بقلم :- راسم عبيدات
ان تعجز عن تحقيق الأهداف التي خرجت من اجل تحقيقها في العرف العسكري فأنت مهزوم ....ونتنياهو وحكومته ومجلس حربه خرجوا لتحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية المتطرفة غير القابلة للتحقيق والموجهة للداخل " الإسرائيلي" أقلها القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس واستعادة الأسرى بدون مفاوضات مع المقاومة واعلاها الطرد والتهجير القسري واعادة رسم خرائط المنطقة وإعادة تشكلها من جديد وصولاً لما يعرف بالشرق الأوسط الجديد،على غرار الشرق الأوسط الكبير الذي بشرت به المغدورة وزيرة الخارجية الأمريكية انذاك كونداليزا رايس،عندما قامت " اسرائيل" لأول مرة بخوض حرب بالوكالة عن أمريكا في تموز/2006 على ح ز ب ال ل له والمقاومة اللبنانية ،هذا المشروع الذي "قبره" ج زب ا ل ل ه بعد حرب استمرت 33 يوماً....وفي قطاع غزة بعد اليوم الرابع والثمانين من الحرب الشاملة المستمرة على قطاع غزة،والتي تستخدم فيها " اسرائيل" كل فائض قوتها التدميرية والتي أفرغت مخازن السلاح الأمريكي و"الإسرائيلي" من صواريخ موجهة وقنابل زنة 2000 رطل والقنابل العبثية والقذائف الخاصة بدبابات " المركفاة" ،نجد ان " اسرائيل" عاجزة عن تحقيق أي نصر عسكري او ميداني، فنتنياهو بحث عن صورة هذا النصر في مشفى المعمداني ثم في الوصول الى حذاء السنوار وبعد ذلك صورة لشخصية محمد الضيف .....نتنياهو الذي أجبره شركاؤه في الحكم بن غفير وسموتريتش على رفض نقاش مستقبل قطاع غزة بعد يوم من توقف العمليات العسكرية في المجلس الحربي المصغر،وقالا بأن مكان هذا النقاش،ليس مع غانتس وايزنكوت،بل مكانه في المجلس والمطبخ السياسي والأمني الممثل فيه بن غفير وسموتريتش.....ولذلك بات من الواضح في ظل تصاعد الخلاف والأزمة وفقدان الثقة بين اطراف مجلس الحرب وكذلك بين المستويين السياسي والعسكري ،في وقت تفتقر فيه " اسرائيل" لأول مرة منذ 50 عاماً الى قيادة سياسية تجيب على الأسئلة الإستراتيجية ،وطرح وجهة النظر هذه يائير غولان نائب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي وعضو كنيست سابق ....الخلاف حول اولويات الحرب،هل هي القبول بوقف إطلاق نار من أجل إستعادة الأسرى من جنود ومدنيين لدى المقاومة ..؟؟أم الإستمرار في خيار الحرب الشاملة وفق رؤية نتنياهو وغالانت وبن غفير وسموتريتش والتي من شأنها أن تشكل ضاغط على المقاومة الفلسطينية للقبول بالطرح " الإسرائيلي" الهدن المؤقت لمدة اسبوعين او ثلاثة،حيث يجري خلالها عملية او عمليات تبادل للأسرى ...ووجهة النظر هذه رفضها اهالى الأسرى،وقالوا بأن هذا الخيار من شأنه ان يقتل المزيد من الأسرى بنيران الجيش " الإسرائيلي" ويعيد أبناءهم في توابيت،وهم يريدونهم أحياء .
خيارات نتنياهو ما بعد الهزيمة صعبة وقاسية،فهو من جهة غير قادر على التراجع عن استمرار الحرب الشاملة ،لأن ذلك يعني تفكك ائتلافه وحكومته ،حيث بن غفير وسموتريتش جاهزين للخروج منها وإسقاطها ،وكذلك اذا لم يستكمل الحرب الشاملة،فهذا يعني الإقرار بالهزيمة ،ولذلك تبقى الحرب الشاملة واحدة من خياراته،ولكن بالمقابل هذا يعني بأن ذلك سيفتح عليه سهام النقد والمطالبة بإستقالته ورحيله من قبل أهالي الأسرى،والذين تحولت مظاهراتهم ومسيراتهم واحتجاجاتهم في شعاراتها وخطاباتها متجاوزة للبعد الشخصي والأُسري والعائلي،وبدات تأخذ منحى المطالب السياسية المنادية برحيل نتنياهو،ملتقية مع المعارضة "الإسرائيلية"،التي تطالب بهذا المطلب وكذلك تحميله مسؤولية الفشل الأمني والإستخباري والهزيمة الكبرى في معركة 7 أكتوبر، مضافة للتهم الثلاثة المنظورة ضده أمام القضاء " الإسرائيلي" الرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة، والبعض ذهب في مطالبه ضد نتنياهو الى أبعد من ذلك بالدعوة الى اجراء انتخابات سياسية خلال الحرب،زعيم المعارضة لبيد وليبرمان وزير الأمن السابق وعضو كنيستـ وإن حدث هذا سيكون المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات " إسرائيلية في زمن الحرب،ولعل هناك دعوات ومطالبات من المعارضة لإيزنكوت وغانتس لكي ينسحبا من مجلس الحرب المصغر، لشعورها بأن ما يهم نتنياهو وغالانت الحفاظ على تحالفهما الحكومي من التفكك وإطالة امد الحرب بأفق شخصي يتجاوز المصالح "القومية".
أما الخيار الثاني امام نتنياهو وغالانت في حال فشل هذا الخيار بسبب الضغوط الأمريكية وتحولات الرأي العام العالمي ،وتعمق الأزمة السياسية والمترافقة مع فشل عسكري وميداني ،فهو الهروب الى الأمام والذهاب الى حرب إقليمية،ولذلك نرى بأن نتنياهو وغالانت يسعيان الى نقل المعركة الى الجبهة الشمالية ،وخاصة بأن درجة تصعيد تلك الجبهة الإسنادية لقطاع غزة ارتفعت وتيرتها بشكل غير مسبوق ،بتجاوز حزب ال ل ه لقواعد الإشتباك وتوسيع نطاقها نحو فرض قواعد اشتباك جديدة ،وكذلك تعالي الإحتجاجات من قبل المستوطنين، الذين يجري تهجيرهم من مستوطناتهم بشكل متدرج،بحيث باتت المستوطنات المخلاة ،تسكنها الأشباح وجنود الإحتلال ،وحياة المستوطنين في تلك المستوطنات، باتت لا تطاق،وباتوا يشعرون بأنهم رهائن لحزب الله وهو من يقرر مصيرهم،وبدل من إخراج حزب الله الى خارج او ما بعد نهر الليطاني ،يجري ترحيلهم هم،وعدم القدرة على إعادتهم لمستوطناتهم،وجزء منهم هجر تلك المستوطنات بشكل نهائي،100 ألف مستوطن جرى ترحيلهم،وهذا دفع زعيم حزب" إسرائيل بيتنا" ليبرمان، للقول هناك في المجلس الحربي المصغر من يريد التخلي عن الجليل،وبأن أوضاع المستوطنين في الشمال تشبه وضع مخيم جباليا من حيث الدمار الذي لحق به من قبل القوات "الإسرائيلية....ولذلك خيار الحرب الإقليمية وجر الولايات المتحدة اليها،من شأنه أن يقلل التركيز على الحرب الدائرة في غزة،وبالتالي بصبح نتنياهو ليس وحده من يتحمل المسؤولية بعد ان تتوقف الحرب،وبذلك يضمن البقاء على رأس الحكومة،ولكن هذا الخيار لا ترغبه ولا تريده أمريكا،وهي من أتت بقواتها وبوارجها وسفنها وطائراتها،من اجل حماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة ومنع تمدد الحرب خارج إطار جغرافيا قطاع غزة الى حرب إقليمية.
في حين قد يلجأ نتنياهو في ظل كل هذه العوائق والمخاطر وصعوبة تحقيق هذه الخيارات والكوابح الكثيرة لها داخلياً وخارجياً ،للهروب الى الخلف والذهاب الى خيار حرب استنزاف طويلة،وهذا ما بشر به رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هليفي، عندما قال بأن هذه الحرب طويلة ومعقدة،وهناك أهداف ضرورية يجب العمل على تحقيقها،ولكن لا يوجد حلول او وصفة سحرية لتحقيقها،وهي تحتاج الى عدة شهور،وقد تستمر الحرب الى ما بعد يناير وفبراير ،وربما هذا الخيار تنادي به العديد من الأوساط العسكرية والأمنية وحتى السياسية "الإسرائيلية"،وتدعمه وتسانده أمريكا،أي خيار الإنتقال الى المرحلة الثالثة من الحرب، بتغير أسلوب وطبيعة واهداف الحرب ،بالإنتقال من الحرب الشاملة ذات القوة النارية والتدميرية المرتفعة الى تجميع القوات المنتشرة على مساحة واسعة من قطاع غزة وإعادة تموضعها في منطقة محددة، والمقصود هنا،منطقة وادي غزة المواجهة لشرق الشجاعية وخانيونس،التي تخطط "إسرائيل" لإقامة منطقة عازلة فيها بعمق 1 -2 كم وعلى طول 60كم ،بحيث يتم الإعتماد في القتال على تركيز اكبر والمباغته ،وانتقاء اهداف محددة ونوعية اغتيال قادة المقاومة،واستهداف تشكيلاتها العسكرية ومخزونها العسكري والتسليحي،والتوغل واستخدام القصف الجوي والبري والبحري بناء على معلومات استخبارية،وهذا الخيار يعني الإستمرار في الحصار والضغط على المقاومة من خلال بيئتها الحاضنة،بمنع سكان القطاع من العودة لحياتهم الطبيعية .
قد يكون هذا الخيار الأفضل بالنسبة "لإسرائيل" لأنه يجنّبها الاستمرار بدفع الثمن الباهظ ولا يلزمها بوقف النار مع ما فيه من إقرار بالهزيمة المؤكدة أو الهزيمة المقنعة، ، لكن من سلبياته أمرين الأول استمرار عمل الجبهات المساندة خاصة من لبنان واليمن مع ما فيها من أضرار وخسائر هامة تلحق ب "إسرائيل" أمناً واقتصاداً كما وفيها استمرار سكان المستعمرات في الجنوب والشمال خارج مساكنهم وعدم تقديم حلّ لقضية الأسرى، ومع ذلك قد يكون العمل بهذا الخيار «إسرائيلياً» هو الأرجح.
فلسطين – القدس المحتلة
29/12/2023