – لتأسيس مملكته التي ستستمر فترة ألف سنة.
وقد لاقت أفكار المذهب التدبيري رواجاً في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بفضل جهود لاهوتيين بروتستانت مثل دوايت مودي (موجد معهد مودي للدراسات الكتابية في شيكاغو) وسكوفيلد وويليام بلاكستون. ومن الكتب المنشورة حديثاً في البلاد والمتأثرة بهذا التيار العمل الذي حقق أفضل المبيعات (Late Great planet Earth) لكاتبه هال ليندسي، إضافة لسلسلة من الروايات الآخروية لتيموثي لاهاي بعنوان (Left Behind)، بيع من هذه السلسلة خمسين مليون نسخة.
أعطى قيام "دولة إسرائيل" عام 1948 زخماً قوياً لمتبني الصهيونية المسيحية، كما أن حرب حزيران عام 1967 كانت بالنسبة لهم أشبه بمعجزة إلهية تمكن فيها اليهود من دحر عدة جيوش عربية مجتمعة في آن واحد وأحكمت خلالها الدولة العبرية سيطرتها على بقية أراضي فلسطين التاريخية خصوصاً القدس الشرقية والمواقع الدينية التي تحتضنها. وبالنسبة للتدبيريين فأنه باحتلال إسرائيل للقدس والضفة الغربية تحققت نبوات الكتاب المقدس، فشجعت هذه العلامات «الإلهية» مسيحيين إنجيليين آخرين على الانخراط في صفوف المدافعين عن إسرائيل وإلى دفع الولايات المتحدة للبقاء إلى جانب «الطرف الصحيح» في تتميم النبوات.
وقد جرت محاولات متعددة لدمج الإنجيل مع التوراة فعمدت الصهيونية العالمية إلى إستعمال كلمة موحدة وهي العهد القديم والعهد الجديد.
وتباينت الآراء في الدمج وكل يورد إستدلالات معينة، فالمسيحيون المتشددون قالوا بأنه من المستحيل أن نلتقي مع العهد القديم لأن ربهم( يهوه) يقوم بعمليات الحروب والإنتقام والعنف وسفك الدماء وقتل الأطفال. والدين المسيحي يدعو إلى طاعة الله والتسامح والمحبة.
فالصورة الإلهية التي يرسمها لنا العهد القديم بنظريتها في العهد الجديد لبدت من الوهلة الأولي صعوبة المطابقة بينهما. ومن الغريب أن نجد أنفسنا نحاول التوفيق بين أشياء متناقضة؛ مثل كيف يأمر يهوه الرب شعبه قديما بمحاربة الأمم الكنعانية؛ وبين النبي عيسى عليه السلام الذي طلب من بطرس أن يرد سيفه إلى غمده. كما أن قول يهوه "سمعت أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لا تقاوموا الشر بالشر".
فهذه الإختلافات تعني يقينًا أن هناك تناقضات في الإعلان الإلهي في كلا العهدين. بل إن هذه الإختلافات بينهما وما يترتب على ذلك من اختلاف في طبيعة الإعلان عن الله في العهد القديم عن ذلك الخاص به في العهد الجديد.
ولمعرفة مدى خطورة المسيحية الصهيونية على البشرية؛ سنأخذ بايدن كنموذج خاصة في تصرفه خلال عملية طوفان الأقصى. فبايدن لم يتصرف كرئيس لدولة عظمى في إدانة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وَخَرْقِ القانون الإنساني الدولي؛ فزوّد بايدن إسرائيل بمئات آلاف الأطنان من الصواريخ الدقيقة وقذائف المدفعية التي تسببت بإستشهاد أكثر من 19000شهيد وأكثر من 50000 مصاب وفقدان أكثر من 9000 شخص ويشكل الأطفال أكثر من 45% من كل عنوان. كما عمل بايدن على تزييف الحقائق بنفيه إستهداف الأطفال عمدًا وتهديم المساجد، والمدارس والمنازل على رؤوس أصحابها. وقد إستعملت أمريكا حق النقض الفيتو في مجلس الأمن خلافًا للإرادة الدولية(153 دولة) القاضية بضرورة وقف إطلاق النار الفوري. وبذلك أعطى بايدن نتنياهو الضوء الأخضر باستباحة الدم الفلسطيني لتنفيذ الإبادة الجماعية بسلاح أمريكي.
وبناء عليه فقد نَفَّذَ بايدن تعليمات الصهيونية المسيحية والتي تنص على التالي:- "يعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل".
وبالتالي فإن بايدن قد وضع نفسه موضع الإتهام داخليًا بسبب التالي :-
1-خرقه قانون البنتاغون بخصوص توريد السلاح للدول الخارجية التي عليها أن تستعمل للدفاع المشروع عن النفس.
2- تعريض المصالح الأمريكية وعناصر الجيش الأمريكي في العالم للخطر الشديد.
وسيتم حتما في أمريكا تقديم لوائح إتهام ضد بايدن لعزله ومحاكمته.
وإنّ غدًا لناظره قريب
14 كانون الأول/ ديسمبر 2023