قبل أيام: (29 نوفمبر 2023)، نشرتْ صحيفةُ الإيكونوميست مقالاً تُشيرُ فيه إلى خَشيتِها من أنْ تُجَدِّدَ الحربُ في غزَّةَ الروحَ الإسلاميةَ من جديد، بعدَ عقدٍ من الثوراتِ المُضادّةِ التي نجحتْ في ترويج ِ العَلمانِيّةِ والإباحيةِ، وإخراجِ الناسِ مِنَ الدِّين ِ إلى الِانحِلالِ! وافتِتاحِ ِ مسارِ التطبيع ِ بينَ الدُّوَل ِالعربيةِ والكِيان ِ الصّهيونيّ.
لفتَ نظري أنَّ المقالَ وهوَ يُواصلُ تِعدادِ "إنجازاتِ" هذا العقدِ الماضي، جعلَ من بينِها ازديادَ مُعَدّلاتِ الطلاق ِ في الخليج، حتى فاقتْ مُعدّلاتُها في دُوَل ٍ غربية، وازديادِ مُعَدَّلاتِ الزِّنا لِصُعوبَةِ الزواج!!
كان مفهوماً تماماً، أنْ يَطْرَبَ المقالُ بِشِدَّةٍ، لِما يَجْري مِن ِ انْفِلاتٍ أخلاقيٍّ في الدُّوَل ِالعربيةِ المحافظة، ومِنْ حظْرٍ لِلنِّقابِ في المدارسِ المصرية، فلا غرابةَ أنْ يسعدَ الغرْبيُّ بِكُلِّ ما يُعَبِّرُ عن ِ اِنهيارٍ وتَرَاجُعٍ ٍ لحضورِ الإسلامِ في أيِّ مَكان..
لكنْ، أنْ يَفرحَ كاتِبُ المقالِ بازديادِ مُعَدّلاتِ الطّلاق ِ وازديادِ مُعَدَّلاتِ الزِّنا، فهذا دليلٌ واضحٌ على أنَّ التغريبَ نفسَهُ مُدَمِّرٌ وحدهُ لِلمُجتمعاتِ ولِلأُسَر، وأنَّ هذا التدميرَ الِاجتِماعِيَّ مقصودٌومحبوبٌ ومرغوبٌ لهؤلاءِ الغربيِّين .
يَخْشى أصحابَ المقال َ الذي كُتِبَ بينَ الدوحةِ والقاهرةِ وبيروت، منْ أنْ تُؤَدِّي الحربُ على غزَّةَ إلى دَفْن ِ هذِهِ الحالةِ المُنْفَلِتَةِ الجاريةِ في العالمِ العربِيّ، وأنْ تُجَدِّدَالشعورَالإسلامِيَّ العامَّ الذي يُخرِجُ الناسَ من الفرديَّةِ، والنَّظرَةِ العلمانيةِ إلى الإسلامِ، باعتبارِهِ إنقاذاً رُوحِياً شخصياً، لِيُدْخِلَهُم في صورةِ الإسلامِ الذي يَتَوَحّدُ معَ قضايا المُسلمينَ ويَتَمَسَّكُ بِرُؤْيَتِهِ السياسيةِ والِاقتصاديةِ والِاجتماعية.
وكالعادة، جاءَ المقالُ بآراءِ خبراءَ تُثِيرُ تَخَوُّفَ الغَرْبِ مِنْ أنَّ القضاءَ على الرُّوح ِ الإسلاميةِ بعيدُ المَنال، وأنَّ خُفُوْتَ هذِهِ الروح ِ لا يعني مَوْتَها، ولكي لا يحدُثُ هذا التَّجَدُّدُ،فلا بُدَّ أنْ يُرْأَبَ هذا الصَّدْعُ بينَ الفلسطينيينَ والإسرائيليين،ولابُدَّلِلْحُكّامِ العربِ أنْ يُحَسِّنوا منَ الأوضاع ِ الِاقْتِصادِيَّةِ لِشعوبِهم(فعلى دول الخليجِ أن تدفعَ أكثرَ)، لأنَّهُ طالَما بَقِيَتْ هذِهِ المشكلاتُ قائمةً، فإنَّ الرُّوحَ الإسلاميةَ سَتَتَجَدَّد .
ومعَ ما يُثِيرُهُ المقالُ من أفكارٍ كثيرةٍ تَستَحِقُّ الكلام، إلّا أنِّي لا أستطيعُ تجاوُزَ مسألةِ ازْدِيادِ مُعَدّلاتِ الزِّنا والطلاق.
إنَّ الإسلامَ هُوَ مِنْ ضَرُوراتِ تماسُكِنا الِاجتِماعِيّ، ومنْ ضَروراتِ شعورِ الإنسان ِ بِالأَمْن ِ، في أَخَصِّ أُمورِه:
زوجتِهِ وأبنائهِ ووالدَيْهِ وإخوتِه.
إنهم يَخْشَوْنَ أن يتوقّفَ انهيارُنا الِاجتِماعي، وها هو بعضُهم يُوصِي بضرورةِ إيقافِ الحربِ قبلَ أنْ تستيقظَ المَعانِي التي أمكنَ دفنُها خِلال السنواتِ الماضية!